حالة المسلم بعد رمضان


الحمد لله الذي مَنَّ على الإنسان بإتمام عبادة رمضان

الحمد لله الذي أمد الإنسان بالتوفيق والسداد وصالح الأعمال فوفقه للصيام والقيام فضلا منه ونعمة، جعل سبحانه في تعاقب الليل والنهار عبرة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا.

نحمده حمدا تُقبل به أعمالنا وترفع به درجاتنا في عرصات القيامة.

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له المنزه في ملكه، الفعال لما يريد لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، وأشهد أن سيدنا محمدا رسول الله، خير من داوم على طاعة ربه وتلذذ بعبادته حتى أتاه اليقين. اللهم صل على هذا النبي الكريم صلاة وسلاما دائمين دوام الليل والنهار. وصل اللهم على آله وأصحابه وأحبابه إلى يوم الدين.

أما بعد :  فيا معاشر المسلمين لقد ودعنا بالأمس ذلك الضيف الكريم الذي حل بنا قريبا، ولاحظ كل واحد منا أنه نزل علينا بالخير والبركات. فيا عبد الله العاقل الراجي للثواب اتَّقِ الله وأكثِرْ من إتباع الحسنة بالحسنة فوالله ما أجمل الطاعة تعقبها الطاعات، وما أحسن الحسنات تجمع إليها الحسنات.

اعلموا أيها الإخوة في الله أنه إذا كان فعل السيئة والمعصية قبيحا في نظر الإسلام وفي نظر العقلاء، فما أشنعه وما أقبحه بعد فعل الطاعات والحسنات، خاصة في رمضان الذي لاحظنا فيه تحول الإنسان من عبادة الشيطان الرجيم إلى عبادة الرحمن الرحيم، فإذا كانت الحسنات تذهبن السيئات، فإن السيئات قد يبطلن الأعمال الصالحات.

عباد الله : حافظوا على ما كنتم عليه من فعل الخير وتعهد الصلاة في الجماعات في رمضان، وحافظوا أيضا على جوارحكم فلا تعملوها إلا فيما يرضي خالقكم، وصُنُوها عن الرفث والزور والفسوق والعصيان كما كنتم في رمضان، واحفظوا أجسامكم من تناول الحرام مثل شرب الخمر والمسكرات والدخان والمفتِّرات، ولا تدنسوا أعراضكم بالفواحش كالزنا ومقدماته، وراقبوا ربكم الذي تسَّاءلون به، ولا تقطعوا صلتكم بربكم بعد أن كانت متصلة به في رمضان، وتيقنوا أن من كان يعبد رمضان فإن رمضان قد مات، ومن كان يعبد رب رمضان فإنه حي دائم مراقب لا يموت.

إن في استدامة أمر الطاعة وفي امتداد زمانها نعيم الصالحين، وزاد المخلصين وأمل المحسنين، واعلموا أنه ليس للعبادة وللطاعة زمان محدود كما يظنه كثير من المغفلين من أفراد هذه الأمة. فليعلم الكل منا أن العبادة لا تنتهي إلا بالموت وأنها ليست مؤجلة بأجل معين، بل هي حق الله على العباد. قال تعالى : {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} (الذاريات : 55) وقال عز من قائل : {واعبد ربك حتى يأتيك اليقين}(الحجر : 99).

فيجب أن تشغل فرص الحياة وسويعات العمر بطاعة الله، فالخطاب في قوله تعالى : {واعبد ربك} موجه للنبي عليه السلام، والمراد به أمته وهو أمر يفيد الوجوب، أي لا تفارق أنت وأمتك العبادة حتى تموت. فـ(اليقين) أبلغ من قوله واعبد ربك أبدا، والمراد استمرار العبادة مدة الحياة, وهذا ما قاله العبد الصالح فيما حكاه عنه القرآن الكريم. قال تعالى : {وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا}(مريم : 30).

والدليل على أن المراد باليقين هو الموت حديث أم العلاء الأنصارية، قال رسول الله ، أما عثمان بن مظعون فقد جاءه اليقين. وإني لأرجو له الخير والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل به. أخرجه البخاري.

وكان عمر بن عبد العزيز يقول : ما رأيت يقينا أشبه بالشك من يقين الناس بالموت ثم لا يستعدون له، يعني كأنهم فيه شاكون.

إن العبد المطيع لله الذي يقطع مرحلة الحياة كلها في طاعة الله، هو من أولياء الله المتقين الذين وعدهم الله بالأجر العظيم والثواب الجزيل. قال تعالى : {وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما}.

لقد شاهدنا شهر رمضان المبارك وقتا لتنافس الصالحين بأعمالهم ومجالا لتسابق المحسنين بإحسانهم اقتداء برسول الله  الذي كان أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان، وكان رمضان أيضا عاملا لتهذيب النفوس المؤمنة، روضها على الفضيلة وارتفع بها عن الرذيلة، وأخذت فيه دروسا للسمو الروحي. قال تعالى : {ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها}(الشمس : 7- 10) فجانبت نفس المؤمن كل قبيح واكتسبت فيه كل هدى ورشاد. فيجب على نفوس المؤمنين أن تستمر على طريق الهدى والرشاد، كما كانت في رمضان. قال الحسن البصري رحمه الله  : “إن الله لم يجعل لعمل المؤمن أجلا دون الموت، ثم قرأ : {واعبد ربك حتى يأتيك اليقين}. إن بعض غلاة الصوفية يعتقدون أن معنى اليقين في الآية أن يصل أحدهم في الاجتهاد في العبادة إلى درجة يرتفع عنه فيها التكليف. وهذا والله من تلبيس إبليس اللعين الذي أعمى بصائرهم فانقطعوا عن العبادة.

فلا ينقطع عن الاتصال بخالقه في آخر حياته إلا شقى، تعس منحوس. وأما الموفقون من المؤمنين فهم الذين يداومون على  طاعة ربهم وعبادة خالقهم وهم غير الموصوفين بالهلع في قوله تعالى : {إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا إلا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون}(المعارج : 19- 23) فالهلع أشد الحرص وأسوأ الجزع وأفحشه فهو الذي لا يشبع، والمنوع هو الذي إذا أصاب المال منع حق الله تعالى. قال ابن كيسان : “خلق الله الإنسان يحب ما يسره ويرضيه، ويهرب مما يكرهه ويسخطه، ثم تعبده الله بإنفاق ما يحب والصبر على ما يكره”.

فاللهم يا أرحم الراحمين تقبل منا الصيام والقيام وأسعدنا بلقائك يا ديان آمين.

ذ. عبد الله غزيوي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>