(الغرب هو الآخر الذي نرى من خلاله ذاتنا الحقيقية، وهو المقياس الذي نقيس به درجة تمدننا وتحضرنا وتخلفنا أيضا) “رواه “عبد الله العروي
“جماعة هند ية تطالب بقوانين لحماية الأزواج من زوجاتهم!” تحت هذا العنوان نشرت إحدى الصحف تظلم “جبهة الهند كافة ضد وحشية الزوجات” والتي تضم حوالي 40000 زوج، وشعارها “يا أزواج العالم اتحدوا فلا شيء نخسره سوى زوجاتنا”, وفي مطبوع وزع بإحدى الثانويات بفاس تجد” بعد التعديل الذي طرأ على مدونة الأحوال الشخصية تقرر تطبيق ما يلي : “طلب تصريح الخروج من المنزل” يقدم من قبل الزوج لموافقة زوجته عليه، وتجد قسيمة الترخيص بالخروج للزوج ممضاة من قبل الزوجة، ثم تجد “لائحة العقوبات” مثل “النوم الانفرادي وبدون عشاء، لمدة………يوم…”
وفي إطار حملة الترويج لمدونة الأسرة الجديدة، مازال بعض الحداثويين يطالعوننا بحملة شعواء على نظام الأسرة ” الأبوي” ومازالت شهيتهم مفتوحة لالتهام ما بقي من آثار الاسلام في المدونة، وطمس البقية الباقية منها، وما زالت الدعوات محمومة بخصوص رفع التحفظات المغربية على الاتفاقية “الدولية” بشأن القضاء على “جميع” أشكال التمييز ضد المرأة وملاءمة قوانيننا معها (وليس العكس طبعا) بل ذهب البعض إلى انتقاد بعض المقتضيات الدستورية المغربية التي تجعل المُلْكَ في أكبر أبناء الملك من الذكور، فهؤلاء الحداثويون يقدسون المرجعية الدولية ويريدون أن نحكمها في المرجعية الإسلامية، ويخلقون مشاكل وهمية حتى يتسنى لهم التمكين للقيم الغربية بطرق قانونية تضمن سلامتهم وسلامة تحركاتهم المشبوهة، وجوهر الخلاف -بناء على ذلك- ليس بين من يريد إنصاف المرأة والأسرة وبين من يذلها ويمتهنها ولكن بين من ينطلق من مشاكل حقيقية واقعيةوموضوعية وبين من ينطلق من رؤى وتصورات غربية له فيها (مآرب أخرى).
…وبعد 30 شهرا، وبعد مخاض عسير، ولدت مدونة الأسرة وفلسفة النوع (الجندر) ما زالت جاثمة على بنودها وفلسفتها العامة. والحقيقة أن الواقع ما دام خاضعا لنزوات وأخلاق بعض القضاة والقائمين على تنزيل القوانين، فإن “المدونات” -وما أكثرها في ترسانتنا القانونية- لن تغني عن الواقع المتردي للأسرة والطفل والعامل والصحفي و… شيئا.
إن هذا الركن لن يسعنا للحديث -مطولا- عن المدونة الجديدة ولكن حسبي أن أشير إشارات خاطفة إلى ما يلي :
- إن اقتسام الثروة الذي نادت به المنظمات النسائية والعلمانية وأشياعها من شأنه أن يجبر الرجال على التصريح بممتلكاتهم قبل الزواج، وإن كان هذا لا يشكل عائقا أمام أغلبية الشعب الفقيرة -التي ليس لها ما تصرح به-، فهل سينصاع له علِّية القوم مثل الوزراء ومن على شاكلتهم؟ مثلا.
- إن رفع سن الزواج إلى 18 سنة مشكل وهمي، لأن متوسطه في المغرب بين 25- 26 سنة أصلا، ولعل من بين (المآرب الأخرى) للحداثويين هو الدعوة الخفية لإشاعة الجنس وتعميم استعمال العازل الطبي والتكفل بحالات “الأمهات العازبات” وذلك كله ابتغاء توسيع دائرة الحرام وتضييق دائرة الحلال كما أشار حزب العدالة والتنمية في تعديلاته المقترحة.
- إن تلاحم الأسرة المغربية يقتضي التشاور والتناصح بين أفرادها فما بالك إذا كان الأمر يتعلق بالزواج، إذ في هذه الحالة حتى الرجل لا بد من أن يطلب موافقة والديه وذويه وإن كان الشرع والقانون يعفيانه من ذلك. فبالأحرى المرأة التي لن تجد من يحميها إلا أسرتها في حال فشل زواجها، وعليه فإن بند “الولاية حق للمرأة تمارسه حسب اختيارها ومصلحتها” لا بد وأن يفسح المجال واسعا للزواج دون علم الولي مما يؤدي إلى تشتت الأسر وتنافرها وتدابرها… وهذا من (مآربهم الأخرى).
إنه منطق “الحداثوية” المدمر، الذي لا هم له إلا التغيير بعد إشعار قصير، فالحداثة كما عرفها بعضهم “هي القدرة على تغيير القيم بعد إشعار قصير”.
وأخيرا، فإننا لا نستغرب هذا المنطق ما دام دَيْدَن الحداثة توجيه السؤال الإجرائي : كيف؟ وليس توجيه السؤال الفطري الإنساني الغائي : لماذا؟
ونتمنى ألا يأتي يوم تنشأ فيه جماعة “جبهة المغرب ضد وحشية الزوجات” رافعة شعار “يا أزواج المغرب، اتحدوا، فلا شيء نخسره سوى زوجاتنا”.