التشكك أو التشكيك في ظهور الإسلام برهانيا وإن لم يظهر سلطانيا:
إن الإسلام قوي بذاته وحججه، منصور بربه، أي أن الإسلام غالب بحججه وبراهنه، ظاهر على الأديان كلها ولو كره الكافرون والمشركون {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون} فهو ظاهر ظهور حجة وبرهان -وإن ضعُف المسلمون فلم يحسنوا تطبيقه- ليظهر ظهور سيادة وسلطان.
ومن هنا نعرف الموقف الساقط الذي يفعله كثير من المهتمين بإسلام بعض الأوروبيين وبعض الكفرة، حيث يبالغون في الاحتفاء بهم، وإن الذين يعلنون إسلامهم يجب أن تحتاطوا منهم ولا تزوجوهم، خصوصا إذا كانوا يشعرون بأنهم أناس أبطال جاؤوا إلى دين مهزوم لينصروه أو يؤيدوه.
إن ديننا قويٌّ بحجته وله جاذبيّتُه، وله منْطِقُه، وهو سفينة النجاة لمن ركبها نجا. فليس متوقفا على أحد، وليس محتاجا لأحد، إلى درجة أن نشعر بأننا كنا نجترّ الهزيمة فلما آتانا آتٍ من هنالِكَ شعرنا بأننا أصبحْنا الآن أقوياء بهذا الشخص الذي انضم إلينا وشهد لنا بأن ديننا حق.
هذا هو الخطأ. إن أي أحد لا يمكن أن يكون هو الناصر لهذا الدين، أو هو الذي يتوقف على مجيئه هذا الدين.
الإنسان الذي نقدم له هذا الدين، يجب أن نقول له: إنه هو المستفيد من هذا الدين. أنت يا مستشرق ما جئت لهذا الدين أيام عنفوان الماركسية ووعودها الكبيرة أو أيام عنفوان الإلحاد، ما جئتنا إلا بعد ما أحسست بأن بناءاً قد هوى، وأنت جئتنا أساساً مهْزُوما. أنت الذي كنت تبحث عن ملاذٍ وملْجَإ فقَبِلك الإسلام الذي لم يكن مهزوماً.
ثم أنت إن خرجت من الإسلام فلن تجد لك خيراً منه وكونك كنت قبل الإسلام مع الماركسية أو الإلحاد، أو مع غول الرأسمالية إن كان ذلك معرة وسُخْفا، وكونك كنت مفكراً ماركسيا، -والماركسية سقطت- فمعنى هذا أنك أصبحت مفكراً بلا فِكْر ولا فِكْرة، أو كونك مفكرا رأسماليا وستسقط أيضا فتبقى أيضا مفكراً بلا فكر…
ثم أنت إذا عدَلت عن الإسلام فإلى أين تذهب؟؟ الخطوة المقبلة ما هي؟ هل هي البوذية؟؟ أم العودة إلى الماركسية؟؟ إذن لن تجد لك ملجأ أبداً؟؟ ولذلك أقول: إن الإسلام ينبغي أن يقدَِّّم للناس على أساس أنه هو الذي ينفعهم، وليسُوا هم الذين ينفعونه.
علماء السيرة حينما قالوا عام الحزن في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم أي تلكم السنة التي توفيت فيها خديجة وتوفي فيها عم النبي صلى الله عليه وسلم في ظرف عصيب يتساءل علماء العقيدة ويقولون إن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم لا شك أنه كان مناصرا له وسندا له وخديجة أيضا كانت تؤيده. بموتهما يريد الله أن يُعلِّم الناس أنّه هو الذي نَصَر دينه، فلا أحد يزّعُم أنه هو الذي كان النّاصر له: لا خديجة ولا أبو طالب إنما الذي نصَرَهُ هو اللّه، بدليل أن خديجة وأبا طالب ذهبا وبقي الإسلام، لو كان الإسلام متوقفاً على خديجة وعلى أبي طالب لسقط، ولكن الله يومئذِ نصره بكيفية وطريقة أخرى والله ينْصُر دينه بما يشاء.
بعض العلماء يتساءلون عن الحديث الذي يقال فيه إن النبي صلى الله عليه وسلم دعا يوم كان يريد لعمر بن الخطاب أو عمرو بن هشام أن يسلم فقال: “اللهم أِّيّدْ الإسلام بأحبِّ العمرين إليك”، قال بعض المحدثين إن الحديث مروي روايةً لا تصح، وإنما الصحيح “اللّهُم أيِّّدْ أحَدَ العُمرين بالإِسْلام”. الرواية الصحيحة هي أن الله تعالى دعا أن يؤيد أحد العمرين بالإسلام ولا يؤيد الإسلام بأحَد العمرين. وهذا كتبه أحد علماء السيرة ونبّه عليه بمعنى أن الناس ينتصرون بالإسلام، وليس الإسلام هو الذي ينتصر بهؤلاء.
الإسلام هو الشغل الشاغل للبشرية لأنه الحق المطلق في مواجهة الأهواء المضلة:
نعم وجوب القيام بالواجبات الجهادية أمر مطلوب ولكن الله تعالى هو ناصرُ دينَهُ، وهو الذي يرفعه لأن الدين قد يَسْكُت الناس عنه تماما فيصير بدون دعاة فصحاء، وبدون أمة قوية، وتموت الدعوة، ومع ذلك فالناس تراهم يسألون عن هذا الدين وها نحن نرى الآن أن ليس هناك شغل شاغل للبشرية الآن أكثر من الإسلام، وما يُكْتَبُ عن الإسلام لا يُكْتَبُ عن دين آخر، أي ما يكتب الآن عن المسيحية وهي دين أوروبا وأمريكا ومع ذلك فإن الكتابات كلها أو معظمها تنصبُّ على الإسلام. ومراكز التجسس والمخابرات ووسائل تجميع المعلومات كلُّها منصبة على الإسلام لا على البوذية الموجودة في الهند والصين. مليارٌ ومائتا مليون من البشر من الصين لهم بقايا بوذية، ولكن لا أحد يسأل أو يكتب عنهم، فالكتابات عنهم قليلة شحيحة.
رفع الإنسان فوق موقعه تغرير لا يقره الإسلام:
فحينما نرفع الإنسان فوق موقعه ونستقبله استقبال المنقذ لأننا مهزومون نحتاج إلى من ينصرنا، نغرس في هذا الإنسان كثيرا من الغرور. وهذا ما وقع فعلا لكثير من الباحثين سواء من العرب أو الغربيين الذين كانوا تائهين وضالين وشاء الله لهم أن يعودوا إلى الدين. فنجد أن المتدينين استقبلوهم بترحاب كبير، وبإعجاب مبالغ فيه، فصار هؤلاء يخرجون عن حدودهم، صاروا يتكلمون في كل شيء يتحدثون في الإرث، والحجاب، كأنهم مفكرون كبار. منهم من خرج عن موضعه وعن اختصاصه فصار لا يقول إلا هُجرا وكلاما ساقطا تافها لأنهم رُفعوا فوق أقدارهم وحُكّموا في ميادين ليس لهم حق أن يكونوا فيها مُحَكَّمين.
فقد كُتِب الكثير عن الرجل المتقلب الذي كان مسيحيا، وماركسيا، ثم صار يزعم أنه مسلمٌ وأخيرًا سكت دهرا ثم نطق كفرا. منها :
أن الإسلام بأحكامه وبقوانينه إنما جاء ليعالج قضايا مؤقت.
ومنها أحكام الشريعة الإسلامية أحكام يجب أن تطبق على المجتمع العربي في عصر من الأعصر أما العصر الذي نعيشه فمن المستحيل أن نُجْرِيَ عليه أحكام القرآن وأحكام السنة.
ومنها الفقهاء الذين يتحدثون عن مالك وأبي حنيفة وغيرهما فهم جهلة، بل من أجهل الجهلة، لأنهم من جهة يتمسكون بالقديم قرآنا وحديثاً ويأخذون بأقوال الفقهاء ثم لأنهم من جهة أخرى لا يعلمون اللغات الأوروبية ولا يعلمون حضارتها. ويقول هذا الرجل المتقلب من باب -أن العلماء جهلة- ينبغي يمنع شيخ الأزهر من أن يذهب لأوروبا، أو يتحدث في تلفزيونات أوروبا عن الحدود وقطع اليد والإرث والحجاب، فهذا الكلام غير مناسب للغرب.
فهذا الرجل المفكر الثاقب الذي يؤمن بالحوار والمناقشة أول ما يأمر به هو أن يُكَمِّمَ فم شخص. ومتى؟! في القرن الواحد والعشرين، في زمن الحريات يدعو الحكامإلى أن يكمموا الأفواه.
أي مثقف هذا الرجل المتكبر الذي يقول إنه لو وُكل الأمر إليه لأمر بإعطاء المرأة ضِعْفَ ما يعطَى للرجل. هذه نوع من المعاندة الصريحة للقرآن.
وأما الصلاة فقد اكتشف بثاقب فكره أن القرآن ذكر ثلاث صلوات فقط، والمسلمين يصلون -خطأً- خمس صلوات. أي أن المسلمين بدءا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتهاء باليوم كانوا لا يفهمون الإسلام حتى جاء هذا المتقلب بين المسيحية والماركسية، والإسلام ففهَّمهم القرآن وهو رجل أعجميٌّ.
هذا استعلاء واحتقار من طرف الأوروبيين للمسلمين وهذا الرَّجُل لو أُعْطي الكتاب ما استطاع أن يقرأه لأنه لا يعرف اللغة العربية، فكيف يعرف الإسلام؟ وروح الإسلام؟؟ ومنهج الإسلام؟؟ هذه مصيبة العجم والمستعجمين الذين يدخلون بعقلية مستعلية متكبرة حتى على الله تعالى.
فهل يفهم الإسلام من يرى أن الصلاة يجب أن تعدل. بل ويقول إنه يفكر في اليوم في الله عشرين مرة دون أن يصلي لا خمساً ولا ثلاث صلوات. إذ يقول أن حركات الصلاة من ركوع وسجود سذاجةٌ، ولا فائدة منها.
وبذلك ألغى الصلاة واكتفى بالتفكير في الله فقط. لا شك أن مثل هذا الفكر هو الذي باض وفرخ في عقول الملحدين من بني جلدتنا وبين أظْهُرنا. والكل يعرف عتاة الفكر الإلحادي المشهورين بأقلامهم وكتبهم والمغترفين من فهم العقول الغربية للإسلام.
والمُهِمُّ أن هذا الفهْم كله مقبول، ولكن خارج دائرة الإسلام، أي هو مقبول داخل دائرة الكفر المعروفة بالاضطراب والشكوك.