إعداد : د. كامل الشريف
الأمين العام للمجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة
إن التنسيق في كل مجالات العمل الإغاثي والدعوي، بهدف ضمان حد أقصى من التعاون بين المنظمات الإسلامية، ومنع التنافس الضار أو الازدواجية والتزاحم الذي تضيع فيه الجهود والأموال، وإيجاد مظلة تلتقي فيها تلك المنظمات للتشاور في القضايا الإسلامية العامة، ووضع الخطط المشتركة في كل ما ينفع المسلمين ويبعد عنهم الأضرار والأخطار، وكذلك تنسيق الجهود في أعمال المصالحة والوساطة بين الدول والشعوب الإسلامية لمنع المنازعات، والأمل أن تصبح المنظمات الإسلامية الشعبية هي قاعدة التواصل بين الشعوب الإسلامية في الوقت الذي تتعرض فيه فكرة التضامن الإسلامي ومؤسساته لتحديات كبيرة، أما ميادين التنسيق المطلوبة فهي كما يلي :
التعليم والدعوة:
أ- توفير المعلومات عن المدارس والمعاهد والمناهج ومراكز التدريب التابعة للمنظمات الإسلامية للإفادة من هذه المعلومات في التخطيط المشتركة.
ب- عمل إحصاءات بالمنح الدراسية والبعثات المقدمة من المنظمات الإسلامية بهدف تفادي الازدواجية وضمان عدالة التوزيع.
ت- مسح شامل لعدد الدعاة ومراكز توزيعهم، والامتيازات الممنوحة لهم وأساليبهم في العمل، والعقبات التي تعترضهم، والإفادة من هذه المعلومات في إعادة التوزيع والإفادة من التجارب المختلفة.
ث- حصر مراكز تدريب الدعاة، ومعرفة مناهجها، للتوصل إلى منهج موحد يقوم على الفهم الصحيح للإسلام، وتشجيع منهج الاعتدال والدعوة الحكيمة.
ج- التعاون على تنظيم خطة مشتركة لتوزيع الكتب النافعة باللغات المختلفة، وفتح مجال الاستفادة المتبادلة بين المنظمات المختلفة، التي تتفاوت فيها الإمكانيات والقدرات.
الإعــلام:
تمثل قضية الإعلام بجوانبها السلبية والإيجابية حقلا بالغ الأهمية للمنظمات والمجتمع الإسلامي بصورة عامة، فانفجار ثورة المعلومات يحمل أخطارا كبيرة على المسلمين شبابا وشابات، إلا أنه يمنح فرصا واسعة لمن كان مستعدا لذلك. اما ميادين النشاط فمنها:
أ- التنسيق بين أقسام الإعلام في المنظمات الإسلامية، وتنشيط قيام أجهزة معنية بهذا النوع من النشاط في المنظمات التي لا تملك هذه الأجهزة.
ب- تشجيع المنظمات الإسلامية على امتلاك الأدوات الحديثة للاتصال كالانترنيت وال E-mail وغيرها.
ت- التعرف على أبعاد الحملة الإعلامية المعادية للإسلام، ورموزها وكتابها، وكذلك على المفكرين المعتدلين، وإيجاد خطة لوضع المعلومات الصحيحة أمامهم.
ث- انتهاز الفرص لجميع محرري الصحف وكتاب الأعمدة المعروفين بالميول الإسلامية والوطنية الصادقة، وتشجيع هذا النوع ليؤدي دورا أكبر في توعية المجتمعات الإسلامية.
ج- جمع ممثلي الدوريات التي تصدر عن المنظمات الإسلامية للبحث معهم في وسائل تقوية هذه المجلات وتوسيع دائرة تأثيرها، وترويج سياسية العمل المشترك القائمة على الحكمة، الوعي والتواصل بين المسلمين.
المعلومات والمتابعة:
إن وضع المعلومات الحديثة بين يدي المنظمات الإسلامية أمر لا غنى عنه في التنسيق والتخطيط المشترك، وتشمل المعلومات هذه الميادين :
أ- انفتاح المنظمات يساعد على فكرة التنسيق بكل أبعادها التي أشرنا إليها.
ب- تحضير دراسات وإحصاءات عن القضايا الإسلامية، والمناطق المتأثرة بالحروب والفتن الداخلية، وعوامل الطبيعة يعين المنظمات الإسلامية على الدخول في العمل الإغاثي والدعوي بصورة فعالة، ووضعها تحت تصرف المنظمات العاملة.
ت- إقامة مركز معلومات رئيسي ومراكز فرعية، تتلقى التقارير والمعلومات وتصنفها، وتعيد بثها على المنظمات الإسلامي من خلال نشرات او دوريات تغطي المجالات المذكورة.
ث- تعويد مبعوثي المنظمات وخصوصا الدعاة على الاهتمام بتجميع المعلومات، والإحصاءات، والحقائق، عن الشعوب والجماعات الإسلامية التي يعملون بها وإرسالها لمراكز المعلومات.
ج- أما بالنسبة للمتابعة فإن الأمل أن تتبلور الفكرة أكثر بحيث تصبح جهازا يعمل على متابعة لتنفيذ القرارات الرئيسية ولا سيما المشاريع المشتركة وملاحقة المنظمات الإسلامية الراغبة في التعاون على تلك المشاريع.
النشر:
هناك حركة نشر واسعة في المنظمات الإسلامية تستحق التقدير، والمطلوب مزيد من التعاون لتحقيق الأغراض المتوخاة منها ضمن هذا الإطار :
أ- اختيار بعض الكتب التي تصدر عن تلك المنظمات، والعملعلى ترويجها بين المنظمات العاملة وخصوصا بين الدعاة.
ب- التنسيق في وضع كتب خاصة ذات طبيعة عامة لتكون معبرة عن هذا التكتل بهدف توكيد الفكر الموحد للمنظمات الإسلامية.
التمويل والاستثمار:
يعتبر التمويل هو العمود الفقري لأعمال الدعوة والإغاثة، ومع أن هناك إقبالا على الخير من جانب المحسنين كما أسلفنا، إلا أن هذا الإقبال لا يقاس بنظيره في الغرب مما أعطى المؤسسات التنصيرية تفوقا كاسحا، كما أن موقف الحكومات الإسلامية باستثناء السعودية وبعض الدول الأخرى، لا يزال سلبيا لأسباب مختلفة أيضا لا مجال هنا للخوض فيها، لهذه الأسبا وغيرها لابد من إعطاء عناية للناحية المالية – الاستثمارية- والمنظمات المتعاونة، وذلك باستخدام هذه الوسائل:
أ- دراسة القدرات المالية لدى المنظمات الإسلامية والنصح لها بوسائل مبتكرة لتعزيز تلك القدرات وتعميقها.
ب- الإشارة لأنواع الاستثمارات المأمونة من خلال دراسات يقوم بها الخبراء المختصون.
ت- وضع مشاريع استثمارية مشتركة تساهم فيها المنظمات الإسلامية وغيرها، وذلك لتشجيع التعامل المالي وفق المبادئ الإسلامية على أن تستخدم المشاريع في التنمية المأمونة ويعاد توزيع أرباحها على المنظمات المساهمة.
ث- تعزيز القدرة لآليات التنسيق عن طريق الاشتراكات والتبرعات والوقفيات ورصد أجزاء قليلة من أرباح المشاريع، لكي تقوم الأمانة بواجبها الواسع في الميادين المشار إليها.
الأقليات الإسلامية:
أصبح وجود جاليات إسلامية في البلدان الأجنبية حقيقة ثابتة، وتتفاوت ظروف هذه الجاليات ومدى تمتعها بحقوقها المدنية واستقرارها من بلد لآخر، غير أنها تعني استقرار الإسلام في بلدان مختلفة مع ما يتبع ذلك من مؤثرات أو نتائج سلبية وإيجابية، ومن المأمول فيه أن تصبح هذه الجاليات منارات للدعوة، والتعاون المثمر مع البيئات التي تعيش فيها، ووضع لها الخطط وفق هذه المبادئ والمرتكزات :
أ- لابد من مساعدة ا لجاليات الإسلامية على الاستقرار، والحياة الآمنة، في المجتمعات الجديدة، وفق الدساتير والقوانين المعمول بها في تلك المجتمعات، وتلمس العقبات التي تحول دون ذلك والتعاون لإزالتها، بالاتصالات والحوار، بعيدا عن العنف وإشاعة الكراهية، باعتبار أن الوقت جزء من العلاج.
ب- عقد النندوات والاجتماعات بين الجاليات الإسلامية نفسها، بهدف إشاعة الوعي، وقيم الوسطية والاعتدال، والأساليب السليمة للعيش في البيئات الأجنبية ونشر الكتب والدراسات التي تساعد على ذلك.
ت- مساعدة الجاليات في إنشاء مدارس ومؤسسات اقتصادية وأندية اجتماعية تعينهم على الحفاظ على دينهم وكيانهم الخاص، وثقافتهم وأخلاقهم، والتأثير الإيجابي في المجتمعات الأجنبية عن طريق التواصل والإرشاد، والقدوة الحسنة.
ث- مساعدتهم على إنهاء الخلافات السياسية أو المذهبية، أو الحزبية التي قد تظهر عندهم بفعل العوامل السلبية، وتشجيع إقامة اتحادات محلية يكون واجبها الأول رعاية مصالح الجاليات بعيدا عن التطرف الوطني، أو المذهبي.
ج- دراسة المشكلات الفقهية التي تعترض حياتهم في بيئات ذات أغلبيات غير إسلامية عن طريق العلماء المختصين، والمجامع الفقهية، حتى يتحقق الانسجام بين التزام المسلم بدينه وبين ظروف حياته اليومية.
المرأة والطفل:
لا يخفى ما تحظى به قضية المرأة المسلمة بالذات من اهتمام على مستوى العالم، وهو اهتمام سلبي يقوم على الاتهام والتشويه، بالإضافة إلى اشتداد الحركات المطالبة بالحرية المنفلتة للمرأة، وانعكاس ذلك على المرأة المسلمة، وقيام مؤتمرات إقليمية وعالمية ووضع مواثيق دولية حول هذه القضية، وما يقال عن المرأة يقال عن الطفل المسلم، الأمر الذي يوجب التنسيق بين المنظمات الإسلامية لإيجاد حركة نسوية إسلامية تلتزم بالإسلام وأخلاقه، وتكون قادرة على مواجهة هذه التيارات.
وقد تحدد وسائل منها :
- التنسيق بين الاقسام النسوية في المنظمات الإسلامية، والتطور نحو وضع خطة موحدة ومنهج واضح يحكم العمل النسوي الإسلامي.
- لفت انتباه المنظمات الإ سلامية عموما لأهمية قضية المرأة المسلمة، والضرر الذي يلحق بصورة الإسلام عن الاستمرار في تجاهلها، والدعوة لإنشاء أقسام نسائية في كل المنظمات الإسلامية الأعضاء، ووضع ميزانية لها.
- تشجيع حركة التأليف والترجمة بلغات مختلفة في قضايا المرأة المسلمة والطفل، لإبراز هذا التيار المؤمن الفاضل أمام التيارات المنحرفة.
- تنسيق المشاركة في المؤتمرات الإقليمية والدولية بتمثيل واحد، أو ضمن خطة موحدة ومحاولة التأثير على قرارات تلك المؤتمرات بما يعزز التيار النسوي الإسلامي.
- حيث إن المرأة المسلمة تحمل النصيب الأكبر من العناء الذي تفرضه الحروب العدوانية والفتن الداخلية، وهي وأطفالها معرضة أكثر من غيرها للظروف الصعبة في مخيمات اللاجئين التي تديرها الوكالات الأجنبية التنصيرية، فإن واجب المنظمات الإسلامية النسائية أن تنسق جهودها وتتعاون لتقديم يد المساعدة والعون في المجالات المعيشية والصحية والثقافية داخل تلك المخيمات.
(و) مع أن حقوق المرأة والطفل واضحة في الشريعةالإسلامية، وهي من مفاخر تلك الشريعة الغراء، إلا أن النظرة القبلية والتقاليد كثيرا ما تفرض نفسها في بعض البلاد للحد من تلك الحقوق، وواجب المنظمات الإسلامية النسائية، أن تنتبه للحقوق وتدعو إليها بالحكمة والموعظة الحسنة.
حقوق الإنسان:
يعتبر موضوع حقوق الإنسان من أبرز العناصر التي تستغل في الحملة المعادية للإسلام، والزعم الباطل بأن تجاهل حقوق الإنسان هو جزء من عقيدة المسلمين وتاريخهم، ولذلك أصبح لزاما العمل على التصدي لهذه الحملة بأساليب علمية مدروسة وفق المحاور التالية :
- رصد هذه الناحية في الحملة المعادية والرد عليها، وتوضيح أن الإسلام يشتمل على مبادئ متكاملة تضمن كرامة الأنسان وحريته على أساس عبادة الله الواحد الذي كرم الإ نسان واصطفاه.
- توضيح المزايا التي يتفرد بها المنهج الإسلامي إ زاء حقوق الإنسان حيث يكسبها القداسة حين يجعلها جزءا من حقوق الله على العباد ولا يملك بشر أن ينزعها وفق هواه، كما انها حقوق تقابلها واجبات مفروضة على المسلم إزاء ربه وإزاء المجتمع الذي يعيش فيه، فإذا قصر أو تراخى في أداء واجباته، فقد أضر – في الوقت نفسه- بحقوقه.
- عقد المؤتمرات والندوات العلمية حول هذا الموضوع ونشر دراساتها وأبحاثها باللغات المختلفة.
- المشاركة في المؤتمرات الدولية بعلماء وخبراء مختصين، وتقديم أبحاث ودراسات توضح مدى إسهام المسلمين قديما وحديثا في تأكيد كرامة الإنسان.
العقبات في طريق التنسيق:
إن أي محاولة لتوحيد المسلمين سواء على الصعيد الواسع أو الضيق تلقى معارضة الجهات المعادية وتوجه إليها سهام التآمر، ولقد تعودنا أن تأتي المؤامرات ذكية وغير مباشرة، وأن تتهيأ الأرض لإيجاد محطات مواتية، وهذه الخطط الذكية قد يسهم فيها مسلمون بحسن نية أو سوء قصد، والأمثلة على ذلك كثيرة ونود أن نقترب من أحدها كنموذج تندرج عناصره على حقول أخرى، وهو الاتهام العشوائي لكل المنظمات الإسلامية بالضلوع في العنف أو الإرهاب، وواضح أن الهدف الأبعد هو حماية الحقول المفتوحة للتبشير وكبح الجهود الإغاثية الإسلامية التي تزاحمها، ولا ننسى دور الصهيونية التي تؤذيها نبضات الحياة في الجسم الإسلامي مهما كانت مترددة خافتة، ولما كانت بعض البلاد الإسلامية لا تزال ساحة صدام بين الدولة وبعض الجماعات لإسلامية العنيفة فإن هذه التهمة ضد الإسلام تجد لها مكانا مناسبا في وسائل الإعلام الوطنية خصوصا إذا كانت بعض الأقلام مجندة سلفا لحساب المعسكرات المعادية، وهكذا يتبين أن أوراق الموقف باتت مختلطة ومعقدة لدرجة يصعب فيها اكتشاف الحلقة الأولى للحل السليم ، فإذا تذكرنا هذه العقبة الرئيسة يمكن أن نواجه بقية العقبات على النحو التالي :
أولا : أن رواج التهمة الزائفة عن استغراق المنظمات الدعوية والخيرية في الحركات العنيفة والإلحاح عليها في بعض أجهزة الإعلام قد أدى ببعض الحكومات الإسلامية إلى التضييق على المنظمات العاملة في بلادها، وخصوصا على صلاتها التنظيمية في البلاد الأخرى، مما يضيف قيودا على عملية التنسيق المأمولة، خصوصا وأن المنظمات الإسلامية لم تبذل جهودا كافية لتوضيح الصورة ووضع الأمور في إطارها الصحيح.
ثانيا : أن بعض المنظمات الإسلامية الشعبية يستبد بها التخوف لدرجة أنها تلزم نفسها بقيود أكثر مما تلزمها الحكومات،وتسرف في عدم التقيد بالتزامات التنسيق لكي تنفي التهمة، دون أن تبذل جهدا لإجلاء هذا الموقف.
ثالثا : أن عملية التنسيق يلزمها قدر كبير من تبادل ا لمعلومات حتى يمكن ترتيب الأولويات، وعلاج الازدواجية، ووضع مشاريع مشتركة، غير أن بعض المنظمات قد ترفض إعطاء هذه المعلومات، إما بسبب التعلل بالحرص على عدم إذاعة قدراتها وطاقاتها الحقيقية، أو بداعي الخوف من تسرب تلك المعلومات لجهات مشبوهة.
رابعا : لكي يثمر التنسيق ثمرته لا بد من التعاون على بناء كيان موحد، قوي الوزن مسموع الكلمة حتى يصبح له تأثير في مجريات الحوادث، ومن وسائل ذلك توثيق الروابط بين المنظمات الإسلامية، بحيث يدعم بعضها بعضا، ويقوي بعضها بعضا، إلا أننا نجد أحيانا- العكس من ذلك، ونجد منظمات تفضل التعاون مع مؤسسات خارج الإطار الموحد، مما يفقد التنسيق أهميته ويضعف جاذبيته.
خامسا : أن عملية التنسيق الواسعة يلزمها إدارة قوية وأقسام قادرة على الحركة والاتصال، وتحصيل المعلومات، والإحصاءات، ووضع الخطط والمناهج المشتركة، وتنظيم الإعلام الفعال وغير ذلك من نواحي النشاط، فإذا ضعفت تلك الإدارة ولم تتبناها ا لمنظمات الإسلامية فهناك خشية أن يضعف العمل، ويزيد من حالة اليأس والقنوط.
سادسا : بعض المنظمات الشعبية تعاني من الظاهرة التي تعاني منها الأمة عموما مع تراكم الهزائم والنكسات، وشيوع عوامل اليأس من كل حركة، والاعتقاد أن أي عمل هو غير مجدي أمام ضخامة الكوارث والنوازل التي تعصف بالأمة،واعتبار طريق التهرب والاعتزال هو أسهل الطرق، وهي ذات الحالة التي حرص القرآن الكريم على علاجها {حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا} (يوسف : üü) وقوله سبحانه عن الإنسان : {وإذا مسه الشر كان يئوسا}(الإسراء : 83).
سابعا : لما كانت موارد بعض المنظمات الإسلامية محدودة بصورة عا مة، فإنها تفضل الإنفاق على إدارتها ومشاريعها الخاصة، مما يجعلها تعزف عن المشاركة في العمل العام إلا بالقدر الذي لا يكلفها شيئا، وأحيانا تفلسف لنفسها التقاعس بأن منظمات غيرها ستقوم بهذا الواجب، ويخشى أن تكون الحصيلة هي ضعف الكيان الموحد.
ثامنا : يضاف لكل ذلك وجود النزعات الشخصية التي لا تخلو منها المجتمعات الإنسانية ومنها المجتمع الإسلامي، وهي التنافس، والغيرة والحسد، ولما كان العمل العام يعني التداخل، والتمازج، والاحتكاك،والاستعداد للتسامح، فقد يوجد من لا يملك المقومات اللازمة لذلك من الصبر، ورحابة الصدر، وتغليب الظن الحسن.
تاسعا : أن بعض المنظمات الإسلامية لم تتعود على العمل الجماعي، وتفضل العزلة حتى لو بقيت ضعيفة محدودة لأن ” الاستقلال” المزعوم يعطي القيادات هالة من الأمجاد والنفوذ الشكلي، علما بأن الممارسة قد أثبتت أن هذه المشاعر وهمية، لأن التنسيق يعطي قوة حقيقية، ويجعل المنظمات الزميلة ساحة إضافية للتوسع دون أن يؤثر على الجوانب الجوهرية في النفوذ والتأثير.
عاشرا : أن بعض الجهات القادرة ماليا لا تقدم المعونة بدرجة كافية، لا تقدر أهمية التنسيق بين المنظمات الإسلامية، ولا تزال ترى أن أقرب سبيل لتحقيق الثواب هو إنشاء مسجد أو مؤسسة خيرية مباشرة، أما بناء كيان قوي موحد فلا يدخل في أولوياتهم، وهذا العجز لاتواجهه المنظمات الدولية الأخرى كمجلس الكنائس، أو الصليب الأحمر الدولي، حيث تتعدد مصادر التمويل ويوجد وعي أكبر بأهمية العمل المنظم على الساحة الدولية.
على أن كل هذه العوائق والعقبات ما كان يجب أن تكون خافية أو مفاجئة للذين ينهضون لواجب التعاون والتنسيق ، ذلك أن مخططات الجهات المعادية للإسلام أصبحت واضحة تماما لكل من يعنى بدراسة تاريخ الأمة ومكانها في العالم المعاصر، وواضح أن كل هذه القيود ليست جديدة أيضا في تاريخ الدعوة الإسلامية ولها سوابق وأشباه كثيرة، ومن الممارسة يتبين أن من الممكن االيسير مقاومتها والتصدي لها، إذا توفرت الشروط التي حددها المنهمج الإسلامي في قول الله تعالى : {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم} ( الأنفال : 46) وقوله تعالى : {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} (المائدة : 2) وقول النبي : “المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا”. ومن سوابق التاريخ الكثيرة يتبين أن الإيمان والعزيمة والتصميم، يجب أن تسبق أي تنظيمات أو دراسات أو قرارات، وبدون وجود هذا الإيمان وتوابعه فإن كل حديث – مهما طال- يصبح مضيعة للوقت أو حبرا على ورق.