من فقه الأقليات المسلمة


حكم صلة المشركين:

الأصل في ذلك قوله سبحانه وتعالى : {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم. إن الله يحب المقسطين}.

ذهب أكثرأهل التاويل إلى أن الآية محكمة غير منسوخة وقالوا في تفسيرها :

في القرطبي: (هذه الآية رخصة من الله تعالى في صلة الذين لم يعادوا المؤمنين، ولم يقاتلوهم، أن يبروهم ويقسطوا إليهم، أي يعطونهم قسطا من أموالهم على وجه الصلة).

وفي ابن كثير : (لاينهاكم عن الإحسان إلى الكفرة الذين لا يقاتلونكم في الدين) يؤخذ من مجموع ماقيل في تفسير الآية، أن صلة الكافر وبره والإحسان إليه جائز، شرط أن يكون مسالما غير محارب.

وتتأكد هذه الصلة إذا كانت لرحم، فقد جاء في صحيح البخاري أن النبي(أذن لأسماء بنت أبي بكر أن تصل أمها وهي مشركة).

حكم إلقاء السلام على الكافرين:

ذهب جمع من السلف إلى جواز إلقاء السلام على  المخالفين من أهل الكتاب والمشركين، وقد فعله ابن مسعود وقال : إنه حق الصحبة. وكان أبو أمامة لا يمر بمسلم ولا كافر إلا سلم عليه، فقيل له في ذلك، فقال : “أمرنا أن نفشي السلام” وبمثله كان يفعل أبو الدرداء.

وذهب جمع آخر إلى المنع من إلقاء السلام على الكافرين، مستدلين بقول النبي  صلى الله عليه وسلم: ” لاتبدأوا  اليهود والنصارى  بالسلام” رواه مسلم.

لكن النهي عن مبادرة أهل الكتاب بالسلام، معلل بكونهم يردون ب “وعليكم السام” يعني الموت. يؤخذ هذا التعليل مما رواه البخاري عن عائشة) أن رهطا (جماعة) من اليهود دخلوا على النبي ( فقالوا : “السام عليك” ومن هنا قال عليه الصلاة والسلام : “إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا : وعليكم”. وعليه فإذا غير أهل الكتاب من أسلوب ردهم وألفاظهم الخبيثة فلا مانع من السلام عليهم، لأن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما. هذا فيما يخص تحيتنا لهم “السلام عليكم”. أما إذا كانت بعبارة أخرى ” كصباح الخير أو مساء الخير، أو مرحبا” وما شابه ذلك فلا يتناوله النهي وقد قال بذلك السدي ومقاتل وأحمد وغيرهم.

حكم القيام لهم:

ذهب جمع من العلماء إلى  جواز القيام للكافر إذا كان يقصد من ورائه مصلحة دينية كترغيبه في الإسلام وميله إليه بشرط ألا يقصد القائم تعظيما.

وأما القيام له بقصد دينه وما عليه من الكفر فحرام باتفاق. وأما إذا كان عرفا ومعاملة بالمثل فلا بأس. وتقدير ذلك يرجع إلى  المسلم نفسه في ديار المخالفين، فهوأدرى بعادات ذلك المجتمع وأعلم.

حكم مصافحتهم ومعانقتهم:

قال النخعي : (كانوا يكرهون أن يصافحوا اليهود) يقصد بذلك السلف الصالح وذهب آخرون وعلى رأسهم الثوري وعبد الرزاق الصنعاني، إلى أنه لا بأس بأن يصافح المسلم اليهودي والنصراني وهو الراجح الذي يقتضيه قوله تعالى : {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم، إن الله يحب المقسطين}. أما معانقتهم فهي مكروهة لأنها تعبير عن الرضا التام، والمحبة الفياضة، وهذا الشعور لا ينبغي أن يعامل به الكافر، إلا أن يكون الكافر أبا أو جدا أو ابنا أو ما شابه ذلك فلا بأس به. وليكن في المناسبات فقط.

حكم شهود أعيادهم ومشاركتهم فيها:

لا يجوز للمسلم ممالأة الكفار على أعيادهم، ولا مساعدتهم ولا الحضور معهم، باتفاق أهل العلم، لأنهم على منكر وزور، وإذا خالط أهل المعروف أهل المنكر بغير الإنكار عليهم، كانوا كالراضين  المؤثرين له فيخشى من نزول سخط الله على جماعتهم فيعم الجميع. روى  البيهقي بإسناد صحيح عن عمر ] أنه قال: ” لاتدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم، فإن السخطة (اللعنة) تتنزل عليهم”. وروى  البخاري عنه قوله : ” اجتنبوا أعداء الله في عيدهم”. لكن إذا خاف المسلم أن يترتب على  عدم تهنئتهم ضرر عليه لا يمكن تحمله عادة رخص له في مجاملتهم في الظاهر مع الإنكار القلبي.

حكم عيادة مرضاهم:

الأصل في ذلك ما رواه البخاري وغيره، أنه كان للنبي صلى الله عليه وسلم غلام يهودي يخدمه فمرض فأتاه فعاده.. الحديث.

وقال ابن حجر: “وفي الحديث جواز عيادة المشرك إذا مرض” وقد عاد النبي صلى الله عليه وسلم عمه أبا طالب في مرض وفاته وعرض عليه الاسلام.

كل ذلك على  جواز عيادة مرضى  المشركين، لأنها نوع من البر، وهي من محاسن الإسلام

هل للمسلم أن يؤجر نفسه من كافر فيما هو معصية عندنا؟

ذهب الجمهور إلى حرمة أن يؤجر المسلم نفسه لكافر في عمل حرام كبيع الخمور أو ميتة أو خنزير. فقد سئل الإمام مالك : المسلم يؤجر نفسه للكافر يحمل له خمرا فقال: ” لاتصح هذه الإجارة”.

وسئل الامام أحمد: أيبني مسلم للمجوس ناووسا؟ فقال: لا يبني لهم. وقاله الآمدي وكرهه الشافعي، ومثله الكنيسة وما يماثلها عند أهل الكفر.

وقد أفتى  المجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، بحرمة العمل في مطاعهم من غير ضرورة (أي المطاعم التي تقدم الخمر والخنزير وبحرمة تصميم معابد شركية أو الإسهام فيها).

وأما إذا اضطر للعمل في تلك المطاعم فيجوز، بشرط ألا يباشر نفسه سقي الخمر أو حملها، أو صناعتها، أو الاتجار بها، وكذلك الحال بالنسبة لتقديم لحوم الخنزير ونحوها من المحرمات.

وعلى ذلك يجوز للمسلم أن يؤجر نفسه للكافر بشروط منها :

- أن يكون عمله مباحا.

- ألا يعينه على  ما يعود ضرره على المسلمين.

- ألا يشتمل على  مذلة وإهانة.

حكم غسل الكافر للميت المسلم:

ذهب الجمهور إلى  جواز غسل المرأة الكتابية لزوجها المسلم، وغسل الرجل لزوجته الكتابية، ونص الشافعي على  أن غسل الكافر للمسلم صحيح، ولا يجب على المسلمين إعادته لأن الغسل لا يحتاج إلى  نية الحي هنا.

ولم يرد نهي في هذا الأمر بل غاية ما فيه أن الكافر قد يطلع على  عيب المسلم أثناء غسله فلا يؤمن من جانبه أن يشهر به، ويظهره على رؤوس الناس، فأما إذا وجد المسلم ابتداءا فلا يغسله غيره.

حكم الصلاة عليه:

أجمع الفقهاء أن الصلاة على ا لميت المسلم فرض كفاية. لو حدث أن منع أولياء الميت من المسلمين من الصلاة عليه، وجب عليهم وجوبا كفائيا أن يصلوا على  قبره، فقد ثبت في الصحيح أن النبي  : صلى على  ميت وهو في قبره، ولم ينبشه.

وأما إن تركوا الصلاة عليه عمدا فيأثمون جميعا.

هل يصح الدفن في التابوت؟

أجمع الفقهاء على أن الدفن في التابوت مكروه، ولا يستعمل إلا في حالة العذر فقط.

واعتمدوا في ذلك على أنه لم يصح أن أحدا في زمن النبي  أو النبي نفسه قد دفن في تابوت، بل كانوا يوضعون على التراب، ولم يصح أن النبي  رخص فيه أيضا أو منع منه.

وقد أجاز الفقهاء اتخاذ التابوت إذا كانت التربة رخوة وغير متماسكة، أو كان جسد الميت مهترئا بالاحتراق، أو مقطعا، أو أشلاء بحيث لا يضبطه إلا الصندوق.

وقالوا : والسنة أن يفترش في التابوت التراب.

وعليه فمن أجبرته سلطات بلاده (كما في بريطانيا مثلا) على أن يضع متوفاه في صندوق خشبي أو حديدي، فلا شيء في ذلك إن شاء الله- للعذر، وإٍٍلا فلا يفعله.

هل يصح دفن المسلم في مقابر الكفار؟

اتفق الفقهاء على أنه لا يدفن مسلم بمقابر الكفار، ولا كافر في مقابر المسلمين، وإذ دفن أحدهما في مقبرة الآخر نبش وجوبا ما لم يتغير، لأن الكفار يعذبون في قبورهم، والمسلم يتأذى بمجاورتهم فإذا لم تكن في بعض البلاد التي يسكنها مسلمون مقابر خاصة بهم فإنه ينقل وجوبا إلى بلاد ا لمسلمين، إن أمكن ذلك ماديا وسمحت سلطات بلاد المسلمين، ولم يخف تغيير جثة الميت، وإلا جاز دفنه في مقابر الكفار على أن يخصص للمسلمين جانب منها لهم لا يشاركهم فيه غيرهم.

حكم القيام لجنازة غير المسلم:

اما القيام لجنازة الكافر، فقد ثبت أن النبي  قام لجنازة يهوديمرت به حتى توارت، وقام معه أصحابه. فقال الصحابة : يا رسول الله إنها يهودية فقال : ” إن الموت فزع، فإذا رأيتم الجنازة فقوموا” وفي رواية أخرى: ” أليست نفسا”.

من كتاب فقه الأقليات المسلمة

خالد محمد عبد القادر

كتاب الأمة رقم 61

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>