قوة الإسلام تتجلى في قوته الذاتية التي لم يقدر طاغية، ولا حاقد، ولا منافق، ولا متآمر، ولا أحمق مجنون، ولا نذل مأفون… أن ينال منها، أو يغطي عليها أو يسقط جلالها وهيبتها في النفوس والضمائر
وما ذلك إلا لأن الإسلام هو الحق المجرد المطلق الذي لا يعتز بسلطان ولا أوطان. ولا بأجناس ولا بألوان. بل هو مصدر العزة لمن آمن به واتبعه وكان من المخلصين له
لأنه من الله الحق، وللعلي. الأعلى والحق الأسمى ترتفع العبودية الحق لتتنزل بركات وخيرات على العابدين الشاكرين الذين إذا ابتلوا بالاندحار صبروا، وإذا ابتلوا بالانتصار حمدوا وشكروا، يعلمون علم اليقين أن ما أصابهم من خارجهم منطلقه شيء من الاعوجاج في داخلهم، لو قالوا: ربنا الله وحده واستقام قلبهم وقالَبهم، لباركت السماوات والأرض خطواتهم، وحسُن منقلبهم
فكم من هزات عرفها تاريخ المسلمين من الاقتتال على الحكم والفكر والسياسة، إلى تسلُّط التتار والصليبيين،وإلى تجنُّد العلمانيين- شيوعيين وملحدين، وقوميين، ووطنيين، وعنصريين- لإخماد صوت الإسلام وخنق أنفاسه،ومع ذلك لم يزدد الإسلام إلا توجهُّا وإشراقا في نفوس محبيه في الشرق والغرب والشمال والجنوب،فذهب الجبابرة مخزيّين في التاريخ وبقي الإسلام شامخا لا تنال منه الليالي والأيام، فهو حيٌّ على الدوام، لأنه من الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم
فما بال قومنا لا يفهمون هذه الحقيقة، فيتعاونون مع خصوم الإسلام بالأصالة. الذين يأكلونهم لبابا ويرمونهم قشورا؟؟ل
فما بالهم يطيعونهم ويعصون ربهم عندما ينصبون أنفسهم حماة لهم وحراسا بدل أن ينصبوا أنفسهم حماة لدين الله وشرعه، وحماة للمسلمين المستضعفين في الأرض؟؟ل
وما بالهم يجردون أقلامهم للحط من كتاب الله تعالى والاستهزاء بمبادئه وبالمؤمنين بها منالذين يدعون لها؟؟ كأنهم لم يقرؤوا التاريخ الذي أراهم رأي العين كيف رفع الله عز وجل بالقرآن أقواما، وكيف وضع به أقواما؟ل
وما بالهم يفتلون في جبل الخصم فيعملون على تمزيق الأمة تمزيقا، سواء كان التمزيق ترابيا أم فكريا، أم مذهبيا، أم سياسيا، أم جاهليا، أم لغويا، أم عصبية وعنصرية؟ ألا يرون غيرهم يجتمعون على ما لو لخصتَه لوجدتَه لا يخرج عن شهوات البطن والفرج وحاجاتهما بينما هم عندهم رسالة آفاقُها تتجاوز حدود الدنيا وحدود الإنسان؟؟ل
وما بالهم يؤيدون الإعوجاجات والانحرافات الفكرية والسلوكية وينفخون فيها، ويحاربون الفضائل ويسفهون المنادين بها، فإذا قلت لهم اتقوا الله في أبنائكم ورجالكم واقتصادكم وسياستكم، وديمقراطيتكم وحداثتكم وإعلامكم وتعليمكم ونقابتكم… انقلبوا وحوشا كاسرة تستصرخ القريب والبعيد والداخل والخارج والحي والميت لتطويق الخطر المنبعث من الذي يذكِّر هذه الأمة برسالتها المتلخصة في الخوف من الله وحده، وعدم الخوف من أي كائن كان حجرا كان أم بشرا، وصدق الله العظيم إذ يقول: {وإذا ذُكر الله وحده اشمأزَّت قلوبُ الذين لا يومنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون} (الزمر)ل
فهؤلاء الذين يخافون من البشر ولا يخافون الله هم الذين تأخذهم العزة بالإثم إذا خوفتَهم بالله وقلتَ لهم: اتق الله. وهُمْ مَنْ هُمْ في جمال الشكل والهندام، وطلاقة القلم واللسان، وطول الباع في الجدال والبيان {ومن الناس من يُعجبك قوله في الحياة الدنيا ويُشهد الله على ما في قلبه وهو ألدُّ الخصام وإذا تولَّى سعى في الأرض ليُفْسِد فيها ويُهْلك الحرْثَ والنَّسْل والله لا يحب الفساَد وإذا قيل له اتق الله أخذته العزةُ بالإثم فحسبُه جَهَنَّم ولَبِيسَ المهاد} (البقرة)ل