يؤسفني أن أعنون لحديثي عن اقتراع 12 شتنبر 2003 بهذا العنوان الساخر، ولكن أسلوب الساسة والمحللين ووسائل الإعلام في التعاطي مع الحدث، يدفع المرء دفعا إلى مثل هذا التعبير. فالذي يتتبع التغطية الإعلامية للانتخابات ونتائجها، والقراءات والتعاليق المواكبة لها يحس وكأنه أمام جمهرة من “الدجالين” السياسيين الأبطال شريط مسجل، ونسخة مكررة لما واكب كل الاستحقاقات السابقة مع تغيير في التواريخ فقط
لقد أشادت القراءات كالعادة بجو الديمقراطية والنزاهة الذي ساد الانتخابات والدور الإيجابي للسلطة في منع الغش وشراء الأصوات وعدم تدخلها لصالح هذا المرشح أو ذاك
وتغنت القراءات بفوز أحزاب الأغلبية الحكومية، خاصة الأحزاب الكبرى والمسماة بالأحزاب التاريخية الوطنية، ورأت فيه انتصارا للديمقراطية
ولم تغفل القراءات الحديث عن مشاركة حزب العدالة والتنمية وكيف أن نتائجه اعتبرت انتصارا للحزب بسبب ما أثير حوله من غبار بعد أحداث 16 ماي، وأن احتلاله مراتب متقدمة في مقاطعات مهمة كالدار البيضاء وفاس ووجدة يعد تأكيدا لشعبيته،وحضوره القوي، رغم مشاركته المحدودة وعدم تغطيته لكافة الدوائر
ولم يكن لهذه التحليلات أن تقفز على إسهام المرأة في هذه الانتخابات سواء من حيث نسبة الترشيحات النسوية المقدمة أو عدد النساء الفائزات، لتبين أن الأرقام لا ترقى إلى مستوى الخطاب المتداول حول حقوق المرأة وضرورة تبوئها مراكز القرار للدفع بعجلة التنمية، وأن هناك تناقضا بين الخطاب والواقع
قراءات وقراءات… ألفناها واعتادت آذاننا سماعها مع كل موسم انتخابي، لكن هل هذا ما ينتظره المواطن المغربي حقا؟ل
هنا وبخصوص هذه النقطة- انتظارات المواطن- أعود لأتساءل :هل كانت وسائل الإعلام الوطنية في مستوى الحدث؟ل
إذا كان بوسعناالتماس العذر للصحافة المكتوبة لكونها في معظمها حزبية، ومن حقها أن تهلل وتطبل للفائز إن كانت موالية له، وتندب الحظ العاثر وتطعن في شفافية الاقتراع إن خسر من تنطق بلسانه، فإن السؤال يبقى مطروحا وبقوة بالنسبة للقناتين “الوطنيتين” للإذاعة المغربية
ما يؤسف له، أن قناتينا الكريمتين لا تجيدان في مثل هذه المناسبات سوى أسلوب “الحلقة” والبهرجة المفبركة التي تثير غثيان المشاهد حيث لم” تحف” عندها بعد أسطوانة” گُلُو العَامْ زِينْ”.
وما يؤسف له أن ساستنا وقناتينا لم يدركوا بعد أن الشعب المغربي قد استفاق وأدرك جيدا لعبةالضحك على الذقون، التي طالما كان ضحيتها فلم تعد تنطلي عليه، حتى وإن كانت نسبة الأمية لازالت تفوق 50% فإن بداخل كل أسرة فرداً أو فردين على الأقل تعلموا ووعوا وفطنوا فنقلوا ولو شفاهة وبشكل مبسط ما فهموه لذويهم الذين استوعبوه بسرعة، ساعدهم على ذلك طول التجارب الفاشلة مع الأحزاب المغربية
إن القراءة الحقيقية لاستحقاق 12 شتنبر تقتضي منا أن نتساءل هل فعلا كان هناك فائز وخاسر في هذه الانتخابات؟ أم أن هناك خاسر واحد ووحيد في هذا الاقتراع وهو المغرب، نعم المغرب الذي تجددت أزمة الثقة وتكرست بين أبنائه وأحزابه، بين مواطنيه وساسته
إن القراءة الحقيقية لاستحقاق 12 شتنبر تقتضي منا أن نقول لرؤساء الأحزاب والمسئولين الحكوميين يجب قبل أن تقسموا الأحزاب إلى فائز تهنئونه وخاسر تواسونه، يجب أن تقفوا مليا عند نسبة المشاركة التي كانت ضعيفة رغم المحاولة التي قام بها الوزير الأول من خلا ل جعل زوال يوم الجمعة عطلة عسى أن يقبل الناخبون على التصويت، يجب أن تقفوا عند ضعف الإقبال على صناديق الاقتراع لتعلموا أن المغاربة سئموا استغفالهم ومجوا استحمارهم وعبروا بوعي وتحضر عن رأيهم في الأحزاب السياسية المغربية وممارساتها
يجب، ونحن نقرأ نسبةالتصويت، أن نضيف إلى ضعف المشاركة في الاقتراع عدد الأصوات الملغاة والتي في معظمها تعبر عن درجة أخرى من الوعي السياسي للمغاربة، حيث تعكس إيمان فئة معينة منهم بضرورة ممارسة الحق في الانتخابات، ولكن في غياب مصداقية الأحزاب، فإن الصوت الملغى يعبر عن إلغاء صاحبه لكل الأحزاب من حساباته، وأنه في انتظار أحزاب جديرة بالثقة
إن القراءة الصحيحة لاقتراع 12 شتنبر تدفعنا إلى أن نقول ما كان يجب أن تقوله قناتانا المبجلتان ووسائل إعلامنا الوطنية وهو أن الاقتراع شكل خسارة جديدة للمغرب، خسارة عبرت عنها الأغلبية الصامتة التي تئن تحت وطأة الانتهازية التي تطبع سلوك الأحزاب، الأغلبية الصامتة التي ترقب الأمل وهو يحتضر بين جناحيها
إن القراءة الصحيحة لانتخابات 12 شتنبر تجعلنا نقول عوضا عن قناتينا العزيزتين، إن الفائز الحقيقي في هذه الانتخابات ليس هو الحزب الذي عرف كيف يدير حملته الانتخابية،وليس هو الحزب الذي حصد أعلى نسبة من القاعد، وإنما هو الحزب الذي استطاع فعلا أن يقرأ أرقام ونتائج الاقتراع بتأن، وأدرك واستوعب حجم تدمر الناخب المغربي
الحزب الفائز هو الحزب الذي أدرك أن حملته الانتخابية الحقيقية انطلقت ليلة 12 شتنبر وتستمر إلى حينالاقتراع المقبل بعد انتهاء ولاية هذه المجالس المنتخبة ،حملة ليست على الملصقات في الجدران ولا على المنصات الخطابية في المهرجانات الجماهيرية، إنها حملة على أرض التشييد والبناء، حملة على أرض الواقع، قوامها تلبية حاجات المقاطعات التي يديرها، ورعاية شأن الساكنة التي يمثلها، وملامسة الهموم التي بات القاصي والداني يعرفها، إنها حملة لإذابة الجليد الذي تراكم بين الناخب والمنتخب، بين المواطن والسياسي
إن الحزب الفائز حقا هو الحزب الذي أدرك أن عليه زرع البذور قبل ترقب الحصاد، إنه الحزب الذي وعى أن الشعب المغربي أصبح يحتكم في علاقته مع الأحزاب إلى المثل القائل تقدام ليجارة من تبطال العمل” فيدرك أن عليه العمل والعمل دون كلل حتى يستحق “ليجارة” وهي ثقة المواطن، وصوت الناخب، وأنْعِمْ به من أجر