مع اتساع الزمن الفاصل بين تفجيرات 11 سبتمبر وتوالي أعمال البلطجة الأمريكية عسكريا ودبلوماسيا عبر العالم العربي والإسلامي، بدأت عيوب السياسة الأمريكية تطفو بشكل فادح بعد انجلاء عمليا ت صباغاتها المكثفة، الممتطية صهوة الحرية وبشارات الوعد بالخلاص والأمان والديمقراطية للشعوب المقهورة، فهل نال هذا الانكشاف أمام العالم من عزم الإدارة الأمريكية على مواصلة ازدرائها لذكاء سكان الأرض أجمعين؟؟ هاهي ذي تخرج لسانها للعالم إثر الغارة الغاشمة التي نفذها العدو الصهيوني في قلب سوريا معلنة موقفها المساند بلا قيد أو شرط لمتطرفي اليهود، بتأكيد رئيسها على حق إسرائيل في اعتبار العالم العربي الإسلامي إسطبلها الخاص، تتعقب فيه من تشاء، وتؤدب من تشاء، وبالتوقف قليلا أمام هذا الحدث الخطير، تتأكد على أرض الواقع التحاليل السياسية التي تربط بين هذا الضوء الأخضر الأمريكي لإسرائيل في سياساتها التوسعية، والعقيدة الدينية المتطرفة لقادة واشنطن المؤمنين بالحق الديني لإسرائيل في إقامة الدولة العبرية الممتدة الأطراف حتى النيل وفقا للنبوءات التوراتية المحرفة.. فأي حضارة عظمى هاته التي تحتكم إلى اللامنطق في تسويغ البلْطجة والفَتْوَنَة لدويلة محتلة باسم الدين، دويلة إرهابية تمارس شعائرها الدينية المتطرفة في الغزو والاحتلال بكل طمأنينة،في الوقت الذي تحارب فيه دولا أخرى بتهمة تطرفها الديني.. إنه اللامعقول أو بتعبير آخر، نهاية لا التاريخ فحسب، بل الإنسان..
المؤرخ الإسباني المتخصص في تاريخ أمريكا الشمالية ” فرانسيسكو مارتينس أويص ” يرى أن الإمبريالية الأمريكية ترتكز في توسعها عبر العالم إلى عقائد دينية مفادها أن الأمريكيين شعب الله المختار!!.. وهذه القولة تجعلنا نعرج على المقال الهام جدا الذي كتبه المفكر والكاتب الراحل ” إدوارد سعيد ” تحت عنوان : “أحلام وأوهام “، وهو مقال تحليلي يقبض على الخلفية الدينية التي تتحكم في مركز القرار الأمريكي، هذه الخلفية التي تدافع بشكل لا عقلاني بل عبثي عن أطروحة جزر الديمقراطية المتتمثلة في أمريكا وإسرائيل!! ويعتبر أصحابها أنفسهم المعنيين بخيار تحقيق الإرادة الإلهية في الأرض بالقضاء على قوى الشر والإرهاب، التي تساوي في قمة المستهدفين، الشعب الفلسطيني وعلى رأسه المقاومة الإسلامية والوطنية..ويتساءل إدوارد سعيد عن هذا المنطق الهمجي المتغطرس الذي يرصف معجما من المصطلحات المغشوشة في جوهرها، البراقة في مظهرها كالديمقراطية والإرهاب والخير والشر في حين يخوض عرابـوها الحرب الكونية الفوضوية على هذه القيم!!، ويذكر إدوارد سعيد بخطاب الاستشراق العنصري الذي ينظر باستعلاء وازدراء للعرب الهمج المشردين الذين لا حضارة لهم، وهو الخطاب الذي يشكل الزاد الروحي لمهندسي إدارتي واشنطن وتل أبيب في التعامل مع العرب والمسلمين.. ويربط إدوارد هذا التصور الاستعماري بالقضية الفلسطينية وبالفلسطينببن الذين يعتبرون انطلاقا من هذا المنظور، بمثابة جماعات شاردة ليست لها صفة شعب صاحب أرض..وبالتفكير مليا في هذا المفهوم المنحرف والعنصري للبشر، تتضح بلا شك ملامح وجذور التغلغل في أراضي الآخرين كما وقع في سوريا، إضافة إلى مقاصد أخرى بالطبع.. هذه الملامح التي ترى في سلوك الاستعمار والاحتلال واختراق سيادة البلدان خضوعا لمشيئة ربانية مقدسة، تبتغي نشر قيم الخير والسلام والحرية والقضاء على أعداء هذه القيم أينما وجدوا، بغض النظر عن الأعراف والقوانين. والبشع في كل هذه المسرحية هو ألا تجري أطوارها إلا على خشبة الدول العربية والإسلامية وحيثما ترقد آبار النفط أو توجد حركة مقاومة صاحيـة للسيناريوهات التوسعية الأمريكية الصهيونية!! وبالتالي يحق لنا أن نتساءل، هل هي مجرد مصادفة أم استراتيجية ميكيافيلية تسخر الدين لأطماع توسعية واضحة الأبعاد والأهداف؟؟..والمخجل أن تذهب الإدارة الأمريكية في إخلاصها حد التضحية بآخر ما تبقى من مصداقيتها إزاء المجتمع الدولي، وفي عز عزلتها أمام رأي عام عالمي يدين بكل قوة انحيازها السافر لإسرائيل وغير آبـهـة بهذا الرأي الدولي تعلن أن من حق إسرائيل أن تدافع عن نفسها أينما بدا لها أن هناك خطرا داهما يتهدد أمنها وسلامة أراضيها المغتصبة من أهلها!!!.. فأينهم عرب القصعة وهمتهم الفذة في محاربة أبنائهم بحجة الإرهاب..وصمت الحملان هذا الذي تـمـترسوا خلفه بعد تنديدات خجولة بالعدوان الإسرائيلي على سوريا من طرفهم هنا وهناك.. ومن يمدهم بورقة توت للمرة المليار، تستر عراءهم الفاحش بعد ضرب شقيقتهم في الوحدة العربية!!.. وبعد هذا الخطاب الأمريكي الواضح الهوية والخيار؟؟؟..