مــن نــواقـض الإيـمـان (3)


الاشمئزاز من الشريعة وعدم إرجاع الأمر كله لله:

…ليس المسلم هو الذي يتحكم في هذا الدين ونصوصه فيقصي ما يشاء ويستبقي ما يشاء، بل إن الدين هو الذي يشكل عقلية هذا المسلم.

هو محكوم بنصوص الدين فهي الحاكمة القاضية عليه وليس هو القاضي عليها. إذن ما علينا إلا أن نأخذ القرآن جملة وتفصيلا. حتى لو فرضنا أن إنسانا ما لم يطبق بعض أحكام القرآن والسنة المتواترة، فإنه يجب عليه أن يعتقد أنه فاسق أو أنه منحرف ويجب عليه أن يتوب إلى الله، أما أن ينكر القرآن فهذا خروج من دائرة الدين. أما الناقض الذي يتصل بهذا فهو الاشمئزاز من إرجاع الأمر إلى الله والاشمئزاز من الرجوع إلى أحكام الشريعة الإسلامية.

هناك بعض الناس لهم علاقة قلبية أو وجدانية سيئة مع خالقهم ومع أحكام الدين، فكلما رأوا أن شيئا ما يعود بهم إلى الدين اشمأزوا وانزعجوا، وكلما انطلقوا من دائرة الدين وجدوا أنفسهم مستبشرين ضاحكين. {وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون} (الزمر)

بعض الناس لهم هذا البغض لخالقهم ولدينه حتى ولو لم يصرحوا به علانية, فإن مواقفهم تكشف عن معدنهم وتكشف عنهذا التصور. هناك من لا يحب أبدا أن يكون اسم الله مذكورا أو مرجوعا إليه.

نأخذ التاريخ القديم والتاريخ الحديث ونعلل الوقائع فنتحدث مثلا في انتصار المسلمين بالزلاقة في الأندلس فنجد هؤلاء يذكرون الأسباب الظاهرية لحسن التنظيم في الجيش، وحسن التنسيق، واضطراب الطرف الآخر، وتضعضع القوة الأجنبية، ووجود الخلاف بينهم وما إلى ذلك، ويتوقفون عند هذا ويسمون ذلك وحده من أسباب الانتصار. أما لو كتب واحد من الكتاب فقال: إن من أسباب انتصار المسلمين في الزلاقة أو في معركة بدر أو في عين جالوت أو في أي موقع أو معركة يعود إلى إيمانهم وثقتهم بالله. لو فعل هذا أحد المؤمنين لأنكروا عليه ذلك، وقالوا إن هذا الكلام ليس علميا. هذا كفر يَتَزَيَّى بزي العلم.

كراهة ذكر اسم الله تعالى:

هؤلاء يزعجهم أن يعود المسلمون إلى الله. وكلما استطاعوا أن يزيلوا اسم الله عز وجل إلا وفعلوا ذلك. رحم الله علماءنا القدامى فقد كانوا ينكرون على بعض المتفلسفة الذين يتحدثون عن الصانع ويقولون هذا من صنعه. وهو الذي فعل هذا في الطبيعة، فيقولون إن كلمة الصانع كلمة موهِمَة يفهمها المؤمن على أنها الله ويفهمها البوذي على أنها النار أو… فمن هو هذا الصانع؟؟ لماذا يكره بعض الفلاسفة أن يذكروا اسم الله؟ عندما نقرأ في بعض كتب الطبيعة القديمة نجد أنهم يتحدثون عن الكون وعن تنظيمه، ويتحدثون عن العقل الأول، ثم العقول العشرة وينظمون الكون على أساس أنه يشبه اللوح المحفوظ وغير ذلك من الكلام الذي لا أصل له ولا حجة عليه، ثم المادة والهيولة وما إلى ذلك. فالناس يرون أن ذلك الأمر طبيعي، لكن إذا تحدثنا عن خالق الكون فإن هؤلاء يقولون: إننا خرجنا من العلم ودخلنا في الإيديولوجيا . بذلك نكون قد دخلنا ثنائية العلم والإيديولوجيا، بمعنى إما أن تكون في العلم، أو تكون في الإيديولوجيا والايديولوجيا عندهم هي الدين، هذا كلام غير علمي بمعنى : إيديولوجي. والناس يتعلمون كلمة الإيديولوجيا بأسخف معانيها، لأن هذه الكلمة في حقيقتها كانت لا تعني هذا المعنى الذي هو عند هؤلاء الملاحدة. كانت تعني النظرة التي تتكون عند الإنسان عن الكون وعن الطبيعة وعن كل شيء، أي مجموعة أفكار مكونة متصورة، لكن بعد ذلك أصبحت تعني الإيديولجيا الفكرة التي تكونها فئة حاكمة أو ضاغطة لتستعبد بها فئات أخرى محكومة أو لتزيف وعيها. إذن أصبحنا أمام أمرين: إما أن نقول الله، وبذلك نكون قد دخلنا الإيديولوجيا، وإما أن نخرج من الإيديولوجيا فندخل العلم. فالعلم والإيمان عندهم لا يجمتمعان.

يجب أن ننتبه إلى هذا الأمر فحتى وسائل الإعلام تتحدث لنا عن الطبيعة التي أعطتنا شجرة الزيتون. هذا كفر بالله ما في ذلك شك. ما هي إذن هذه الطبيعة؟ يجب أن نعرفها. هل المعدوم يعطي؟. ويقولون كذلك الماء من هبات الطبيعة. ما هو غرضهم؟ فغرضهم هو أن لا نقول كلمة الله. وفي الأرصاد الجوية عندما يتحدثون عن أحوال الطقس، يقولون على أنه سيقع كذا وكذا كأن ذلك علم اليقين . لكن في الغد يقع العكس، وأيضا يستعملون كلمة غضب الطبيعة. فهذه كلمات كلها مدسوسة يراد منها إقصاء الكلمة الإيمانية حتى لا يرتبط الإنسان بالخالق، حتى لا يقول إن الله هو الذي فعل شيئا. أما صفة الله الأولى مثل كلمة الخالق فنجد الإذاعيين والكثير من الملحدين يعبثون بها فيقولون: الإنسان يجب أن يخلق المناخ الطبيعي، ويخلق الرغبة والحماس, وكذا وكذا…{ أفمن يخلق كمن لا يخلق} كيف يستطيع الإنسان أن يخلق: لقد وردت كلمة الخلق في القرآن الكريم منسوبة إلى عيسى عليه السلام {إني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير} بمعنى آخر. أما الخلق الذي يعني إيجاد الشيء من العدم فهو ليس للإنسان أبدا، ونفس الشيء يقال بالنسبة لكلمة “الإبداع”. فالإبداع في اللغة هو الإيجاد على غير مثال سابق. فإيجاد النظارة مثلا لا يسمى إبداعا وإنما صُنْعاً. أما الإبداع فهو أن لا ترى شَيِئا وتنتج الفكرة من الأساس. إن المبدع أو بديع السماوات والأرض هو الله سبحانه وتعالى . وهكذا أخذوا صفة الله (الخلق والإبداع) وأعطوها للمخلوق.

فنحن في شريعتنا يجب أن نضبط هذه الأشياء ونسميها بمسمياتها الحقيقية.

إن كثيرا من الناس إذن يفرون من الأشياء التي تحيلهم إلى الله عز وجل وتشمئز قلوبهم من ذكر الله ومن نسبة الأشياء إلى الله، وإلى  خالقها وصانعها. {وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون}. فهم يقولون مثلا نحن انتصرنا بسبب المخططات العسكرية والاستراتيجية القوية التي تبناها العرب في حربهم مع إسرائيل وكذا وكذا.. فهذا يستبشر له الناس ويفرحون له. لكن إذا أعدنا الأمر إلى الله تعالى، فإن كثيرا من الناس يغضبون. ونفس الأمر في أشياء كثيرة، أي هؤلاء الماديون والملاحدة لا يطيقون سماع أي شيء يحيل على الدين. إذا قلت مثلا لهم السلام عليكم لا تعجبهم هذه الكلمة لأن فيها رائحة الدين. ولذلك يبدلونها هم بكلمة صباح الخير أو مساء الخير. مذيعونا في الإذاعة والتلفزيون لا يتورعون عن قول وذكر هذه الكلمة. فالمسيحيون علمونا أن نقول صباح الخير. وهذه الكلمة لا معنى لها وتجوزت وألغاها الإسلام. جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: عِمْ صباحا يا أخ العرب أي صباح الخير فقال له: لقد أبدلنا الله خيرا منها. قُلْ: “السلام عليكم” لتُعْرَفَ أنك مسلم، ولتعتز بانتمائك إلى هذا الدين. فكلمة “ا لسلام عليكم” إذا قلتها تنال عشر حسنات أما صباح الخير فليس لها أجر. تصوروا لو كانت هذه الكلمة عند المسيحيين هل سيتنازلون عنها؟ لا أبدا سيبقَوْنَ محتفظين بها. ولا زالوا في إسرائيل يتحدثون عن السلام. وإذا لقي إسرائيلي إسرائيليا يقول له شالوم، فهذه هي تحيتهم. فما بالُنا نحن فرطنا في كل شيء؟!

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>