{وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولّيتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين، الله لا إله إلا هو وعلى الله فليتوكل المومنون}
لازلنا مع هذه النواقض التي يجب الحذر منها لأنها مخالفة لمقتضى كلمة التوحيد “لا إله إلا الله محمد رسول الله”
وقد ذكرت منها مسائل ذكرها علماء العقيدة وأتحدث إن شاء الله عن أشياء جديدة تؤدي إلى نفس النتيجة، فمن ذلك:
إنكار شيء من القرآن الكريم أو شيء من السنة المتواترة:
فالمؤمن يعلم علم اليقين أن كتاب الله عز وجل نُقِل إلينا بأوثق طريقة ووصل إلينا بطريقة لا يتطرق إليها الشك لأن الله تعالى أوَّلاً تَوَلَّى حِفْظَهُ: {إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْر وإنّا لَهُ لَحَافِظُون} (سورة الحجر). ولم يرد في القرآن الكريم وفي أساليب العربِ أسلوبٌ أو جُمْلَةٌ أُكِّدَتْ بأَكْثر ما أُكِّدَتْ بِه هذه الجُمْلَة فمن التأكيدات تقديم الضمير: {إنّا} وتكريره {نحن} و{نزّلْنا} و{إنّا} فجميعُ أساليب التوكيد لقَطْعِية الخبر استُعْمِلت في هذه الآية.
فالله تعالى يُطَمْئن الأمة على هذا القرآن وأنَّهُ محفوظ، وهو كذلك.
وثانيا لمْ يقل أحد من المسلمين أو من الذين لهم انْصَافٌ غَيْر هذا. فجميعُهم يقول: إن الكتاب الذي بأيدي المسلمين هو الكتابُ الوحيدُ الذي بإمكان الأمة الإسلامية أن تَفْخَر به وترفع به رَأْسَها، وتقول إنه الكتاب الذي لم تَعْمَلْ فيه أيْدي البشر ولم يتَسَرَّبْ إليه الدَّسُّ، والنّحْل أو الوَضْعُ، إذن فالقرآن الكريم ثابتٌ قولا واحدا لا يختلفُ في ذلك عاقِلان.
فإذا كان الاتفاق على هذا فالمؤمن بحكم أنه مؤمن بالقرآن ليس له إمكانُ أو فُرْصَةُ الانْتقَاء أو الاخْتيار فَيُؤمن ببعْضِ ويكْفُر ببعض، ليْس لهُ هذا. والله تعالى عاب على الذين سبقونا من بني إسرائيل فقال لهم : {أَفَتُومِنُون ببَعْضِ الكِتَابِ وتَكْفُرُونَ ببَعْضٍ} (البقرة). وهذا ليس مقبولا لا منهم ولا من الأمة الإسلامية. إذن لا تَحَفُّظ للمسلم على أي أية من آياتِ القرآن. كل آيات القرآن هي مما وُضِعَ على الرأس والعَيْن وليس لنا إلا الاستجابة والامتثالُ.
انكار شيء من السنة المتواترة:
السنة المتواترة هي السنة الصحيحة التي رُويَت برواية الجماعة عن الجماعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ودائما الخبرُ إذا تَوَاتَر وتَوَالَتْ أجيالٌ وفئات كثيرةٌ على نَقْله فإنه يُصْبِح علماً قطعيّا، سواء كان من أخْبار الشّريعة أو من أخبار أخرى. إذن إذا كان هناك تواتُرٌ أي روايةُ جماعةٍ عن جماعة فالإنسان ليس له الصّلاحيةُ أن ينكِر خَبَراً رُوي بهذه الطريقة، مثلا أنْتَ لم تر مدينة باريس أو نيويورك أو بكين لأنك لم تصلها ولكنك تعلم أن الجميع يتحدثُ عنها. أتَسْتطِيع أنت أن تقول إنني لن أومن بها لأنني لم أَرَها. لا يمكن هذا.
هذه ليست قضيةٌ شرعية ولكنها قضيةٌ عقليَّة أي عند جميع العقلاء. إذن الشيءُ الذي يتواتَرُ وتجتمع عليه أفواج كثيرة من الناس يكون صحيحا مائة في المائة إذ يستحيلُ أن يتواطؤوا جميعا ويتفقوا على الكذب. إذن فدائما الشيء المتواتر يفيد علما قطعيا. ولذلك لا نسْأَل عَمّّن نَقلَهُ.
ومن أمثلة السنة المتواترة: عدد الصلوات الخمس، وكيفية أدائها، وكيفية الصيام، والحج إلى غير ذلك من السنة العملية التي لا يسع أحداً جحودها.
أما إذا كان الخبر آحاديا أي نقله الناس واحداً عن واحد فهذا يُسمى خبر الآحاد. إذن فلابد أن نسأل عن الأحاد، وعن الفلان، الذي حدثنا، هَلْ هو ثِقَةٌ أم لا، هل نأخذ منه أم لا، هل هو عَدْلٌ أم ليس عَدْلاً، لابد أن نسأل عنه. ولذلك يُسَمِّي المحدثون رجالهم فيقولون حدثنا فلان، قال، حدثنا فلان، قال : حدثنا فلان، وكُلُّ فُلاَنٍ يُسأل عنه، وَيُعْرف ويُؤْخذ منه أو يُرَدُّ. وهذا ما قام به علماء الحديث جَزَاهُم الله خيراً. إذ بذلوا جهداً كبيراً في هذا الصدد.
والسنة الآحادية إما أن تكون من رواية ثقاتٍ كالحديث الذي يُخْرجه البخاري ومسلم ويتفقان عليه. فنعتبره من أصح الصحيح عند المسلمين ونسميه حديثاً متفقاً عليه ويأْتي في الدرجة الأولى بعْد الحديث المُتواتر.
ثم إذا كان الحديث قد أخرجه البخاري أيضا فإنه يأتي في درجة ثالثة من الصحة، رغم ما يثيره الكثير من المتطاولين على شريعة الإسلام الذين لا يعرفون من هذا العلم قليلاً ولا كثيرا، ولذلك يستسهلون الخوض في علم الحديث ويصحِّحُون، ويضعِّفون كما يشاؤون، لا علماً بالحديث وإنما جهلاً بمُصْطَلَح الحديث وبما قدّمه العلماء من الجهود لخِدْمة هذا الحديث.
إذَنْ فما أخرجه البخاري أيضا صحيحٌ وما أخرجَهُ مسلمٌ يأتي بعد ذلك، وما جاء على شرط البخاري ومُسلم، ثم ما جاء على شرط البخاري ثم ما جاء على شرط مسلم، ثم ما أخرجه عالم معتمَدٌ وسَلِمَ من المعارض.
فهذه هي أقسام الحديث الصحيح لكن أعلاها الذي يفيد العلم القطعي الذي تثبت به العقيدة وتثبت به الأمور المهمة والأساس في الدين وهو الحديث المتواتر.
إذن إذا صح الحديث فهو مذهبي كما ورد على لسان جميع المحدثين، وعلماء الفقه، فالحديث ليس لك عنْه محيدٌ ولا يمكنك أن تتبرّأ منه أو تتخلص أو تَفِرّ منه بأي دَاعٍ من الدواعي. فهذا الأمر منطقيٌّ لا يجادل فيه إلا سقيم العقل والقلب.
فإنكار جُزء من القرآن أو من الحديث الذي صح يعرِّضُ صاحبه للخروج من هذه الملة، فلو أن إنسانا عُرض عليه القرآن كُلُّه فقبله إلا آيات معنية وقال هذه لي منها موقف أي إنه يقبل القرآن باستثناء آيات المواريث فهو لا يَقْبَلُها لأنها لا تُناسب وضعية الذكر والأنثى، وحقوقُ النساء الآن ارتفعتْ فلا سبيل لأنْ نُعْطي المرأة نصف ما يَرِثُه الرجل. فالذي ينكر هذه الجزئيات وحدها، هذا الإنْكَار وحْدَهُ كافٍ ليُخْرجَهُ من المِلَّة الإسلامية ويَصِيرُ كافِراً ويصير مُرْتدّاً هَذَا هُو المَنْهجُ السليم في البقاء على الملة أو الخروج منها، إيمان كُلّي بالقرآن أما التجزيء فهو كفر.
الإسلام خَلعٌ لكل الموروثات الكفرية والصنمية عريية كانت أم عجمية:
إن الذي يتَقَدَّم لهذا الدين ويريد أن يَكُون منه واجبُنَا نحن أن نُعَرِّفه قواعد الإيمان الصحيح. يجب أن نعرّفه موْقِف الدين من إنكار القرآن. يجب أن نُعَلِّمَه ونُبَصِّره بموقِف الدّين من إنكار السّنة الصحيحة. لماذا؟ لأننا أصبحنا نتساءل عن هذه الأشياء تساؤلا غريباً فظيعا. كما يفعل بعض المستشرقين الذين ادّعوا أنهم أسلموا ورحّب بهم المسلمون لكنهم صاروا يجزئون القرآن والدين. في الإسلام لا يمكننا أن نرد أحدا. ليس من صلاحيتنا أن نمنع الإنسان من أن يكون من المسلمين إذا شهد على نفسه شهادة الحق. لكننا نحنُ لا نملك أبداً أن نقدم له الإسلام على أساس أنه مَهْزُوم، ويحتاج إلى تأْْشيرة من الغَيْر، أي نحن ليس بإمكاننا أن نقول يا فلان إن الإسلام محتاجٌ إليك، وإن دخولك إليه سيكون فتحا عظيماً، وإنك كونك مسلما سَتضيفُ الشيء الكثير للإسلام.
ولوحرَّفْتَ في العقيدة والشريعة ما حرفت، ولو جزأت من القرآن ما جزّأت، ولو طعنت في السنة ما طعنت وهذا لا يمكن لأن هذا ببساطة هدْمٌ للدين، فالدين من عند الله ونزَل ليُعمل به، وليُسمع له وليُطاع، أما أن تهدِّمه ثم تقول: إنّي مسلم، فذلك هو العبث.