هذا المقال ملخص لمحاضرة الإحسان من سلسلة “حتى يغيروا ما بأنفسهم” للأستاذ عمرو خالد التي ألقاها على الفضائيات يــــوم السبت 29/3/2003
قبل أن نبدأ حديثنا عن التغيير أود أن أصف منظرا رأيته.. رأيت حي الشعلة في بغداد يشتعل نارا.. ومستودعاً للأغذية منفجراً وآلاف القتلى والجرحى.. ولكنى هذه المرة لم أبك على ذلك، هذه المرة بكيت بغداد… بغداد اسم له رنين محبب إلى قلوبنا.. عاصمة الخلافة الإسلامية لمئات السنين.. قلعة الأسود وكعبة المجد والصمود كما تغنى بها الشعراء… بغداد التي وصفها المستشرقون بقولهم : نشهد أننا لم نجد على الأرض مكانا، كان فيه أصحاب الأديان أحرارا في ممارسة شعائرهم كما حدث في بغداد.
وبهذه المناسبة أيضا أريد أن أوضح أن قانون الله سبحانه وتعالى في التغيير لا يتعلق بالمسلمين… فالآية تقول أن الله لا يغير ما بقوم… فأي قوم اتخذوا أسباب التغيير الإيجابي في السلوك يمنحهم الله قيادة البشرية… والتغيير ليس زرا يتم الضغط عليه فتتغير الصفة… بل هي عملية صعبة. إعادة صناعة الإنسان تحتاج إلى جهد… وبناء الأفكار بالعمل في كل المجالات… التغيير صناعة صعبة ولكنها ليست مستحيلة… ودليلنا، أمة عاشت قروناً ترعى الغنم وتحولت بعد 25 سنة فقط إلى أمة ترعى الأمم. هؤلاء هم صحابة رسول الله.
نتفق اليوم أن هناك خلقاً مهماً جدا ينقصنا ويعطلنا: الإحسان أي الإتقان.
للأسف أصبح كل أدائنا للأعمال تحت بند: أي كلام… أي أداء …. شئ يؤدي الغرض والسلام. كل شيء. مذاكرة الطالب، صناعة الصانع، تدريس المدرس، كل مجالاتنا لا تحمل طابع الجودة والإتقان بل الاستعجال والتسيب.
مع أن الإتقان سنة حياة المسلمين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه. الغرب أخذ هذا الشعار مبدأ ولذلك سادوا وتقدموا لأن القيادة مرتبطة بالقوانين… فهيا بنا نتخلق بالإحسان، نتخلق بالإتقان.
إذا صنعنا أي شئ يجب علينا إتقانه… لا يعقل أن يحتاج العمل فعليا إلى مائة شخص فنضطر إلى تعيين مائتين لأن المائة لن يؤدوا كما ينبغي. إن الأمة تترهل… هل يعقل أن يكون متوسط ساعات العمل اليومية الفعلية في الغرب من 8 إلى 10 ساعات وأن يكون متوسط ساعات العمل الفعلية اليومية في الأمة العربية على أحسن الدراسات 12 – 13 دقيقة والبعض هبط بها إلى 5 دقائق. قوانين الله ثابتة إذا أردنا العزة والسيادة لا بد لنا من الإتقان.
يقول تعالى: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغى}(النحل: 90).
الإحسان هو الصفة الثانية المطلوبة بعد العدل.
ويقول أيضا: {إن الله يحب المحسنين} (البقرة: 195). ويقول جل و علا: {إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا}(الكهف: 30).
ويقول: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة} (يونس : 26).
وجب علينا الإتقان والإحسان في كل مناحي الحياة ….. أتدرون أين سوء الأداء وقلة الإحسان؟ في طالب يذاكر شيئا ليحصل به على نتيجة… في مدرس لا يشرح كما ينبغي… في سلعة زراعية أو صناعية صنعناها لتعيش أياماً ثم تتحطم… هناك دول بعينها تشتهر بصناعات معينة ولا ينافسها فيها أحد، وهناك دول أخرى تحتكر صناعة وإتقان مجموعات من الصناعات.. ونحن أين منتجنا العربي؟؟ ما الذي نستطيع أن نرفع راية الفخار به ونقول هذه صناعة لا يقدر عليها سوانا؟؟ لا يوجد. إذا قرأنا صنع في…. دولة غربية فنحن نشترى المنتج دون تفكير مع ثقة كاملة في جودته، أما إذا كان صنع في بلد عربي، فنحن نقلبه وننظر للسعر ونفكر كم سيدوم عمره!.
قابلني صديق قائلا: الحمد لله أن الغرب يتفوق تكنولوجيا كل يوم حتى نأخذ نحن هذاالإنجاز جاهزا نستعمله ونتفرغ للعبادة!!
لم أصدق أنه جاد… أي عبادة تلك وأنت عبادتك أن تتفوق على الجميع في كل المجالات…يجب إتقان كل شئ بداية من السلام إلى قمة الأداء العملي
أستطيع أن أسلم بكلمة واحدة السلام عليكم ..أو أزيدها وأجعلها السلام عليكم ورحمة الله وبركاته… وأضيف إليها مصافحة قوية باليد ثم ابتسامة واسعة على الوجه ونظرة محبة من العين… أرأيتم مراحل الإتقان؟ل
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله كتب الإحسان على كل شئ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرحذبيحته
أتدرون لماذا اختار رسول الله هذا المثال حين طلب منا الإحسان في العمل؟؟ هل لفت نظركم أنه يطلب منا الإتقان في لحظة إنهاء حياة… إذا أراد شخص أن يذبح شاة أو دجاجة فعلام الإتقان وهى ستصبح ميتة في ثوان ؟؟ لا بل حتى الإتقان مطلوب في هذه اللحظة لأن الإتقان خلق المسلم… ولقد أعطانا الرسول وسائل الإتقان: حد الشفرة أي جعل نصلها مسنونا حادا..وإراحة وضع الذبيحة…. إذن فالإتقان له وسائل يجب اللجوء إليها.
من أجمل معاني الإتقان والإحسان ,الإحسان في العبادة …وأحسن كما أحسن الله إليك، “أعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك”.
نشكو من أن صلاتنا لا طعم لها، فهل أتقنا خطواتها وأركانها وقراءتها؟؟ حتى الجدال ..أي عراك الكلام في ديننا يجب أن يتم بإحسان: {وجادلهم بالتي هي أحسن }(النحل: 125).
حتى الطلاق، {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان}(البقرة: 229).
أنظروا إلى الكريم بن الأكرمين سيدنا يوسف عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام حين احتاج الملك إلى تفسير الرؤيا لم يمتنع… لم يضع شرط الإفراج عنه أولا… مع أن تفسيره كان خطة اقتصادية… زيادة إنتاج ثم ترشيد استهلاك.
لم يطالب بالتحقق من براءته أولا.. لم يقايض على تحرره، وللعلم كانوا مشركين.. لم يذكر القرآن أنهم أسلموا أو آمنوا فما الذي دفع سيدنا يوسف لكل هذه المساعدة ؟؟ إنه الإحسان…. هل كان الكريم سيترك الأمة كلها تقع في مأزق المجاعة والفقر انتقاما لنفسه… هذا ليس خلقنا… ليس ما أمرنا الله به.
إن الإتقان صفة من صفات الكمال… والكمال هو جوهر طموحاتنا…. أن نبلغ رضى الله سبحانه وتعالى، وهو الكمال المطلق بمحاولة إكمال واستكمال كل نقص وعيب حولنا، فلا نترك عملا أو أداء إلا تممناه على أكمل وجه حتى يليق بالتقديم إلى رب العباد … وإلا لا نلومن إلا أنفسنا إذا ساد غيرنا علينا وأذاقنا ذل التبعية، فإن السيادة لصاحب الكمال وليست أبدا لمدعي الأداء وسؤ الإنجاز، اللهم نجنا من ذلك.