قال صاحبي وقد قرأ النفحة الخاصة بهجرة الأدمغة: وماذا عن هجرة المغاربة ؟
قلت إن هجرة المغاربة لا تختلف كثيرا عن هجرات غيرهم ولكنها هجرات، قال: ذلك ما أود إضاءته.
قلت إن هجرة المغاربة بالفعل هجرات، فهناك الهجرة العادية التي تعد استجابة لظروف حياتية خاصة أو عامة، وهناك الهجرة الاضطرارية في ظروف عادية، وهناك هجرة اليد العاملة العادية وهناك هجرة الأدمغة المفكرة المتخصصة، وهناك أنواع ومستويات متعددة تتزايد وتتناقص بحسب الظروف والعصور.
ولأن الهجرة ظاهرة إنسانية وحضارية تساهم في تحقيق التواصل والتعارف بين الأمم والشعوب أفرادا وجماعات، فإنه لا يكاد خلو مكان من العالم من عدد من المغاربة الذين هاجروا إليه قديما وحديثا، معبرين عن إنسانيتهم وعن حسهم الحضاري الرفيع.
لكن الظاهرة اللافتة للنظر والمثيرة للاستغراب بل وللقلق أيضا هي ما يسمى بالهجرة السرية التي تمتطي ما غدا يعرف بقوارب الموت، وتركب المجهول، مع ضعف شديد في أمل تحقيق الهدف، فإما تجاوز الأهوال والوصول، وهذا نادر جدا وإما الموت والهلاك وهذا هو الغالب .
ومن المؤكد أن معظم هذه الهجرات لا تخلو من إيجابيات ومن سلبيات في الوقت ذاته، وإن كانت السلبيات في بعضها تطغى إلى حد كبير، ولكل ذلك انعكاسات متعددة في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والعلمية وحتى السياسية، ولكنها لا تخلو من تداعيات ومشاكل ومخاطر، وقد تتفاقم أحيانا تفاقما يؤدي إلى نتائج وخيمة،ولا سيما حين يتعلق الأمر بمشاكل الاندماج، ومشاكل تربية الأبناء، ومشاكل الزواج، وما قد ينتج عن ذلك من تفكك على صعيد الأسرة، وعلى صعيد الانتماء الوطني وما قد يهب عليه من رياح تضعف الانتماء الثقافي والوطني وقد ينتهي ذلك بالانسلاخ عن الهوية وما تقوم عليه من روابط الدين واللغة وما إلى ذلك.
وإذا كان النظر إلى هجرات المغاربة كغيرهم من حيث النتائج الإيجابية في عدة مجالات ترتبط بما هو مادي أكثر من غيره مما هو معروف لدى الجميع، ومن حيث دور الدولة والجمعيات والمؤسسات المهتمة بالموضوع في المجتمع المدني، فإنه يمكن التركيز على نقطتين كبيرتين لكل منهما أهمية وخصوصية وتميز.
أولاهما: تتعلق بصورة المغرب في الخارج من خلال الانطباعات التي يتركها المهاجرون المغاربة في المجتمعات التي يتعايشون فيها،وما لذلك من انعكاسات على العلاقات العامة والخاصة بين المغرب وتلك الدول باعتبار أن كل مغربي مهاجر هو سفير لبلده في مستوى ما، وبطريقة ما، وأول ما يسأل عنه هناك هو جنسيته وهويته وانتماؤه، ولا شك أن الوعي بهذا الأمر قد يساعد على الالتزام بما يحسن صورة الوطن لدى الآخر باستمرار، وهذا أمر مطلوب جدا، مهما كان مستوى المهاجر وحيثما كان.
ثانيهما: تلك الوصمة التي استفحلت وتفشت وغدت مقلقة إلى حد كبير، فشراء الموت بالأموال يعكس ما أصاب النفوس من يأس أعماهم عن التفكير في حلول أخرى، كتوظيف هذا المال في مشاريع ولو صغيرة في إطار التشغيل الذاتي، حفاظا على الروح وعلى الكرامة، بدل أن تفقد الأسر فلذات أكبادها في عرض البحر مقابل مبالغ مادية لا يستهان بها، ولو تم ترويجها فرديا أو جماعيا لعادت بفوائد كبيرة، ولا شك أن الحد من هذه الظاهرة السلبية يتوقف على ضرورة معالجتها معالجة شمولية وجذرية يشارك فيها جميع الأطراف، في انتظار ذلك يتطلب الأمر المزيد من التوعية والمراقبة الصارمة والضرب على بائعي الموت ممن ماتت ضمائرهم وافتقدوا الأحاسيس الإنسانية وركبوا مطية الاستغلال البشع لظروف نأمل أن تجد لها الجهات المعنية والمهتمة حلولا وتقضي بها على أسباب تلك الهجرة المقيتة ودوافعها، وتحفظ للمغرب كرامته وتصون أبناءه من عواقب تلك المغامرات غير المأمونة، وأقوى وازع يعيد الثقة إلى النفوس هو تقوية الإيمان بالله عز وجل فهو الخالق وهو كافل الرزق وضامنه لكل مخلوق.