… صحيح أن العالم قد أصبح اليوم عبارة عن قرية صغيرة بفضل التقدم الهائل في وسائل الإعلام . وقد أريد للعالم أن يصبح كذلك، حتى يسهل تنميطه وتوحيده وفق رؤى موحدة وتصورات مشتركة في إطار العولمة.
فكل ما يصدر من أفكار وقيم أو يصنع من تقليعات وأنماط حياتية مختلفة في أي ركن من أركان هذه القرية، سرعان ما ينتشر كالنار في الهشيم في باقي الأركان. فتتشربه العقول والأفئدة، فيصبح مع مرور وقت وجيز من المسلمات “لا يزيغ عنها إلا هالك” ولا يكفر بها إلا متنطع شديد التنطع تجاوزه الزمن!. وللأسف الشديد فهذا الذي يصنع غالبا ما يكون فاسدا فيصبح بعد انتشاره مفسدا للأخلاق وماسخا لفطرة الناس التي فطرهم الله عليها. القائمون على هذا التصنيع والتنميط هم كبار مفسدي هذه القرية الصغيرة مع الأسف الشديد، وهم الذين يتحكمون فيها ويسيرون أمرها بزمام، ذلك أنهم يمتلكون جميع وسائل الإعلام والتأثير والإغراء، إضافة إلى المال الوفير والثراء الفاحش، فتصبح بذلك جميع أفخاذ هذه القرية الصغيرة وقبائلها وبطونها تابعة لهم في كل شيء وتصبح وسائل إعلامها مع الأسف الشديد أبواقا ومساحات إضافية يتمدد من خلالها فكر وثقافة و تهافت هؤلاء بالشكل والجرعات المطلوبة وقتما شاءوا وكيفما شاءوا …
وهكذا ينتقل المسخ المصنع هناك في بلاد الغرب تلقائيا إلى قنوات الاستقبال وهي طبعا قنواتنا نحن العرب والمسلمين إلا ما نذر منها. فبرنامج ” SUPER STAR ” مثلا -والذي أقام ضجة كبيرة في الصيف الماضي واستطاع أن يوحد العرب، جميع العرب، أكثر بكثير مما وحدتهم القضية الفلسطينية مثلا- فهذا البرنامج أخذ من قنوات فرنسية فانتقل أكثر مما نتصور إلى العديد من القنوات العربية بعد القناة اللبنانية، ليصل إلينا نحن المغاربة فيكون لنا نصيبنا من المسخ والاستهتار، وصل إلينا البرنامج المسخ في نسخته المشوهة تحت مسمى آخر:
“stars Casting” أو “stars Casse tête” كما سماه أحد الظرفاء، تغيرت الأسماء والمسخ واحد. وعلى رأي المثل: “أنا أقلد إذن أنا موجود”. فالبرنامج إياه أكبر مهزلة ومسخ قدمته القناة التلفزية المغربية الأولى منذ نشأتها تقريبا.
إن إعلامنا بقناتيه الأولى والثانية ما فتئ يصر على الاستهتار بمشاعر هذا المواطن وتقديم كل ما هو رديء ومسيء لقيمه وعقيدته.
فالبرنامج المسخ الذي أتحدث عنه تجاوز- في رأي كل من شاهده ولم يقو على المتابعة- كل خطوط اللياقة والأدب والذوق السليم من خلال عرضه لشباب تم تدريبهم على قلة الحياء و التهتك لمدة طويلة، وقد امتثلوا فعلا لتعاليم أستاذهم في الرقص حين قال لهم بأن الحياء يتنافى مع ما تطمحون إلى تحقيقه من نجومية وتألق، فكان أن زال برقع الحياء المتبقي ليظهر الشباب المتألق في سهرة المسخ الكبير في أوج تهتكهم، لحية أحدهم بلون أصفر فاقع مع إضافة حلقة في أذنه حتى تتناسق الألوان، أما إحداهن فقد تم حلق ملتقى حاجبيها الذين كانا (مشروكين)، فذلك يتنافى ومعايير الجمال حسب ذوق المخرج وأخرى قد صبغ شعرها بألوان مختلفة وهكذا، طبعا لا تتحدث عن اللباس المتهتك والرقص المائع والأغاني السخيفة، كل ذلك في حفل بائس من تقديم “منشط” ثقيل لم يزد الحفل سوى بؤس وقتامة وهو معجب كثيرا بالشباب الصاعد ويحمد الله “أن المغرب أصبح الآن يتوفر على مواهب واعدة في دنيا الفن والغناء والرقص “.
حقا!! فالحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه. وصحيح أيضا “أن الذين اختشوا ماتوا” وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.