هل يعيد التاريخ نفسه؟


… يرى العديد من المؤرخين بأن التاريخ لا يُعيد نفسه، والظن عندي أن جل هؤلاء لم يتسنّ لهم زيارة البلاد العربية والإسلامية من قبل، ولو زاروها لكان لهم رأي آخر فيما أظن.

فالتاريخ هذا قد أعاد نفسه مرات عديدة بكل تفاصيله وتجلياته تقريبا منذ بداية القرن الماضي فقط حتى لا نتيه في أتون الماضي البعيد.

أعاد نفسه في الصومال لما احتل الأمريكان شعبها “الغلبان” والجوعان فطردوا منها شر طردة أعادت لأذهانهم تلك الظروف الذليلة في الفيتنام.

وقبل الصومال، دخلوا بيروت بإيعاز من إسرائيل فلقنتهم المقاومة الإسلامية والوطنية درسا لن ينسوه ما حيوا، وخرجوا من بيروت أذلاء يلعقون جراحهم.

نفس السيناريو كاد أن يتكرر في أفغانستان لولا التواطؤ الدولي والخيانة المحلية لما سمي بقوات الشمال بزعامة قرضاي. ومع ذلك فالمنطقة لازالت حبلى بأحداث وتحولات قد تقلب الموازين كلها ويخرج الغزاة كما خرج مَن قبلهم.

نفس السيناريو تقريبا قد ينتظر الأمريكان في العراق، وستنكشف الحقائق عندما ينجلي غُبَار القذائف العنقودية ودمار طائرات الأباتشي التي قيل إنها جاءت لتحرير العراق فإذا بها تدمر أطفال ونساء وشيوخ العراق أمامأنظار الرأي العام العالمي.

فقد بدأت بعض التجليات والحقائق تلوح في الأفق من حين لآخر، وبدأت التصريحات المتضاربة والمتناقضة أحياناً لقيادات الغزاة تلقي بضلال كثيفة من الشك والريبة على كل ما تذيعه آلات التضليل والتمويه الإعلامي الأمريكي والبريطاني على حد سواء. والصحف الأمريكية اليوم خرجت عن صمتها وبدأت بنشر أرقام مذهلة عن عدد الجرحى والقتلى في صفوف القوات الأمريكية تنقلهم طائرات عملاقة بشكل مستمر إلى مستشفى بالقرب من واشنطن.

إن الحكومة الأمريكية اليوم في العراق كما كانت دائما في غيرها تخوض حربا قذرة نيابة عن اسرائيل واللوبيات الاقتصادية المختلفة وعلى رأسها شركات البترول وسماسرة الأسلحة.

إن البيت الأبيض كان دائما ولا يزال بين فكي هاتين القوتين المتحكمتين في مصير البلاد والعباد… وهما في المُحصلة وجهان لعملة واحدة هي إسرائيل.. فإسرائيل تمارس باستمرار ضغوطات هائلة على الحكام وأصحاب القرار في البيت الأبيض من أجل الرضوخ لكل مطالبها التعجيزية حتى أن هذا البيت لا يكاد يخرج من متاهة حتى تدخله إسرائيل بواسطة أذرعها الأخطبوطية المختلفة في متاهة أخرى وهكذا دواليك!!

والشعب الأمريكي بين هذا كله مخدر ومغيب تماماً بإعلام مُضلل ومُتع وشهوات متعددة ومتنوعة وهو لا يكاد يدري من أمره ما يجري ولسان حاله يقول “اليوم خمر وغدا أمر”، وسوف يأتي يوم وهو غير بعيد يستفيق فيه هذا الشعب المُغيّب على مُستنقع لُجيِ من الكوارث والأزمات المختلفة، وقد بدأت الأمارات الصغرى لذلك تلوح بالفعل؛ انهيار اقتصادي وتصاعد في نسب البطالة والتسريحات عن العمل إضافة إلى تصاعد مُذهل في نسبة الجريمة والاغتصاب والتقتيل ثم انفلات أخلاقي ومسخ للفطرة البشرية غير مسبوق.

وعندما نقول الشعب الأمريكي فلا ينبغي أن نعمم، فهناك في هذا الشعب من لا يزال يحتفظ بضمير نظيف وفكر نير ومواقف جريئة تفضح التواطؤ وتدق ناقوس الخطر لما تراه من انزلاقات خطيرة في السياسات الأمريكية المتعاقبة، وما المظاهرات اليومية التي تجوب شوارع المدن الأمريكية إلا دليلاً على ذلك، وما كتابات “ليندن لاروش” و”تشومسكي” وغيرهما إلا تعبير عن سخط المثقفين الأمريكان عما يجري ويدور، وأخيرا وليس آخراً  تلك الرسالة التي وجهها مجموعة من المثقفين والكتاب والمفكرين يقولون فيها : “سيدي الرئيس، رجاءً لا تجعل من الولايات المتحدة الأمريكية صانعة للشر في العالم”.

وتستمر عجلة التاريخ في دوران أراده أصحاب القرار في البيت الأبيضالمتصهينين أن يسير على نفس المنوال إلى أن يتحقق المقصود، وتذوب الشعوب وترفع الحدود، لتبقى إسرائيل لوحدها تسود وألف عود وعود في عين كل حسود!

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>