آيات ومواقف – وإذ يتحاجون في النار


قال تعالى: {وإذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار؟ قال الذين استكبروا إنا كل فيها، إن الله قد حكم بين العباد} (غافر: 47-48).

السادة والعبيد، الكبراء والدهماء، الأقوياء والضعفاء… مصطلحات يتعامل بها الناس في هذه الحياة الدنيا. السادة الكبراء الأقوياء ذوو المال والجاه والسلطان يأمرون فيطاع أمرهم، ويقولون فلا يعقب على قولهم، بل إنهم كثيرا ما يعبدون من دون الله. أما الدهماء والضعفاء فإنهم عبيد- أو يؤدون وظيفة العبيد- رغبة في ما عند السادة أو رهبة من سوط الأقوياء، وأكثر من موافقتهم العملية على هذا الوضع الأعوج، تراهم -أي الضعفاء-  وقد زينوا للكبراء صنيعهم، وقَعَّدُوا لهم عملهم، تماما كما يفعل الشيطان مع العصاة {وزين لهم الشيطان أعمالهم فأضلهم عن السبيل}.

بعد فترة قصيرة -على كل حال- ينتهي هذا الوضع غير السوي، وينتهي معه جبروت الأقوياء، ونفاق الضعفاء، ويظهر زيف المصطلحات ويقف الكل في صعيد واحد بين يدي الله تعالى للحساب، وهناك تظهر الحقيقة الخفية: عداوة مستحكمة بين الطرفين، ولعنات متبادلة بين الفريقين وتبرؤ كل من الجماعتين من الأخرى {وبرزوا لله جميعا فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء، قالوا لو هدانا الله لهديناكم سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص} وينطلق لسان الضعفاء بالدعاء على سادتهم السابقين {وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا، ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كثيرا} {قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار، كلما دخلت أمة لعنت أختها حتى إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار، قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون، وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون}.

إنه ظلم الكبراء وطغيانهم، ورضى الضعفاء وإجرامهم، يظهر على ألسنة الفريقين: {ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول، يقول الذين استضعفوا لولا أنتم لكنا مومنين قال الذين استكبروا للذين استضعفوا  أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم؟ بل كنتم مجرمين، وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا، وأسروا الندامة لما رأوا العذاب} ولكن هل تنفعهم الندامة؟ أم هل ينفعهم التخاصم والتحاجج؟ كل ذلك لا يغني ولا يفيد، فقد اشتركوا في الجريمة، وتعاونوا على الإثم والعدوان، فلا مناص من العذاب والعقاب، ولا مفر من دخول النار – نسأل الله العافية- وفي جهنم لا يتوقفون عن التخاصم، ولا ينتهون من تبادل التهم {وإذ يتحاجون في النار، فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار؟ قال الذين استكبروا إنا كل فيها إن الله قد حكم بين العباد}.

فليحذر السادة المتسلطون، والكبراء المتجبرون، ولينتبه الضعفاء المنافقون، والعبيد التابعون على غير هدى ولا بصيرة، قبل ألا ينفع التخاصم، ولا يفيد التحاج

قال أحمد بن سعيد الهمذاني: دخل ابن وهب الحمام، فسمع قارئا يقرأ {وإذ يتحاجون في النار…} فغشي عليه (سير أعلام  النبلاء 9/227).

لقد سمعها ابن وهب رحمه الله بأذنه، وأبصرها بقلبه، وتأملها ببصيرته وكأنه رأى تخاصم أهل النار بأم عينيه

فسقط مغشيا عليه فماذا أنت فاعل؟

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>