أ – شهادة من الأنصار:
قال ابن اسحاق بسنده عن رجال من الأنصار أنهم قالوا : إنّ مِمّا دعانا إلى الإسلام -مع رحمة الله وهداه- لَمَا كُنَّا نسمع من رجال يهود، كنا أهل شرك أصحاب أوثان، وكانوا أهل كتاب، عندهم عِلْمٌ ليس لنا، وكانت لا تزال بيننا وبينهم شرور، فإذا نِلْنَا منهم بعض ما يكرهون، قالوا لنا : إنه تَقَارب زمان نبيٍّ يُبعَثُ نقتلكم معه قتل عادٍ وإرَمَ، فكنا كثيراً ما نسمع ذلك منهم.
فلما بعث الله رسوله أجَبْنَاه، حين دعانا إلى الله تعالى، وعَرَفْنَا ما كانوا يتوعَّدُوننا به، فبادَرْناهم إليه، فآمنا به، وكفروا به، ففينا وفيهم نزل هؤلاء الآيات من البقرة 89 :{ولَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ(1) على الذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ علَى الكَافِرِين}(2).
ب – سَلَمَةُ بن وقْش(3) يذكر حديث اليهودي الذي أنْذر بالرسول ثم كَفَر به:
قال ابن اسحاق بسنده عن سلمة بن سلامة بن وقش قال : كان لنا جارٌ من يهود بني عَبْدِ الأشْهل، فخرج علينا يوماً من بيته، حتى وقف على بني عبد الأشهل -قال سلمة : وأنا يَوْمئِذٍ أحْدَثُ منْ فيه سِنّاً، عليَّ بُرْدَةً لي، مضطجعٌ فيها بِفِنَاءِ أهلي- فذكر القيامة، والبعث، والحساب، والميزان، والجنة، والنار.. قال : فقال ذلك لقوم أهل شرك أصْحاب أوثان، لا يَرَوْن أن بَعْثاً كائِنٌ بعد الموت، فقالوا له : ويْحَك يا فلان؟؟ أوتَرَى هَذَا كَائِناً؟؟! أنّ الناس يُبْعَثون بعد موتهم إلى دار فيها جنةٌ ونار؟؟ يُجْزَون فيها بأعمالهم؟؟ قال : نعم. والذِي يُحْلَفُ به. ويَوَدُّ أنّ له بحظِّهِ من تلك النار أعْظَمَ تَنُّورٍ في الدار، يُحْمُونه ثم يُدخِلونه إياه فيُطيِّنُونه عليه، بأَنْ يَنْجُوَ من تلك النّارِ غَداً، فقالوا له : ويحك يا فلان؟؟ فما آية ذلك؟ نبيٌّ مبعوث من نحو هذه البلاد -وأشار بيده إلى مكة واليمن- فقالوا : ومتى تراه؟ قال : فنظَرَ إليَّ -وأنا مِنْ أحْدَثِهِمْ سِنّاً- فقال : إن يستنْفِدْ هذا الغلام عُمره يُدْركْهُ.
قال سلمة : فو الله ما ذهب الليل والنهار حتى بعث الله محمداً رسوله -وهو حَيٌّ بين أظْهُرِنا- فآمنا به، وكفر به بَغْياً وحَسَداً. قال : فقُلْنا له : ويحك يا فلان!! ألَسْتَ الذي قُلْت لنا فيه ما قُلتَ؟؟! قال : بلى، ولكن لَيْسَ به.
جـ – عبد الله بن صوريا وشهادته:
عن أبي هريرة ]، قال : أتَى رَسُولُ الله بَيْتَ المِدْراس(4) -فقال >أخْرِجَا إِليَّ أعْلَمَكُمْ< فقالوا : عبد الله بن صوريا، فخلا به رسول الله ، فنَاشَدَه بِدِينِه وبما أنْعم الله عليهم، وأطعَمهم من المَنِّ والسَّلْوى، وظلَّلَهم من الغمامِ >أتَعْلَمُ أنِّي رَسُولُ اللَّهِ< قال : اللهُمَّ نعم، وإن اليهود يعرفون ما أعْرِفُ، وإنّ صِفَتَكَ وتَعْتَكَ لمبين في التوراة، ولكن حسدوك، قال : >فَما يَمْنَعُكَ أنْتَ؟< قال : أكره خلاف قومي، عسى أن يتبعوك، ويسلموا فأسْلِم(5).
د – شهادة أمِّ المومنين صفيِّة(6) بنتِ حُيَيٍّ بْنِ أخْطب رضي الله عنها:
قالت صفية رضي الله عنها : >كنت أحبَّ ولَد أبي إليه، وإِلَى عَمِّي أبِي يَاسِر، لمْ ألْقَهما قطُّ مع ولدهما إلا أخذاني دونه، فلما قدم رسول الله المدينة، غَدا عليه أبي وعمِّي مُغَلِّسَيْن(7)، فلم يرجعا حتى كان مع غروب الشمس، فأتَيَا كالّيْن كَسْلاَنَيْن ساقطَيْن يمشيان الهُوينا، فهَشَشْتُ إليهما كما كنتُ أصنع، فو الله ما الْتفت إليَّ واحدٌ منهما مع ما بِهِما من الغَمِّ، وسمعت عمي أبا ياسر وهو يقول لأبي : أَهُوَ هُوَ؟؟! يقصِد المبشّّر به في التوراة. قال حُييٌّ : >نَعَمْ واللهِ، قال عَمِِّي : أتَعْرِفُه وتُثْبِتُه؟؟ قال : نَعَمْ قال فما في نفسك منه؟؟ أجاب : عَدَاوَتُه واللَّهِ مَا بَقِيتُ<(8).
هـ – شهادة كعب بن أسد:
قال كعب بن أسد لبني قريظة -عندما حاصرهم الرسول – : يامعشر يهود، قد نزل بكم من الأمر ما ترون، وإنّي عَارِضٌ عليكم ثلاثا، فَخُذُوا أيَّها شِئْتُمْ. قالوا : وما هي؟ قال : >نُتَابِعُ هَذَا الرَّجُلَ ونُصَدِّقُه، فَوَاللَّهِ لَقَدْ تَبَيَّن لَكُم أنَّهُ لَنَبِيٌ مُرْسَلٌ، وأنَّهُ الذي تَجِدُونَهُ في كِتَابِكُمْ، فَتَأْمَنُون علَى دِمَائِكُمْ وأمْوَالِكُمْ وأبْنَائِكُمْ ونِسَائِكُمْ، قالوا : لا نُفَارِق حُكم التَّوْراةِ أبَداً، ولا نَسْتَبْدِلُ بِهِ غَيْرَهُ<(9).
———-
1- يستفتحون : يستنصرون ببعثته على الكفار، ويقولون : اللهم انصرنا عليهم بالنبي المبعوث آخر الزمان.
2- انظر سيرة ابن هشام في الروض الأنف : 245/1.
3- سلمة بن سلامة بن وقش : شهد العَقَبَتَيْن، وبدراً، وأحداً، والمشاهد كلها مع الرسول اشتهر برواية هذا الحديث في الإعلام عن النبي المنتظر عن جار له يهودي، رواه عنه زيادة على ابن اسحاق الإمام أحمد. موسوعة عظماء حول الرسول : 946/2.
4- المِدْراس : الموضع يُدرس فيه كتاب الله تعالى، ومنه مِدْراس اليهود، ويطلق على دارس كتب اليهود وفي حديث اليهودي الزاني >فوضع مدراسُها كفه على آية الرجم<، وهو المدرِّس الكبير أيضا، المعجم الوسيط : 280/1.
5- انظر تفسير المنار 256/9، فلقد عقد رشيد رضا رحمه الله تعالى فصْلاً كاملا في بيان بشارات التوراة والانجيل وغيرهما، نقلا عن كتاب “إظهار الحق” لرَحْمة الله الهندي رحمه الله تعالى.
6- صفية رضي الله عنها ينتهي نسبها إلى هارون أخي موسى عليهما السلام، عندما تزوجها الرسول ، لم تكن قد جاوزت السابعة عشرة من عمرها، وعلى صغر سِنِها كانت قد تزوجت مرتين، من فارس قومها وشاعرهم >سَلاَم بْن مِشْكَمْ< ثم خلفَ عليها >كِنَانَةَ بن الربيع بن أبي الحقيق< صاحب حصن >القَمُوص< أعزِّ حصن في خَيْبَر، وكنانة هو الذي كان عنده كنْزُ بني النضير، فسأله الرسول عنه فجحد أن يكون يعرف مكانه، فقال له الرسول >أرَأَيْتَ إنْ وجَدْنَاهُ عِنْدَك، أأَقْتُلُك؟<، قال : نعم، فوُجد عنده، فقُتِل، انظر نساء النبي : 167، للدكتورة بنت الشاطئ رحمها الله تعالى.
وكانت صفية رضي الله عنها قد رأت في نومها وهي عروس بكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق : أن قمراً وقع في حجرها، فعرضت رؤياها على زوجها، فقال لها : ما هذا إلاَّ أنك تمَنَّيْن ملك الحجاز محمداً، فلطم وجهها لطمة خَضَّر عَيْنَها منها، فأُتِي بها رسول الله وبها أثر مِنْهُ، فسألها : ما هو؟ فأخبرته هذا الخبر، وسَرَّه ما سمع منها، انظر ابن هشام 336/2، ونساء النبي لبنت الشاطئ : 170.
7- مُغَلِّسين : ساروا وقْتَ الغلس، وهو ظلمة اخر الليل إذا اختلطت بضوء الصباح، أي أنهما خرجا مبكرين.
8- تفسير المنار : 257/9.
9- سيرة ابن هشام 235/2.