مقدمة:
لم يكتف بعض الكتاب والمفكرين الغربيين بما تبذله حكومتهم من جهد للبحث عن الذين قاموا بعملية 11 سبتمبر وعقابهم، ولم يَرْوِ غليلهم ما حدث من هجوم شرس على أفغانستان، بل بدؤوا يبحثون عما يسمونه بالأسباب الفكرية الجذرية لذلك الحدث الذي أطلقت عليه صفة الإرهاب، فادعى بعضهم أنها تكمن في التعليم الإسلامي، ويدل على بطلان هذا الزعم أمران :
أولهما : ما ذكر به بعض المنصفين من الكتاب الغربيين أن كراهية الغرب، والاعتداء عليه ليس قاصرا على بعض الجماعات الإسلامية، بل هو أمريشاركهم فيه أصحاب حضارات أخرى، يقول أحدهم في مقال له نشرته إحدى الصحف ” إن نوع الاعتداء الجريء العنيف الذي نربطه الآن بالاسلاميين كان – بدلا عن ذلك- مرتبطا منذ قرون بأماكن مثل اليابان وكوريا والصين” ثم يقول : ” والمسلمون ليسوا محتكرين للتكتيكات الانتحارية” ويذكرهم بعضهم بأن جماعات أمريكية نصرانية أصيلة قامت بأول عمل إرهابي كبير على الولايات المتحدة.
وثانيهما : أنه حين يعرف الإرهاب تعريفا صحيحا يربطه بالظلم والعدوان والإجرام، فإن الإسلام أبعد شيء عنه كما سنبين بعد.
لكن المشكلة أن كلمة الإرهاب في استعمالها الحديث كلمة غامضة لا يتفق الناس على معنى محدد لها؛ فلنبدأ إذن باستعراض بعض تعريفات الإرهاب ومناقشتها، ثم الخلوص إلى مفهوم صحيح له.
تعريف الإرهاب: بين الارهاب المشروع والإرهاب العدواني:
تقول جماعة أمريكية معنية بدراسة الإرهاب : إن الإرهاب بطبيعته أمر يصعب تعريفه؛ حتى حكومة الولايات المتحدة لم تستطع أن تتفق على تعريف واحد، فالمثل السائر يقول إن الإرهابي عند شخص هو مناضل من أجل الحرية عند شخص أخر.
تعرف موسوعة Encarta الإلكترونية الأمريكية الإرهاب بأنه استعمال العنف، او التهديد باستعمال العنف من أجل إحداث جو من الذعر بين أناس معينين، يستهدف العنف الإرهابي مجموعات وثنية أو دينية أو حكومات، أو أحزاب سياسية، أو شركات، أو مؤسسات إعلامية.
أما الكونغرس الأمريكي فيعرف الإ رهاب بأنه ” عنف واقع عن قصد وتَرَوٍّ وبدوافع سياسية تستهدف به منظمات وطنية صغيرة أو عملاء سريون جماعة غير محاربة يقصد منه في الغالب التأثير على مستمعين أو مشاهدين”.
وأما وكالة التحقيقات الأمريكية F B I فتقول عن الإرهاب إنه استعمال -أو تهديد باستعمال- غير مشروع للعنف ضد أشخاص أو ممتلكات لتخويف أو إجبار حكومة أو مدنيين كلهم أو بعضهم لتحقيق أهداف سياسية أو اجتماعية”.
وفي هذه التعريفات كلها خلل أساس هو نسيانها أو تناسيها للمعنى اللغوي الأصلي للكلمة وهو معنى تتفق عليه الكلمتان الإنجليزية والعربية.
ينص أحد قواميس اللغة الانجليزية على أن كلمة terror تعني “استعمال العنف لتحقيق أغراض سياسية ثم يعطينا نص على هذا الاستعمال مثلا بجملة تقول ” إن حركة المقاومة بدأت حملة من العنف terror ضد قوات الاحتلال” فالمقاومة إذن قد تكون أمرا مشروعا وبهذا المعنى استعملت الكلمة في القرآن الكريم في المقاومة والدفاع عن النفس والدين قال تعالى : {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون} (الانفال : 6).
فمصطلحات المقاومة قد تدل على الدفاع عن النفس أو الوطن أو العرض أو المال، وهذا مشروع في جميع الشرائع والقوانين، أما إذا خرج الأمر عن المقاومة وصار عدوانا فإن الكلمة عند ذلك تدل على معنى مذموم بحسب نوع الإرهاب، أو القتل أو الحرب، وعليه فلكي تؤدي المعنى المذموم الذي يراد لها أن تؤديه في الاستعمال الذي يشيع الآن، فلابد من تقييدها بوصف مثل العدواني أو الظالم. هذا ا لامر لازم ولا سيما للمسلمين.
لذلك أعود فأقترح أن نقيد المعنى المذموم للإرهاب بأنه الإرهاب العدواني، وآنذاك سيكون معناه الأساس واضحا، أما الزيادات التي تجعل التعريف اصطلاحيا فيبدو أنه ليس من الصعب الاتفاق عليها خصوصا إذا قلنا كما يقول بعض دارسي الإرهاب في الولايات المتحدة : إن التعريفات الاصطلاحية تختلف الغاية منها؛ فتعريف الكونغرس يقصد منه إحصاء العمليات الإرهابية في العالم، وتعريف وكالة الاستخبارات يقصد منه تتبع المعتدين على الولايات المتحدة.
نعم سيبقى هنالك اختلاف في وجهات النظر حيال ذلك، لكن هذا أمر يرجع إلى ثقافات الناس وأديانهم وفلسفاتهم، وهي أمور يمكن أن يدور فيها حوار عقلاني راشد، فمهمتنا إذن باعتبارنا مسلمين أن نبين للعالم ما الذي نعده إرهابا عدوانيا وكيف نقي الناس شر هذا العدوان.
من العناصر التي لابد من إضافتها إلى المعنى اللغوي كي يصير اصطلاحا:
>تحديد نوع القائمين بالارهاب، ومع أن الناس يتكلمون أحيانا عن إرهاب الدولة إلا أن هنالك شبه إجماع على أن المقصود بالإرهاب في المعنى الاصطلاحي هو ما تقوم به منظمات وجماعات لا حكومات.
تحديد من يقصدون بالعنف، وفي هذا اختلاف؛ فبينمايرى البعض أن يحصر معنى الإرهاب في العنف الذي يقصد به إصابة أهداف أو جماعات غير عسكرية يرى بعضهم أن يكون شاملا لهذا كله.
تحديد الغرض منه وهو كونه وسيلة لتحقيق أهداف سياسية أو اجتماعية، ونستطيع الآن وفي ضوء هذا الشرح لمفهوم الإرهاب أن نتبين موقف الإسلام منه.
العلاج الإسلامي لمشكلة الإرهاب:
نقول وبالله التوفيق : إن الإسلام هو من حيث المبدأ أبعد شيء عن إرهاب الناس وترويعهم وقتلهم؛ إنه حين يفعل ذلك ببعضهم إنما يفعله ردا على عدوانهم أو إيقافا أو عقابا على جرم ارتكبوه؛ وأن الدين لايكتفي بإدانة الإرهاب العدوانيبل يحرص على وضع وسائل لعلاجه، فهو يعالجه علاجا نفسيا علميا وعلاجا عقابيا، وعلاجا إصلاحيا.
العلاج النفسي العلمي:
العلاج النفسي هو العلاج الأساسي وذلك لأن أعمال الناس خيرها وشرها إنما مبعثه تصوراتهم ومعتقداتهم وقيمهم وعلومهم، فالإسلام يعالج كل أنواع الظلم البشري بهداية الناس إلى الإيمان بالله تعالى الذي هو أساس كل خير فيها، والذي هو أهم مكون للفطرة التي فطر الله الناس عليها؛ فإذا ما ذاقت النفس حلاوة الإيمان سهل عليها العمل بالطاعات واجتناب المنهيات.
ثم تأتي العبادات التي هي أقوى داعم للإيمان، وأهمها الصلاة {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون} (العنكبوت: 45).
فإذا ما تهيأ القلب هكذا لاستقبال أوامر الله ونواهيه، جاءته الأوامر التي تفصل له أعمال الخير لكي يأتيها وتفصل له أعمال الشر كي يجتنبها. الهدي الإلهي المتمثل في هذه الأوامر والنواهي شامل لكل شأن من شؤون الحياة الإنسانية بما في ذلك شأن المقاومة أو الجهاد أوالقتال في سبيل الله، فنحن مأمورون بأن يكون جهادنا خالصا لإعلاء كلمة الله تعالى، وأن يكون ذلك في حدود القيم الرفيعة التي يحبها الله تعالى، وأن لايتجاوز إلى الوقوع فيما لايرضي الله عزوجل من الظلم والبغي والكذب والغش والغدر، واتباع أهواء الغضب والانتقام للنفس، فإن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا.
قال تعالى : {يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولاالقلائد ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا وإذا حللتم فاصطادوا ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب} (المائدة: 2).
مما قاله الإمام ابن كثير في تفسير هذه الآية : ” أي ولا يحملنكمبعض من كانوا صدوكم عن المسجد الحرام- وذلك عام الحديبية- على أن تعتدوا حكم الله فيهم فتقتصوا منهم ظلما وعدوانا، بل احكموا بما أمركم الله به من العدل في حق كل واحد. فإن العدل واجب على كل أحد في كل أحد في كل حال؛ قال بعض السلف ما عاملت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه، والعدل به قامت السماوات والأرض”.
هذا الموقف الإسلامي الداعي إلى العدل وإلى عدم العدوان ليس موقفا مؤقتا وإنما هو موقف نابع من أصل هذا الدين وطبيعته، وذلك :
أولا : أن هذا الدين – كغيره من أديان الحق التي بعث بها رسل الله تعالى – إنما هو دعوة إلى تعريف الناس بربهم وهدايتهم إلى عبادته، وأن يعيشوا بهذه العبادة سعداء في هذه الحياة الدنيا، وفي الدار الآخرة.
ثانيا : أن الاهتداء الحقيقي أمر قلبي لا يجدي معه ترويع أو تهديد بإلحاق أذى أو بقتل، وإنما الذي يجدي معه- لمن كان مستعدا للهداية- أن يعرف الحق الذي جاء به الرسول معرفة يستيقنها قلبه.
ثالثا : ولذلك كانت المهمة الأولى لرسل الله جميعا -بما فيهم رسولنا الكريم محمد ومهمة أتباعهم الراشدين من بعدهم- هي تبليغ هذا الحق تبليغا بينا، والمجادلة عنه بالحجج والبراهين التي تزهق كل شبهة تثار حوله وعليه كا ن الجهاد الأول والدائم هو الجهاد بالقرآن. قال تعالى : {وجادلهم به جهادا كبيرا} (الفرقان : 52).
رابعا : ولهذا كان للمتسبب في هداية إنسان إلى هذا الحق أجر عظيم دونه أجر قتله حتى حين يكون القتل مشروعا، روي البخاري ] من حديث سهل بن سعد ] قال قال النبي – يوم خيبر (لأعطين الراية غدا رجلا يفتح على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله؛ فبات الناس ليلتهم أيهم يعطى فغدو كلهم يرجوه فقال : أين علي فقيل يشتكي عينيه.. فبصق في عينيه ودعا له فبرأ كأن لم يكن به وجع فأعطاه فقال : أقاتلهم حتى يقولوا مثلنا؟ فقال أنفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الاسلام وأخبرهم بما يجب عليهم فوالله لأن يهدي الله بك رجلا خير لك من أن يكون لك حمر النعم).
قال ابن حجر في الفتح معلقا على هذا الحديث:
يؤخذ منه أن تألف الكافر حتى يسلم أولى من المبادرة إلى قتله.
خامسا : وبما أن حال المسلم حال أدعى إلى الاستماع والنظر والتفكر في الإسلام حين يعرض على من لم يسلم فإنها مفضلة في الإسلام على حال الحرب.
قال تعالى : {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله} (الأنفال : 61) وسمى الله تعالى صلح الحديبية فتحا، فأي فتح كان؟ يجيبنا الزهري بقوله :
فما فتح في الإسلام فتح قبله كان أعظم من فتح الحديبية، إنما كان القتال حيث التقى الناس، ولما كانت الهداية ووضعت الحرب أوزارها، وأمن الناس كلهم بعضهم بعضا والتقوا وتفاوضوا في الحديث والمنازعة، ولم يكلم أحد بالإسلام كان يعقل شيئا في تلك المدة إلا دخل فيه، ولقد دخل في تلك السنتين مثل من كان قد دخل في الإسلام قبل ذلك أو أكثر.
قال ابن حجر مؤيدا الزهري :
فإن الناس لأجل الأمن الذي وقع بينهم اختلط بعضهم ببعض من غير نكير وأسمع المسلمون المشركين القرآن، وناظروهم على الإسلام جهرة آمنين وكانوا قبل ذلك لا يتكلمون عندهم بذلك إلا خفية.
وقال ابن هشام أيضا مؤيدا للزهري :
ويدل عليه أنه- – خرج في الحديبية في ألف وأربعمائة، ثم خرج بعد سنتين إلى فتح مكة في عشرة آلاف.
نستخلص من كلام هؤلاء العلماء الثلاثة أن الفتح تمثل أساسا في كثرة عدد من دخلوا في الإسلام بسبب الصلح.
قد يسأل سائل : إذا كان السلم والصلح والموادعة هي خيار الإسلام، فلماذا إذن يدعو إلى إعداد القوة الحربية، ولماذا إذن يدعو للجهاد القتالي ويجعل للمجاهدين تلك الدرجات العالية التي نعرفها؟
الجواب يسير : إن الله تعالى الذي خلق الخلق يعلم أن بعضهم لا يكتفي بالكفر بالحق، بل إنه ليكرهه ويكره المستمسكين به ويبذل أقصى ما في وسعه لعدم انتشاره، فكان لا بد للحق إذن من قوة مادية تحميه وتحمي المستمسكين به من مثل هذا العدوان. فالجهاد إنما شرع لمحاربة المعتدين، بل وحتى لمحاربة البغاة من مسلمين.
لكن الإسلام يضع حتى لمثل هذا القتال المشروع من الضوابط الخلقية ما لا يضعه الفكر الغربي لما يسميه بالحرب العادلة؛ من ذلك :
> الأمر بالعدل حتى مع الأعداء وعدم العدوان عليهم؛ وأنهم لا يقاتلون أو يقتلون بسبب كفرهم بل بسبب عدوان المعتدي منهم على الحق، أو على المستمسكين به لأنه لو كان الكفر هو سبب قتالهم وقتلهم لما قبل منهم صلحاً ولا موادعة ولما جاز نكاح المحصنات منهم.
> تشجيع المقاتلين على قبول السلم والمسارعة إلى قبوله إذا ماعرضوه.
> عدم الغدر.
العلاج التنظيمي:
إن المسلمين مأمورون بأن يجاهدوا عدو الله وعدوهم، وأن يدفعوا عن دينهم وأنفسهم، لكن الجهاد عمل جماعي لا يستقل به فرد أو بعض أفراد، ولا يؤتي ثماره إذا صار عملا فرديا، ولا سيما جهاد عدو قوي يملك من العدد والعدة الشيء الكثير، لذلك كانت أمور الحرب في الإسلام مهمة الدولة المسلمة، فهي التي تقرر زمانه ومكانه وهي التي تزن مضار القتال ومصالحه في كل حال من الحالات، في ضوء إمكاناتها وإمكانات عدوها، تفعل ذلك كله بعد استشارة الناس لأن أمر القتال يهمهم جميعا ويؤثر فيهم جميعا.
هكذا كان يفعل الرسول والخلفاء الراشدون من بعده، ثم كثير ممن أتى بعدهم من ولاة أمور المسلمين ولا يشترط في التعاون مع ولي الأمر الذي يؤدي هذه المهمة نيابة عن الأمة، أن يكون حاكما عدلا صالحا، بل إنه ليقاتل معه وإن كان فاجرا.
وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ] : ” لابد للناس من إمارة برة كانت أو فاجرة، قالوا هذه البرة قد عرفناها فما بال الفاجرة؟ فذكر من فوائد الفاجرة أن يجاهد بها العدو.
لكن بعض إخواننا صاروا يفتون في السنين الأخيرة بأنه يجوز للأفراد أن يتولوا قتال الأعداء مستقلين عن الحكام وهم يستدلون على جواز ذلك بقصة أبي بصير؛ وهذا من عجائب الاستدلال الذي يوشك أن يكون من اتباع المتشابه؛ إذ كيف تؤخذ حادثة واحدة دليلا على مخالفة أمر تضافرت على تقريره النصوص القولية القطعية والتطبيقات العملية؟ وكيف حين يجعل هذا قاعدة مطلقة لا استثناء مفيدا بشروط؟ على أن المتأمل في قصة أبي بصير ] يرى- بإذن الله تعالى – أنه لادليل فيها على ما ذكرت لتسويغه؛ فأبو بصير لم يكن – من الناحية الرسمية كما يقال اليوم- تابعا للمجتمع الإسلامي ولاخاضعا لسلطته، وإنما كان تحت سلطة كا فرة منعته من حق من حقوقه وهو الانتقال إلى بلاد المسلمين التي هداه الله للدخول في دينهم؛ فلما منعوه من ذلك تمرد عليهم وأتعبهم حتى أجابوه إلى طلبه، فلما التحق بالمجتمع المسلم وصار تحت قيادة الرسول كف عن فعله؛ فالاستدلال الصحيح بقصة أبي بصير يكون على أفراد في مثل حاله تابعين لدول كافرة تمنعهم ظلما وعدوانا من الهجرة إلى بلاد المسلمين ويرون أنفسهم قادرين على إلحاق الأذى بدولتهم المعتدية إلحاقا يجبرها على الاستجابة لهم ولا يلحق بالمجتمع المسلم ضررا؛ يقول بعضهم : لكن الرسول هو الذي أشار لأبي بصير أن يفعل ما فعل وإن كانت إشارته بطريقة غير مباشرة، ونقول إنه ليس في هذا أيضا دليل على جواز أن يتولى الأفراد أمر القتال مستقلين عن الجماعة المسلمة متمثلة في ولاة أمورها لأنه إذا كان أبو بصير قد فعل ما فعل بإشارة من النبي لم يعد فعله أمرا فرديا، لأن الذي يؤدي عملا من أعمال الجهاد بأمر ولي الأمر يكون عمله ضمن خطة عامة فلا يكون إذن عملا فرديا؛ يقول بعضهم : ما ذا إذا لم يكن الحكم في بلدنا إسلاميا، نقول انتقل إلى بلد يكون الحكم فيه إسلاميا؟ وإن لم تستطع فعد نفسك تابعا له حيثما كنت، يقول بعضهم ما ذا إذا لم يكن على وجه الأرض كلها حاكم مسلم؟ نقول هذه إن صحت تكون مشكلة أكبر من قتال الكفار، فالعمل على علاجها يكون مقدما على القتال، اللهم إلا إذا كان القتال دفعا لعدو غزا المسلمين في عقر دارهم.
العلاج الحسي:
وأعني به إجبار الإرهابي المعتدي على إيقاف اعتدائه ومعاقبته على الاعتداء لعل أقرب مثال إلى الإرهاب العدواني بمعناه الاصطلاحي الحديث عن عدوان أهل البغي، فهؤلاء أيضا جماعة تخرج على الحاكم المسلم الشرعي وتقاتله بغرض إزالته أو تقاتل جماعة أخرى من المسلمين، فالله تعالى يأمرنا بأن لا نقف مكتوفي الأيدي في مثل هذه الحال بل نقاتل الفئة الباغية حتى تكف عن بغيها امتثالا لأمر رسول الله ” انصر أخاك ظالما أو مظلوما” وبالطريقة التي فصلها لنا الله تعالى في قوله : {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين} (الحجرات: 9).
العلاج الإصلاحي:
وأعني به فتح باب الأمل أمام مرتكب العدوان، وعدم تيئسه من الكف الطوعي عن عدوانه، وهذا يكون بأمرين : أولهما أن يكون العقاب عادلا لايتجاوز الحد، وإلا كان هو نفسه ظلما وعدوانا، وثانيهما أن لا يكون العقاب نهاية المطاف، بل يعقبه استعداد للتفاوض مع المعتدي ومصالحته وقبوله.
إن إغلاق باب التوبة اوالأوبة على المعتدي من شأنه أن يغريه بالاستمرار في عدوانه، إما دفاعا عن نفسه، وإما يأسا من وجود مخرج، ولهذا فتح الله تعالى هذا الباب حتى للمفسدين في الأرض المحاربين لله ورسوله، فقال سبحانه {إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم}(المائدة: 34) وقال عن الفئة الباغية: {فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين} (الحجرات: 9)
———–
(*) بحث مقدم اللمؤتمر الاسلامي العام الرابع لرابطة العالم الاسلامي المنظم تحت شعار : الأمة الاسلامية والعولمة بتاريخ أبريل 2002، محرم 1423.
د. جعفر شيخ إدريس
رئيس الجامعة الأمريكية المفتوحة.