الموجز في تاريخ العلاقات الدولية للمملكة المغربية


التاريخ الدولي لأمة ما من الأمم يعني التعبير عن مظهر من مظاهر رقيها وترفها، لأن الدولة لا تفكر عادة في الاتصال بالعالم الخارجي تأثرا وتأثيرا- إلا إذا كانت داخليا في وضع سعيد رغيد… ولهذا فإن ازدهار العلاقات الخارجية تعبير صادق  -في نظرنا- عن الأوضاع الداخلية في كل بلاد، ثم إنه جواب عملي لكل الذين يريدون الوقوف على حقيقة تاريخ أمة من أمم العالم في ما ضيها البعيد القريب.

وعلاج تاريخ الدبلوماسية المغربية ليس بالأمر اليسير لأنه ليس كالتاريخ مثلا لمعلمة من المعالم التاريخية كجامعة القرويين بفاس، أو مسجد حسان بالرباط، وليس كالتاريخ لمدينة ما من مدننا العتيقة كمراكش وتطاون، ولكن التاريخ الدبلوماسي يعني شيئا صعبا بل في منتهى الصعوبة، وقد جاء ذلك من أنه تاريخ موزع بين الدول الأخرى التي كانت لها صلة بالمغرب مثلا سواءفي افريقيا أو أوربا أو آسيا أو أمريكا… موزع في تقارير السفراء والقناصل والوكلاء الأجانب الذين كانوا على مقربة من المغرب ولأجل أن نأخذ فكرة جد واضحة عما أقول، أذكر أنه عندما كانت الولايات المتحدة الأمريكية تحاول أن تربط علاقتها مع المملكة المغربية لأول مرة، كانت تمهد لذلك باستفسارات واستخبارات… وإلى جانب هذا كان ممثلو الدول الأخرى المعتمدون في البلاط المغربي، يبعثون بتقارير خاصة إلى بلادهم عن تلك المحاولات وعن صداها في الأوساط المغربية ثم عندما اعترف المغرب باستقلال أمريكا جدت في العلاقات البريطانية المغربية، أشياء نجد صداها مثلا في وثائق القنصلية الانجليزية بطرابلس الغرب… وهكذا تكون هذه التقارير مجموعة وثائقية لا تخفى أهميتها في التاريخ الدولي للمغرب…

على أن صعوبة تحرير التاريخ الدبلوماسي للمملكة المغربية تأتي أيضا من أن الذين يتوفرون على لغة عربية سليمة قد لا يتوفرون على لغة أجنبية مناسبة تساعدهم على الاستفادة، كما أن الذين يعالجون الموضوع بلغة أجنبية قد لا يعرفون من العربية ما يمكنهم من الحكم على الأشياء كما يجب، وهَلُمَّ..

يوجد عند المؤرخ ابن صاحب الصلاة، والمراكشي وابن زرع، وابن خلدون، والقلقشندي مثلا عدد من المقاطع المهملة في المصادر الأوروبية، وفي مقابل ذلك تضم المجاميع الأجنبية روائع أهملتها المصادر العربية، وهكذا فالذين استوعبوا الحديث عن علاقات المغرب بالعالم المسيحي أهملوا تماما صلة المغرب بالعالم الإسلامي وصلاته بالمشرق العربي، وفي موازاة ذلك أهمل الذين تحدثوا عن صلتنا بالمشرق، أهملوا تماما صلاتنا بالعالم المسيحي.

ومن بين الملاحظات المؤسفة أن بعض الذين يتناولون الموضوع قد تجرفهم العاطفة ويعميهم الغرض فيكتبون عن حادثة بأسلوب يعتبره آخرون بعيدا عن الصواب، وقفنا على عدة أمثلة من هذا الحيف على التاريخ والتجني على الحقائق…

< مظان تاريخ العلاقات الدولية

وإن مظان البحث عن عناصر هذا التاريخ تتعدد وتتنوع فبينما نجدها مثلا في أرشيف لندن وباريز ومدريد ولشبونة وروما وكوبنهاكن و سطوكهولم، وأمستردام، وإسطامبول ونجدها عند De Martens  وDe Mas Latrie وDe Las Cagigos  وBecker وDeCastrie وHautrives….. أو في المصادر التركية الخ، نجدها كذلك في كتب الأدب العربي بما تتضمنه من رسائل شعرية ونثرية، بل وفي كتب النوازل الفقهية، التي نقف فيها على آراء زعماء الدين في نازلة سياسية معينة : قضية حدود، قضية استفتاء حول تبادل تجاري بين المغرب وغيره من الدول الأجنبية، قضية ما استشار فيها العاهل المغربي مع أهل الحل والعقد.

وبعد هذا هناك المصعب الأخير وهو قلة المصادر ولا أقول فقدانها لأنها بالفعل موجودة، وإن اقتناع الخبير بوجود البترول في الحقل لا يتوقف على رؤية ضخه بالفعل. أكثر من عشرين قرنا من وجود أمة، ومن تسلسل ملوكها كابرا عن كابر هو وحده الدليل على أن ثمة وثائق ما تزال في حاجة إلى البحث والتنقيب، بل أن ذلك وحده، المعلمة الكبرى على ذلك الوجود…

وبعد، فما هي النقاط التي نتناولها في موجزنا القصير هذا؟ إن كل النقاط وكل المواضيع في هذا التاريخ رائعة، ومع ذلك فسأحاول أن أستعرض المراحل التي عرفها التاريخ المغربي من خلال الدول التي تعاقبت على الحكم، وبذلك نتوفر على “تصميم” يعطينا فكرة نيرة عن تاريخ العلاقة الدولية للمملكة المغربية، ولكننا قبل ذلك سنشير لبعض الجوانب المضيئة في غضون ذلك التاريخ.

-من تقديم الكتاب-

ذ. عبد الهادي التازي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>