آيات ومواقف – {واتقوا يوماً تُرجعون فيه إلى الله}


قال تعالى : {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله، ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون} البقرة : 280).

هذه الآية الكريمة من آخر ما نزل من القرآن -إن لم تكن آخر ما نزل-، فقد روي عن ابن عباس وابن عمر وابن جريج وسعيد بن جبير ومقاتل أنها آخر آية نزلت من كتاب الله تعالى. قيل إن النبي  عاش بعدها أحد عشر يوما، وقيل تسع ليال، وقيل سبع ليال.

وهي آية كبيرة المعاني، عظيمة الدلالات والمقاصد، فتدبرها، وأعد النظر فيها مرة بعد مرة، وحاول أن تغوص في أعماقها، وتسبح في فضائها.

ألق السمع، وأنصت : {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله} إنها تخاطبك أنت، وتنبهك أنت، وتحذرك من الغفلة عن لقاء الله أنت!.

إنك سترجع إلى مولاك، وستقف بين يديه للحساب، فاتق ذلك اليوم وكن ممن {لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار}، ولا تكن من الغافلين. ألا إن القدوم على الله حق، والرجوع إليه أمر لا ريب فيه. {إن إلينا إيابهم، ثم إن علينا حسابهم} {ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق، ألا له الحكم، وهو أسرع الحاسبين} فانظر بم ترجع إلى ربك؟ فإن كل راجع محاسب {ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون} ستحاسب على الفتيل والقطمير، والقليل والكثير. {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا, وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين} {يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض ياتي بها الله إن الله لطيف خبير}.

خذ حذرك أيها الإنسان، فإن الرجوع إلى الله أمر تشيب له الولدان، وتَنْدَكُّ له الجبال، وتنفطر له قلوب الرجال، إنه رجوع إما إلى الجنة وإما إلى النار، ولذلك جاء القرآن ينبهك من غفلتك ويوقظك من غفوتك, ويقول لك أنت بالذات {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد، واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون} انظر ماذا قدمت لغد؟ وبماذا ستلقى الله؟ فحاسب نفسك قبل أن يصير الحساب إلى غيرك، قال الحسن البصري رحمه الله “المؤمن قوام على نفسه يحاسبها لله، وإنما خف الحساب على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا، وإنما شق الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة”(1)  وهذا سيدنا عمر ] يقول : >حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا فإنه أخف عليكم في الحساب غدا، وتزينوا للعرض الأكبر. {يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية}<(2).

لقد فقه التابعي الجليل سعيد بن جبير هذه المعاني، فظل يكرر هذه الآية مرة بعد مرة، لا يكاد يتخطاها إلى غيرها، عن القاسم بن أبي أيوب قال : سمعت سعيد بن جبير يردد هذه الآية في الصلاة بضعا وعشرين مرة {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون}(3).

آه، لو تأمل الناس هذه الآية وتدبروها وفهموها وتذوقوها كما فعل سعيد. إذن لكفتهم. فاحْذُ حَذْوَ سعيد تكن من السعداء، واجعل شعارك دائما وأبدا {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون}. وفقنا الله وإياك. آمين.

———–

1- إحياء علوم الدين 4/429

2- أخرجه ابن أبي الدنيا

3- فضائل القرآن لأبي عبيد القاسم بن سلام ص 69. والتبيان في أدب حملة القرآن ص 108 والدر المنثور 1/37.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>