لصالح من يتجنّدُ المغرضون لهدم مناعة الأمة؟!


لم يكن التحدي القرآنيُّ للكافرين والمشركين معا عبثا في قوله تعالى : {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بأَفْوَاهِهِمْ ويأْبَى اللَّهُ إلاَّ أَنْ يُتِمَّ نورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الكافرونَ هُوَ الذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بالْهُدى وَ دِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ على الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُون} (سورة التوبة : 32- 33)

ولكن التحدي الربانيَّ كان لإبراز عدة حقائق بالنسبة للمؤمن الذي كان- وما زال- يعيش حملة تشكيكية في صلاح دينه للحياة، وصلاحه لإشباع التطلعات الإنسانية، وصلاحه لقيادة البشرية في كل الأمكنة والأزمنة.. إلى غير ذلك من مناحي التشكيك.

فالحملة التشكيكية الشرسة المشنونة في كل وقت من شأنها أن تحدث في النفس المؤمنة نوعا من الاهتزاز إذا لم تكن راسخة اليقين في العلم بالله تعالى، والثقة به، والاطمئنان لدينه عن علم وبينة وبصيرة، فشراسة الحملة واحتمال وجود الضعف الإيماني -في بعض الفترات- اقتضى -في سنة الله تعالى- وجود ضمانة ربانية يتكئ عليها المؤمن إيمانيا وعلميا وهو يواجه الحملات الضارية لإقبار رسالته في الحياة، وإقبار مستقبله الدنيوي والأخروي معا. فكانت الضمانة الربانية هي الوعْدَ المفتوح بأن دين الحق -في نهاية المعركة- ظاهر على الأديان كلها ولوكره كل المعاندين من مختلف الأصناف والأنواع.

أما أبرز الحقائق التي يتضمنها التحدي الرباني فهي :

1- أن دين الله تعالى قائم على الانسجام مع الفطرة الإنسانية السوية، فما دام الإنسان يتمتع بالفطرة السوية ففطرته ترحِّب بهذا الدين وتنفر من الهوى المخالف للفطرة، فالدين -مثلا- يحرم السرقة والمجون والدعارة والسكر والرشوة والاستغلال عن طريق الربا والتزوير في الانتخابات والشهادات… فهل الفطرة السليمة تقبل هذا؟! وهل الهوى يدعو لشيء غير هذا؟! بل أكثر من هذا؟!

2- أن دين الله تعالى يدعو إلى السمو الروحي، وإلى حضارة الأخلاق، والكفار المشركون ليس في جعبتهم إلا السفالة والنذالة والهبوط. فهل يمكن أن يتفوق الأسفل على الأعلى؟!

3- أن دين الله شامل للدنيا والآخرة، والجسد والروح، والكفار والمشركون لا يعرفون إلا الدنيا والجسد، فهم عباد الشهوة والمال، فهل يمكن أن يتفوق الجاهل القاصر العاجز على الشامل المحيط.

4- تحدَّى الله تعالى صراحة في النص القرآني الكافرين والمشركين، ولم يذكر المنافقين -مع أنهم السرطان المتفشي في الأمة- لهوانهم على الله وعلى الناس، ولتبعيتهم للكفار، ولانعدام شخصيتهم، فهم مجرد أبواق وأصداء لأسيادهم. وإن انْتَفَخُوا فهم كالقط يحكي َصْولَة الأسد.

5- التحدي البارز في : {ويأبى  الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون} {والمشركون} يَدُلُّ على  القوة اللامتناهية لله تعالى القوي العزيز الجبار المهيمن هيمنةً تشريعيةً وقهرية لا ينجو من قبضتها أحد، فهو سبحانه بهذه الهيمنة يملك الثواب والعقاب، ويقدر عليه في الدنيا والآخرة، وإن طغى البعض وظهر أنه متفلت فإن ذلك إلى حين.

هذه القوة المهيمنة هيمنة مطلقة هي التي تعطي المصداقية للتحدي وللوعد، وتعطي الثقة للمسلمين، بل هي الزاد كله في الإقبال على عبادة من يستحق أن يُعبد، وفي الثقة فيمن يستحق أن يوثق به، وفي الطاعة الكاملة لمن يستحق أن يطاع، بدون أن يخطر في بال المؤمن أدنى تجرؤ على العصيان أو التمرد أو التساؤل عن الفعل الرباني أو الحكمة من وراء ذلك الفعل. فالله عز وجل {لايُسأل عما يفعل وهم يسألون} بل مهمة المؤمن {سمعنا وأطعنا}.

أما بؤساء الأمة ومفلسوها فكرا وبضاعة، الذين يرون أن النص القرآني القطعي الدلالة >يُسَاءَل ويُنَاقَش، وعلى المسلمين الحداثيين أن يفرُضوا عليه -القرآن- مصالحَهُم وحاجاتِهم ومؤسساتِهم الحداثية، وعلومَهم وقيم عصرهم، لماذا؟؟ لأنه ليس نصا فوَقِياًّ مفروضا فرضا، بل هو -القرآن- كان مُحَصِّلة للحوار والتشاور بين النبي والصحابة…< فهؤلاء سيعرفون أي منقلب ينقلبون، يوم يتخلى عنهم أسيادهم من الكافرين والمشركين، وتتَحَشْرح أرواحهم في صدورهم، وتبرق أبصارهم، فلا ترى إلا النار وقد أحاطت بهم من كل جانب. آنذاك سَيُدْرِكون، أن الله تعالى والدين، والإيمان، والحياة والموت، والجنة والنار، والحور العين، وسقر ليست هزؤا ولعبا، وإنما ذلك جد في جد.

وسيدركون أن الدين الذي يعملون على تخريبه، وأن الأمة التي يعملون على تخريبها يحميهما الله تعالى من فوق عرشه، ولكنهم خربوا أنفسهم فقط.

ولقد صدق الله تعالى عندما أشار إلى هذا الصنف المشكِّك المخرِّب الذي يظن نفسه أنه فوق العالم، وفوق الناس، وفوق الله عز وجل، لأنه لا يعرف الله سبحانه، فهو ينطلق من لا إله والحياة مادة، لا إله والدنيا لهو ولعب، لا آخرة والدنيا لهو ولعب ومغامرة يفوز باللذة فيها المغامر الجسور. قال تعالى : {وَ مِنَ النَّاسِ مَن ْ يُجاَدِلُ في اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ولاَ هُدًًى ولاَ كِـتَابٍ مُنِيرٍ ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ في الدُّنْيا خِزْيٌ ونُذِيقُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ عَذابَ الحَرِيقِ} (سورة الحج : 9)

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>