إن الإسلام دين وسطية واعتدال، وهذا لا يختلف فيه مسلمان، لكن الوسطية والاعتدال كلمتا حق يراد بهما باطل من قبل الذين يريدون أن يفهموا الإسلام حسب أهوائهم وتشهيا تهم وتوجهاتهم و”أيديولوجياتهم”ل
فما مفهوم الوسطية والاعتدال في الدين الذي رضيه الله تعالى للناس كافة؟ل
- فأما الوسطية، فنأخذها من قول الله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا، لتكونوا شهداء على الناس، ويكون الرسول عليكم شهيدا..}(البقرة: 143)ل
والآية الكريمة تخللت آيات تحويل القبلة، وهي تقرر للمسلمين خيريتهم وتميزهم وموقعهم بين الناس كافة
والوسطية في الآية هي إما بمعنى الوساطة أي الحسن والفضل، أو بمعنى الوسط أي القصد والاعتدال، أو بمعنى الوسط المادي الحسي كما سيأتي، وكل هذه الأقوال صالحة لأن تكون معنى للوسطية : فالأمة المحمدية أحسن وأفضل الأمم، وهي أمة القصد والاعتدال، وهي أمة توسطت الأمم الأخرى زمانا ومكانا
ووسطية الإسلام متجلية في جوانب متعددة، أذكر منها:ل
أ- الوسطية في التصور والاعتقاد:
الأمة الإسلامية لا تغلو في التجرد الروحي، ولا في الارتكاس المادي، وإنما تتبع الفطرة المتمثلة في روح متلبس بجسد:
- فالغلو في الروحانيات هو الرهبانية، ولا رهبانية في الإسلام، فقد جاء ثلاثة صحابة إلى رسول الله [، وقد تقالوا أعماله وعبادته أي اعتبروها قليلة- فقال أحدهم: إ ني أصلي الليل ولا أنام، وقال الثاني: وأنا أصوم النهار ولا أفطر، وقال الثالث: وأنا لا أتزوج النساء، فأنكر عليهم النبي ذلك وقال: “أما إني أخشاكم لله واتقاكم له، ولكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني”، وسنة رسول الله هي سنة الفطرة، توازن بين الروح والجسد وتعطي لكل منهما حقه دون إفراط أو تفريط
- والارتكاس في الماديات والارتماء فيها يجعل الإنسان أقرب إلى البهيمية منه إلى الإنسانية: قال تعالى: {واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين، ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه، فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث…} (الأعراف: 175-176)ل
والنظام الكنسي لما بالغ في “الروحانيات” والقسوة على الناس، إلى درجة أنه استخف الناس، ونصب لهم وسطاء تعاملوا معهم بصكوك الغفران وما إليها من الترهات والخزعبلات، سقط، لكنه استبدل بحضارة مادية علمانية عفنة قذرة، وهي التي أوصلت الناس إلى الشذوذ الجنسي وجلبت لهم أَدْوَأَ داء وأخطره ألا وهو داء فقدان المناعة المكتسبة: السيدا
ب- الوسطية في التفكير والتعامل:
فلا جمود وتقوقع، ولا تقليد أعمى وإمعية، فالمسلمون منفتحون ومتفتحون، يسايرون العصور، ويأخذون من غيرهم ما ينفعهم في شتى المجالات، لكنهم متعلقون بقيمهم ومقوماتهم وأخلاقهم ومعتزون بها، لا ينطلي عليهم هذا الفكر “الحداثي” المتعفن الذي يدعو المسلمين إلى الذوبان المطلق في الحضارة الأوربية المادية والانسياق وراء “النظام العالمي الجديد”، والإذعان للقيم الكونية التي تتبناها أمريكا وحلفاؤها في أوربا
ج- الوسطية في التنظيم والتربية:
يجمع كتاب الأمة المحمدية بين التوجيه والتهذيب وبين التشريع والتأديب، أي أن القرآن الكريم يخاطب الوجدان ويلامس شغاف القلب ويرغب ويحبب ويوجه إلى الخير، وهو في نفس الوقت يشرع العقوبات والحدود التي تؤدب المستكبرين وتوقف المعتدين، وبعبارة أخرى فشريعة الإسلام لا تميل كل الميل إلى سوط السلطان، ولا تكل الناس إلى وحي الوجدان
د- الوسطية في الارتباطات والعلاقات:
شريعة الإسلام لا تلغي شخصية الفرد، ولا تذيبه وتلاشيه في الجماعة تماما كما أرادت ذلك الشيوعية أو ما يسمى بالاشتراكية العلمية، وهي لا تطلق له العنان يفعل ما يشاء ويتصرف كيف يشاء كما هو الشأن في الرأسمالية الليبرالية
هـ- الوسطية في الزمان:
أنهى الإسلام عهد السفه والطيش والتيه البشري السابق، وهو يحرس عهد الرشد والنضج العقلي اللاحق
و- الوسطية في المكان:
أي أن هذه الأمة توسطت الأمم الأخرى مكانا، في سرة الأرض وأوسط بقاعها وأقطارها، وهي جزيرة العرب
هذا عن الوسطية، أما الاعتدال فهو الاستقامة على شرع الله والاستواء على منهج الله، نقول: هذا عود معتدل أي مستقيم لا اعوجاج فيه، والاعتدال هو نقيض التطرف، والتطرف في التصور الإسلامي هو التزام أحد طرفي الإفراط أو التفريط، فالذي يفرط في دينه ويتخذ إلهه هواه إنسان متطرف، والذي يفرط ويبتدع ويعبد الله تعالى بما لم ينزل به سلطانا، هو أيضا متطرف
إذن المعتدل هو الذي يلتزم الشرع ويستقيم عليه كما أمره الله، والله سبحانه خاطب رسوله محمدا ومن خلاله الناس أجمعين بقوله: {فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير..} (هود: 112)ل
والطغيان هو الابتعاد عن منهج الله، وإحداث ما لم ينص عليه الدين، والاستكبار على شريعة الله، والتقزز من بعض الأحكام الشرعية التي لا تساير الهوى
وأختم هذه المقالة بالتنبيه إلى أن الاعتدال عند العلمانيين ودعاة الشر، هو التحلل من الدين، وحصر العبادة في المساجد، والتذبذب حسب الأحوال والظروف، والتلون بشتى الألوان ابتغاء المصلحة وابتغاء مرضاة الكبراء والسادة وهذا هو التطرف بنوعيه
والله ولي التوفيق وهو الهادي إلى سواء الصراط.