الإسلام دين الإنسانية، وخاتم الأديان لذا جاء بمنهج متكامل لتنظيم حياة البشرية في كل المجالات.
ومن يتمعن في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأخبار السيرة المطهرة، وتراجم الصحابة والتابعين والدعاة على مدار القرون يستيقن أن هذا الدين وضع للناس قواعد تربوية متكاملة، وحدد لهم منهجا واضحا يسيرون عليه، ويربون بواسطته الأجيال تلو الأجيال ليكونوا أهلا لحمل الأمانة التي أناطها الله عز وجل بالإنسان ، والمسؤولية التي شرفه بحملها يوم أن أكرمه الله بالاستخلاف في الأرض
والتربية هي الوسيلة الصحيحة لبناء المجتمعات وإعداد الأجيال، وتحقيق الأهداف، لهذا اهتمت جميع الشعوب والأمم بالتربية وحددت كل أمة أهدافها ومنهجا تربويا يحقق لها طموحاتها ويترجم معتقداتها وأخلاقها
وإذا كان العلم شائعا بين الناس، يمكن أن ينتقل من أمة لأخرى، فإن التربية الحقيقية لا يمكن أن تستورد أو تستعار، فلكل أمة عقيدتها ومبادئها وأخلاقها، وهي التي تحدد لها قيمتها التربوية، وأهدافها ومناهجها
قد يستفاد من الوسائل ولكن أسس التربية وأهدافها تنبع من المجتمع ذاته، وتحمل سمات الأمة، وتنبثق من عقيدتها وتترجم تطلعاتها
والأمة التي تبحث عن التربية هنا وهناك تستعير من هذه الأمة أو تلك ما لديها من أسس وأهداف تضيع جهودها، وتبدد طاقاتها، وتصبح أجيالها عرضة للضياع
والمسلمون بحمد الله لديهم كنوز في التربية، لأن هذا الدين منهج متكامل يشمل كل مراحل الحياة، وكل نواحي النشاط الإنساني،فهو دين تربية ودعوة وصلاح، ومنهج شامل لنجاح الأمم والمجتمعات
وفي هذه الزاوية سنتناول إن شاء الله بعض النصوص من كتاب الله عز وجل أو سنة رسوله أو من أحداث السيرة وتراجم الصحابة مما يدل على هدف تربوي، أو وسيلة أو جانب يوضحلنا معالم التربية الإسلامية
يقول الله عز وجل في سورة التحريم {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة}. يقول المفسرون في هذه الآية ما يلي: ” فيها مسألة واحدة وهي الأمر بوقاية الإنسان نفسه وأهله النار”، وروي عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : “قوا أنفسكم وأأمروا أهلكم بالذكر والدعاء حتى يقيهم الله بكم”.ل
وقال علي رضي الله عنه وقتادة ومجاهد: “قوا أنفسكم بأفعالكم وقوا أهليكم بوصيتكم”.ل
فعلى الرجل أن يصلح نفسه بالطاعة ويصلح أهله إصلاح الراعي لرعيته
وقال العلماء: {قوا أنفسكم} دخل فيه الأولاد لأنهم بعض منه
وقيل: فيعلمه أي الولد- الحلال والحرام ويجنبه المعاصي والآثام إلى غير ذلك من الأحكام
والآية باختصار تضع على المسلمين جميعا واجب التربية لأنفسهم، ولمن في رعايتهم من الذرية، والخدم، وغيرهم فأمر التربية لا يقتصر على فرد بعينه، وإنما هي مسؤولية الجميع: {يا أيها الذين آمنوا}ل
والهدف الأسمى للتربية كسب مرضاة الله عز وجل، والنجاة من عذاب النار
وتحقيق هذا الهدف يحتاج إلى التربية الدائمة والتربية الشاملة التي تنطلق من المبادئ التي يؤمن بها المجتمع، والأحكام التي تضبط مسيرته ونشاطاته
لذا نرى في كثير من النصوص كيف أمر الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم برعاية الأبناء، وربط توجههم وصلاحهم بتوجيهات الأبوين وتربيتهما : “فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه”ل
وهذا الهدف السامي إذا ما تحقق نشأ الإنسان صالحا لنفسه ولأسرته ولمجتمعه ولبلاده لأن ميزانه هو الشرع ومرضاة الله عز وجل وليست المنافع المادية أو المغريات الأخرى
وينشأ الإنسان متوازنا جادا صادقا أمينا يراقب الله في كل شيء ولا يحتاج إلى ضوابط الأنظمة والأجهزة ليقوم بواجبه أو يرتدع عما يضره أو يضر بالآخرين
وهكذا فإن تبعة المؤمن في نفسه وأهله تبعة ثقيلة رهية لأن النار ستكون المصير إن لم يقم بواجبه في التربية وهذه النار فظيعة متسعرة {وقودها الناس والحجارة} و{عليها ملائكة غلاظ شداد}. والإنسان العاصي سيكون في مهانة الحجارة ورخصها يومذاك
المؤمن مكلف هداية أهله، وإصلاح بيته، كما هو مكلف هداية نفسه، وإصلاح قلبه وكذلك لا يستطيع القيام بهذا الواجب ما لم يكن صالحا نقيا مستقيما
وإصلاح الأسرة والبيت هو إصلاح للمجتمع، لأن البيت نواة الجماعة وهو الخلية التي يتألف منها،ومن الخلايا الأخرى الجسم الحي، أي المجتمع الإسلامي
إن البيت الواحد البيت المسلم قلعة من قلاع هذه العقيدة،ولا بد أن تكون القلعة متماسكة من داخلها حصينة في ذاتها، كل فرد فيها يقف على ثغرة منها
وواجب المسلم المؤمن أن يتجه بالدعوة أول ما يتجه إلى بيته وأهله، وأن يبذل لهم من الوقت والجهد ما يؤدي إلى صلاحهم، فالتربية لا تتحقق بمجرد أمر ونهي، بل بمعايشة وتخطيط ومتابعة ووعي. ولا بد من الأم المسلمة في ذلك، فالأب المسلم وحده لا يكفي لصلاح البيت
ومن العبث أن يحاول الرجال إنشاء المجتمع المسلم إن لم تكن النساء عماد هذه التربية
وهكذا، فالآية الكريمة تحدد أهمية التربية،وهدفها وبعض وسائلها