وإذا الصحف نشرت


قال تعالى : {إذا الشمس كورت وإذا النجوم انكدرت وإذا الجبال سيرت، وإذا العشار عطلت، وإذا الوحوش حشرت، وإذا البحار سجرت، وإذا النفوس زوجت، وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت، وإذا الصحف نشرت، وإذا السماء كشطت، وإذا الجحيم سعرت، وإذا الجنة أزلفت، علمت نفس ما أحضرت} (التكوير: 1- 14)

انتبه أيها الإنسان الغافل، خذ حذرك وأهبتك أيها اللاهي، استعد أيها السادر، فبعد قليل سينقلب الكون، بل بعد لحظات فقط ستحدث ثورة شاملة، ستتبدل الأرض غير الأرض وتتغير السماوات، ويبرز الناس لرب العالمين. قال تعالى: {يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات، وبرزوا لله الواحد القهار} (إبراهيم: 48).

هناك ستجد الخبر اليقين، وستعرف الحقيقة كاملة، ستجد ما لم تلق له بالا، وستلقى ما نسيته {يوم يبعثهم الله فينبئهم بما عملوا، أحصاه الله ونسوه والله على  كل شيء شهيد} (المجادلة: 6) ذلك أن لك صحيفة يسجل فيها كل شيء، وستقدم لك، وتنشر بين يديك {وإذا الصحف نشرت} فتفتحها أنت، وتقرؤها أنت، أنت بنفسك، ولن يقرأ لك أحد. {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه، ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا، اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا}(الإسراء:  13- 14)

ها أنت الآن تقرأ كتابا، لسانك قلمه، وريقك مداده، وأعضاؤك قرطاسه، أنت كنت المملي على حفظتك، ما زيد فيه ولا نقص منه، ومتى أنكرت منه شيئا يكون فيه الشاهد منك عليك(1)

ها أنت الآن -وقد قامت القيامة وبعث الناس- تقرؤه، فإذا بك تجد أنه أحصى عليك أنفاسك، وجمع لك حياتك. {ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه، ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا} (الكهف: 49)

لكن هل سألت نفسك يوما عما تكتبه الآن في هذا الكتاب؟ وتخطه في تلك الصحيفة؟ أخير هو أم شر؟ أحسنات أم سيئات؟ هل حاسبت نفسك اليوم قبل أن تفاجأ غدا؟ أليس من الأجدر بك أن تتحرى في الكتابة؟ فلا تكتب إلا ما ينفعك، ولا تخط إلا ما يفيدك، فتكون ممن أوتى  كتابه بيمينه، فهو يقول بكل فخر واعتزاز {هاؤم اقرءوا كتابيه، إني ظننت أني ملاق حسابية..} بينما يقول الغافل اللاهي {يا ليتني لم أوت كتابيه، ولم أدر ما حسابيه، يا ليتها كانت القاضية، ما أغنى عني سلطانيه..} (الحاقة).

قال يحيى بن أيوب: خرجت يوما إلى مقابر باب خراسان، ثم جلست في موضع أرى  منه من يدخل المقابر، فنظرت إلى رجل دخل المقابر مقنعا، فجعل يجول في المقابر، كلما رأى قبرا محفورا أو منخسفا وقف عليه وبكى، فقمت رجاء أن أنتفع به، فلما صرت إليه إذا هو سعدون المعتوه، وكان يكون في كوخ مقابر عبد الله بن مالك، فقلت له يا سعدون، أي شيء تصنع؟ فقال : يا يحيى: هل لك في أن نجلس فنبكي على بلى هذه الأبدان قبل أن تبلى فلا يبكي عليها باك؟ ثم قال: يا يحيى : البكاء من القدوم على الله عز وجل أولى بنا من البكاء على بلى الأبدان. ثم قال: يا يحيى: {وإذا الصحف نشرت} ثم صاح صيحة شديدة، ثم قال: وا غوثاه بالله مما يقابلني في الصحف(2).

فاللهم إنا نستغيث بك مما يقابلنافي الصحف، ونسألك أن توفقنا لنعمل صالحا، وتجعلنا ممن يِؤتون كتبهم بأيمانهم يا رب العالمين.

—————-

(1) الجامع لأحكام القرآن 10/230

(2) صفة الصفوة 1/642.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>