يعرف الاجتماع البشري مجموعة من الظواهر الاجتماعية، بعضها يكتسبه من عاداته وتقاليده وابتكاراته، وبعضها يطرأ عليه بفعل الرسالات الإلهية. ولعل من أكثر الظواهر تعددا وتجددا ظاهرة العيد
العيد ذلك الفرح الكبير المعبر عنه بطقوس عدة بعضها ينسجم مع الفطرة وأكثرها يسير في ركاب الهوى البشري.
إن مفهوم العيد غالبا ما يكون خاتمة يتوج بها عمل أو أعمال تستحق أن يُحتفل بالنجاح فيها حتى تتدعم الحصائل وتُنمى القدرات وتُزكى القابليات.
وعيد الفطر هو يوم الجائزة في الإسلام. ما هي دلالاته؟
ونحن نسلخ من رمضان أكثر من نصفه لا بد من أن نستشعر أنه شهر الله الذي يفتح فيه باب مغفرته ورحمته ولطفه بعباده وغفرانه للصائمين والقائمين والمجاهدين والمرابطين على مواقع رضاه سبحانه، إنه الشهر الذي حشد فيه سبحانه ما وزعه على بقية الشهور: فهو “حمام روحي يدخله الإنسان ليغسل عقله فلا يبقى فيه إلا الحق، وقلبه فلا يبقى فيه إلا الخير والمحبة، وليغسل أهدافه فلا تكون إلا الأهداف المنفتحة على غايات الله وأوامره ونواهيه التي تنتظم حياة المسلم”.
إن الصوم في هذا الشهر الكريم، ليس مجرد وسيلة تدريبية لإرادة عمياء، ولكن لإرادة مفتوحة العينين على خط الرسالة بأشواكه وابتلاءاته ومغرياته، هذا الخط الذي يقيل العثرات ويقي الضربات في كل مواقع الذل، إنه “خط الحق دون خوف وخط المواجهة لكل الذين يقفون في وجه الرسالة دون ضعف”.
إنه شهر الإسلام في مواقع القوة المتعددة الأوجه والمجالات، الروحية والمادية. ولا عجب إذا لاحظنا أن هذا الشهر احتضن أول معركة افتتح الإسلام فيها حركة القوة من خلال غزوة بدر، وآخر معركة استكمل فيها الإسلام مواقع قوته “فتح مكة”، وما المواقع والغزوات الأخرى إلا تفاصيل لحركة القوة في مواقع التحدي المختلفة. فهل كان هذا الشهر أيها القارئ الكريم منبع قوتك في ميادين حياتك؟ أم كان جوعا وعطشا وكسلا وضعفا في مواقع تحديك؟
واعلم أنك إذا كنت الإنسان الجاد في صيامك فإنها السعادة كل السعادة عندما يقبلك الله، وإذا قبلك الله وأحسست بقبوله تعالى لك من خلال عقلك المنفتح عليه وقلبك الخاشع بين يديه وحياتك المتحركة في دربه فهو العيد كل العيد. وإذا استمررنا على امتداد حياتك على ذلك فهو العيد المتجدد مع كل طاعة في علاقاتنا ومعاملاتنا وسياساتنا واقتصادنا وجهادنا … إنها الحياة في كنف العيد على امتداد الزمن.
وإذا تحقق ذلك، كان عيد الفطر عيد القيام بمسؤولية رمضان والنجاح فيها بامتياز، لأن العيد ليس مجرد مناسبة للتاريخ ولكنه حركة الطاعة في الزمن كله.
فاللهم اجعلنا من عتقاء هذا الشهر الكريم قائلين مع عيسى عليه السلام في الآية 115 من سورة المائدة {اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك} صدق الله العظيم.