1) مرتبة الحج في أركان الإسلام :
الحمد لله الذي أكرم الأمة المحمدية بقواعد الإسلام، وأخبر أن من طبقها يعد من الفائزين، وجعل أولها الشهادتين المتضمنين للعقيدة، وآخرها الحج الذي كل من أداه تأدية شرعية كان جزاؤه الجنة، حسب ما أخبر به سيدنا محمد خير البرية.
الحج هو خامس ركن من أركان الدين الإسلامي الحنيف لقوله “بني الإسلام على خمس<(رواه البخاري) وذكر منها >حج البيت<(رواه البخاري ومسلم).
2) حكم الحج :
والحج فرض على المستطيع مرة في العمر دل على فرضيته الكتاب والسنة والإجماع، فمن جحد وجوبه وأنكر فرضيته أو شك فيه، فهو كافر، ومن أقر بوجوبه وامتنع من فعله فالله حسبه.
أ- ثبوته بالكتاب : بقوله تعالى : {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا}(آل عمران : 97).
ب- وبالسنة الشريفة : ومنها حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : خطبنا رسول الله فقال : >يا أيها الناس كتب عليكم الحج< فقام الأقرع بن حابس فقال: أفي كل عام يا رسول الله؟ فقال : “لو قلتها لوجبت ولو وجبت لم تعملوا بها الحج مرة فمن زاد فهو تطوع” رواه أحمد وأبو داود
ت- وبإجماع المسلمين، من عهد رسول الله حتى يومنا هذا لم يخالف في فرضيته أحد.
3) التعجيل أحسن :
وقد اختلف العلماء في أن وجوبه هل يكون على الفور أوالتراخي؟ فذهب الشافعي والثوري والأوزاعي، ومحمد بن الحسن إلى أن الحج واجب على التراخي، فيؤدى في أي وقت من العمر، ولا يأثم من وجب عليه بتأخيره متى أداه قبل الوفاة، لأن رسول الله أخر الحج إلى السنة العاشرة، وكان معه أزواجه وكثير من أصحابه، ومع أن إيجابه كان سنة ست على الراجح، فلو كان واجبا على الفور، لما أخره . وذهب أبو حنيفة ومالك وأحمد، وبعض أصحاب الشافعي، وأبو يوسف إلى أن الحج واجب على الفور، لحديث ابن عباس ] أن رسول الله قال: “من أراد الحج فليعجل، فإنه قد يمرض المريض، وتضل الراحلة، وتكون الحاجة” رواه أحمد وابن ماجة…
4) فضائل الحج :
ومن المعلوم أن للحج فضائل كثيرة منها:
1- أنه من أفضل الأعمال، عن أبي هريرة] قال : سئل رسول الله أي الأعمال أفضل؟ قال : “إيمان بالله ورسوله” قيل : ثم ماذا؟ قال : “ثم جهاد في سبيل الله” قيل : ثم ماذا؟ قال : “ثم حج مبرور”.
2- إنه جهاد : عن عا ئشة رضي الله عنها أنها قالت : ترى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد؟ قال : “لكن أفضل الجهاد : حج مبرور” متفق عليه
وعن الحسن بن علي ] أن رجلا جاء إلى النبي فقال إني جبان، وإني ضعيف فقال : >هلم إلى جهاد لا شوكة فيه : الحج<(رواه عبد الرزاق والطبراني ورواته ثقات).
3- إنه يمحق الذنوب, عن أبي هريرة ] قال : قال رسول الله : >من خرج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه<(متفق عليه).
وعن عمرو بن العاص قال : لما جعل الله الاسلام في قلبي أتيت رسول الله فقلت : ابسط يدك فلأبايعك. قال : فبسط فقبضت يدي فقال : “مالك يا عمرو؟” قلت أشترط قال: “تشترط ماذا؟ قلت أن يغفر لي، قال : >أما علمت أن الإسلام يهدم ما قبله. وأن الهجرة تهدم ما قبلها، وأن الحج يهدم ما قبله<(رواه مسلم).
4- أن الحج ثوابه الجنة : روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة] قال : قال رسول الله : “العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور، ليس له جزاء إلا الجنة”.
وروى ابن جريج بإسناد حسن عن جابر] : أن رسول الله قال : “هذا البيت دعامة الاسلام، فمن خرج يؤم هذا البيت من حاج أو معتمر، كان مضمونا على الله، إن قضبه أن يدخله الجنة، وإن رده رده بأجر وغنيمة.
5) شروط وجوبه :
والمكلف بالحج هو المسلم الحر البالغ العاقل المستطيع وهي شروط وجوبه، فيشترط لصحة الحج ولوجوبه الإسلام، فلا حج على الكافر ولا يصح منه، وأن يكون حرا: فلا يجب على العبد، ولو حج صح حجه، ولا تسقط عنه فريضة الحج لو أعتق.
وأن يكون بالغا : فلا يجب على الصبي، وإذا حج صح حجه، ولا تسقط عنه فريضة الحج بعد أن يصبح بالغا.
وأن يكون عاقلا : فلا يجب الحج على المجنون. ولو أحرم عنه وليه أو ولي الصبي عنه، صح ولا تسقط عنه فريضة الحج.
والدليل على اشتراط الحرية والبلوغ والعقل قوله : >رفع القلم عن ثلاثة : عن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ<(رواه أحمد) وحديث ابن عباس أن النبي قال : >أيما صبي حج ثم بلغ الحنث فعليه أن يحج حجة أخرى وأيما عبد حج ثم عتق فعليه حجة أخرى<(رواه الحاكم والبيهقي).
وأن يكون مستطيعا : قال تعالى : {من استطاع إليه سبيلا} والاستطاعة الموجبة للحج هي القدرة على الوصول إلى مكة بثلاثة أشياء :
أ- الطريق السابلة : أي المأمونة، فيسقط الحج إذا كان في الطريق عدو يطلب النفوس والأموال، فإن خاف على نفسه أو على بعض ماله سقط عنه.
ب- الزاد المبلغ إلى مكة، والذي يرجعه إلى أقرب المواضع التي يمكنه أن يتمعيش فيها. ويقوم مقام الزاد الصنعة التي يتكسب منها.
ت- صحة البدن مع القوة على الوصول إلى مكة إما ماشيا أو راكبا : فالمريض لا يجب عليه الحج ولو وجد ما يركبه، والمعطوب الذي لا يتمسك على الراحلة لا يلزمه أن يحج عنه غيره من ماله، ومن قدر على المشي وجب عليه إن عدم المركوب، وكذلك الأعمى إذا وجد من يقوده ولم يحصل له مشقة فادحة.
ومن لم يجد طريقا إلا البحر لم يسقط عنه الحج إلا أن يكون الخوف غالبا عليه.
والجدير بالذكر أنه لا فرق بين الرجل والمرأة في حكم الاستطاعة فهما فيها سواء، إلا أن المرأة لا يجب عليها الحج إلا إذا استصحبت زوجا أو محرما بنسب أو صهرية أو رضاع، ولا يشترط في المحرم البلوغ بل المدار على التمييز والكفاية ومثله الزوج. فإن عدم الزوج أو المحرم أو امتنعا أوعجزا ووجدت رفقة مأمونة وجب عليها الخروج معهم سواء كانت شابة أم عجوز في حج أو سفر واجب عليها فلا تخرج مع الرفقة المأمونة إلا بشرطين :
1- أن تريد فريضة الحج، فلو كان حجها نفلا فلا بد من زوج أو محرم، ولا تسافر مع رفقة مأمونة، ومثل حجة الفرض الحج المنذور، والسفر من دار الكفر إلى دار الاسلام.
2- وعند امتناع الزوج أو المحرم عن الخروج معها، فلو وافق أحدهما على الخروج معها، يحرم عليها السفر مع الرفقة المأمونة، حتى لو لم يخرجا معها إلا بأجرة لزمتها إن قدرت عليها، وحرم عليها الخروج مع الرفقة المأمونة.
6) النيابة في الحج :
ومن المعلوم أن النيابة لا تقبل في الحج. فكما لا تقبل النيابة في الصلاة والصيام لا تقبل في الحج، فمن كانت عليه فريضة الحج، لا يجوز له في صحته ولا في مرض ترجى صحته أن ينيب من يحج عنه، فالنيابة في حج الفريضة عن شخص حي لا تصح، سواء كانت بأجرة أم بغير أجرة. وإذا وقعت النيابة فإن فريضة الحج تكون باقية في ذمة المستنيب، وتكره النيابة في حج النفل، كما تكره عن ميت أوصى بالحج عنه، ولكن يجب على ورثته أن ينفذوها بعد موت الموصي من ثلث التركة، إذا لم تعارضها وصية أخرى غير مكروهة، وتكره إنابة من لم يحج عن نفسه كي يحج على الميت. فمن عجز عن الحج بنفسه، ولم يقدر على أدائه في أي عام من حياته، فقد سقط عنه الحج بتاتا، ولا يلزمه استجار من يحج عنه.
وقد أجاز أبو حنيفة النيابة بالحج عن الغير بشرط أن يكون المحجوج عنه ميتا أو عاجزا عجزا مستمرا حتى الموت، ودليله الحديث الذي رواه ابن عباس ] قال : جاءت امرأة من خثعم فقالت يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال : “نعم” وذلك في حجة الوداع. رواه الخمسة وهذا في فريضة الحج.أما حج النفل، فإنه تقبل النيابة فيه عنده مطلقا منغير شرط.