بارقة – اللّهم اجعل هذا البلد آمنا وجميع بلاد المسلمين .. آمين


هذا الدعاء يردده الأئمة الخطباء على منابر العالم الإسلامي كل جمعة، ويتجاوب معه المصلون  المنصِتُون تجاوباً تلقائيا ومتحمسا، فتسمع “آمين” يتردد صداها في جنبات المسجد، ويظل هذا الدعاء متصل الحلقات مترابط التأمينات، ذلك أن الأمن نعمة كبرى تستوجب شكر الله بالقول والعمل والحال، وبالقلب وباللسان، وقلّما يوجد في العالم الإسلامي من لا يحفظ سورة “قريش” التي أُمِرت فيها قريشٌ -والمسلمون كذلك مخاطبون بها- أن يعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف، كما وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالاستخلاف في الأرض والتمكين لدينهم الذي ارتضاه الله لهم ليظهر على الأديان كلها {ولَيُبَدِّلَنَُّّهم مِنْ بعد خوفهم أمنا..} فعليهم الحرص على دوام هذه النعم. وأعظمُها وأعلاها “الأمن” وذلك بالاستمرار في عبادته وتجنب الإشراك به سبحانه وتعالى أيَّ معبودٍ سواه والاستمرار في إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة واتباع الرسول  وطاعته.

لذلك كان ” الخوف” من أكبر النقم التي تحل بالأفراد والمجتمعات والدول والشعوب، وبما أن أمة سيدنا محمد  أمة “الأمن” والسلام فمن حاول زعزعة هذا “الأمن” الشامل بالكلمة الشريرة أو الأفكار الخبيثة أو الإعلانات الفاجرة أو الصور الخليعة أوتضييع الأمانة من تخريب إداري أو خيانة مالية أو موالاة أعداء الأمة بالتحريض على أمة الاسلام وإغراء الأعداء بها أو تعكير صفو الأمن بتخويف الناس وإرهابهم وإزعاجهم والتآمر مع عدوهم عليهم بأي شكل من الأشكال، فإنه يتعرض إلى سخط الله ونقمته وغضبه ولعنته.. كما يستحق العقاب الشديد في الدنيا وفي الآخرة.

ومن الموبقات الكبرى والجرائم العظمى ترويعُ المسلمين ومن يقيم معهم تحت مسؤوليتهم وفي ذمتهم من مواطنين ومقيمين وزائرين وضيوف أو عابري سبيل، ومن أشد أنواع هذه الموبقات “القتل” العمد..

وما شاهدناه وقرأناه عما وقع في الدار البيضاء ليحملنا على الشعور بالفزع والخوف على هذا المجتمع المسلم الذي اشتهر ببطولاته وتضحياته في عصور الجهاد والدفاع عن حوزة الدين والبلاد بحسن الخلق والتسامح والوداعة والكرم إبان السلم. أما هذه الظاهرة الـمَرَضِيّة المُخِيفة التي كنا نظن ظنا قويا  أنها لن تظهر في هذه البلاد السعيدة فإنها ظاهرة غريبة دخيلة على هذا الشعب المسلم الأبي الكريم، إذ ليس من شيم المغربي المسلم الذي يخاف الله ويحرص على مرضاته أن يمس أحداً بسوء أو ظلم انطلاقاً من تعاليم الاسلام السمحة التي تحرم الترويع حتى بالنظرة أو بالإشارة أو بمجرد التلويح بالسلاح ولو مُزاحا وملاَغَة (من اللغو)، لكن مَن الذي وراءها؟ هذا سؤال وجيه وبدهي، إن وراء الأكمة من له مصالح الإضرار بالمغرب، وباستقراره وبازدهار سياحته وبرفاهيته وبتعلقه بنظامه، بظاهرة التعقل والرزانة والانضباط لشوارعه بل ولأحزمته الفقرية المخيفة التي تراهن تلك الجهات على فوضاها وتمردها، ولا يُستبعد أن تكون تلك الجهات الحاقدة على المغرب قد فوجئت أن المغرب أكثر حضارة منها وأسرع نمواً مما كان يتصور.. إن هناك أسئلة كثيرة يجب أن تطرح بصدق وعلم وموضوعية وهذه مهمة الجامعات ومراكز البحث والتحليل!!!

إن ترويع الآمنين وإرهاب الناس “صناعةٌ أجنبية” دخِيلَة ومما يدل على ذلك تصريح وزير الخارجية المغربي السيد محمد بن عيسى الذي جاء فيه :

“هناك مؤشرات تدفعنا إلى الاعتقاد أن أيادي أجنبية كانت تحركهم لأن حجم ما جرى يوضح أنه بفعل منظمة ذات حجم كبير، لا أعتقد أن هناك في المغرب منظمة بهذا الحجم قادرة على ارتكاب مثل هذه الأعمال المتسببة بهذا العدد من الضحايا الأبرياء”(الشرق الأوسط 2003/5/20).

وقال فيليب سماكر مراسل كريستيان ساينس مونيتور “ويعتقد محمد ناجي الذي يسكن في حي طوما أن عناصر خارجية دفعت الانتحاريين إلى ارتكاب الهجمات الأخيرة، واصفا هذه العناصر بأنها ذات خبرة أكثر من الارهاب الدولي، وأضاف ناجي معلقاً : إنه لا يعتقد أن الانتحاريين الذين نفذوا الهجمات كانوا يدركون ما كانوا مقدمين عليه عندما ألقوا أنفسهم بالمتفجرات..”

وقال وزيرع الدفاع الاسباني فريد ريكو تريبو الذي كان يتحدث في مدينة سبتة : >إن عناصر أخرى فجرت عن بعد العبوات الناسفة الملفوفة حول الانتحاريين مستخدمة هواتف جوالة<. وقال : >إن العمليات الإرهابية التي استهدفت الدار البيضاء تم الإعداد لها منذ أشهر عديدة خارج المغرب، وأن المعلومات التي توصل إليها فريق المحققين الإسبان المتواجدين في المغرب أكدت هذه المعطيات<.

وقال صحافي آخر : “ومن المعتقد أن هذه العناصر القيادية أجرت اتصالات التفجير عبر الهاتف من أوربا وأماكن أخرى من داخل المغرب وحققت بذلك خمسة انفجارات متزامنة تقريباً”. وقال أحمد نجار الذي شارك في إلقاء القبض على أحد الانتحاريين الذي تراجع عن تفجير نفسه : قال عن هذا المتلبس : وكان يبدو أنه كان متناولا للمخدرات.. (التجديد الجمعة 2003/5/21).

إن لهذه الجريمة المر وعة علاقات بما وقع في الرياض وبغيرها والمحرك واحدٌ فمن هو؟.

إن عالم هذه الجرائم هو عالم الشياطين والأبالسة، عالم له مدارسه ومختبراته وإعلامه وعلماؤه ومتخصصوه وميزانياته وإدارته وجيوشه وزبناؤه وعملاؤه، وهو مليء بالأسرار والأحاجي والغرائب والأعاجيب والألاعيب، ولا نعرف نحن البسطاء عنه لا قليلا ولا كثيراً إلا ما نشاهده أحيانا قليلة في بعض أفلام “القوم” أو ربّما ما يكشف عنه بعد خمسين أو مائة سنة أو أكثر مما لا يضر الجهل به ولا ينفع العلم به إلاّ من حيث التاريخ..

وعالم هذه الجرائم المسماة بالإرهاب صناعة أجنبية ونحن دون المستوى بكثير لولوجه أو للمشاركة فيه، وإنما لسنا بمنجاة من بعض شراراته وأشراره، وقد يُستخدم “بعض المغفلين” أو المأجورين الذين ماتت ضمائرهم أو غابت عقولهم وطمست بصائرهم للإضرار بوطنهم وأمتهم! ولا يُستبعد أن يكون بعض هؤلاء الأفراد لا علاقة لهم بالدين مثل أصحاب آسني مراكش من منحرفي أزقة بعض البلدان الفرنسية، فقد يقع اغراؤهم “بالحريك” أو بالتشغيل أو بشيء من ذلك!! وقد “تغسل ” أدمغتهم..

إن هذه العملية الجديدة تحتاج إلى أموال طائلة وأدمغة مخططة ووسائل كثيرة وموجودة وإدارات منفذة وغير ذلك مما هو فوق طاقة “حي سيدي مومن”.

وعلى كل حال فلا سبيل لعلاج المرضى منا إلا بالدين الحق وبتعاليمه السمحة وتربيته الراقية، وهذا يقتضي استدراك ما فات وذلك بتعزيز “مؤسسة العلماء” بالقرويين وابن يوسف والمعاهد والمدارس في المدن والبوادي لضبط هذا المجتمع وتسديد خطى أفراده وجماعاته وتثقيفهم بثقافة المحبة والتواصل والتعاون على البر والتقوى وعلى احترام الانسان والمحافظة على نفسه ودينه وماله وعقله وعرضه.

هذه الكليات التي يتكفل الدين بحفظها وأمِرنا نحن أيضا لا بالحفاظ عليها فقط بل بالدفاع عنها وإنزال أشد العقوبات لمن تسول له نفسه انتهاكها.

إن ازدهار “مؤسسة العلماء” وإعادة رسالتهم في المجتمع وتعزيزهم قولا وفعلا وتشريعاً وتنظيما ليس من ورائه إلا الخير لهذا البلد الذي ارتبط منذ تأسيسه بالعلماء والأشراف الذين كانوا الضمانة الأساسية لاستقرار البلاد وتأمين العباد وترسيخ القيم ومواجهة الأخطار ودفع الأكدار ودرء المفاسد وجلب المنافع، ولا يتحقق ذلك إلا بانتشار الدين وأخلاقه العظيمة وتعالميه السماوية الكريمة على أيدي علماء يهدون الناس بكلامهم وسلوكهم وحسن قدوتهم كما كان يفعل أسلافهم الذين حافظوا لنا على ديننا وبلادنا خلال قرون عصيبة وظروف مَهُولة. ودع عنك كلام من لا يعلم ولا يدري قيمة هذا الدين في هذا المجتمع العظيم.

إن المغرب يعيش في فوضى عارمة فيأمور دينه بسبب غياب “مؤسسة العلماء” القادة والقدوة، فنحن أصبحنا نصلي مثلا في مسجد واحد وربما في صفِ واحد بأكثر من المذاهب الأربع، أما فوضى رمضان فحدث ولا حرج مع أن العلم أثبت بما لا يدع مجالاً للشّك أن المغرب في طليعة المتحرين لثبوت الشهر وقد حقق أعلى نسبة من الصواب في ثبوت الهلال، أما الآراء الدينية الرائجة خلال بعض الأوساط المتزمتة فأمور تدعو لكثيرمن الأسى والحسرة، والسبب في ذلك كثرة المرجعيات وضعف الثقة في علماء المغرب الذين هُمِّشَ منهم مَنْ هُمّش وانزوى منهم من انزوى والقضاء على استمرارية دراسة علوم الشريعة بالقرويين وابن يوسف والمعاهد والزوايا في جل المدن والبوادي المغربية بعد أن كانت مزدهرة أيام الاستعمار وقبله.

إن أخطر من الفوضى الدينية التي نعيشها هي الإعراض عن الدعوة إلى إعادة “مؤسسة العلماء” وظاهرة انتشار الدين الصحيح بواسطة قدوات من العلماء الأكفاء والصالحين ونشر التربية الاسلامية في جميع أوساط المجتمع المغربي لأن في غياب الاسلام عن المغرب تهديداً مهولاً لاستقراره وأمنه وازدهاره ومكانته.

فلا مغرب بدون شريعة محمد  فبها كان وبها يحيا وبها يسود ولن تصلح هذه الأمة إلا بما صلح بها أولها.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>