مقدمة في مفهوم ” التعليم الأصيل”:
التعليم الأصيل تعليم ينطلق مما يحقق الأصالة ويرسخها؛ بالتركيز على العلوم الشرعية والتدريس باللغة العربية، إلى مايحقق المعاصرة ويرشدها؛ بالتمكن من العلوم الحديثة، والتواصل باللغات الأجنبية. وهو قسيم للتعليم العام ونظير له : يبتدئ من الابتدائي وينتهي بالدكتوراه، لكنه مضمونا أعم منه، وهو التعليم الذي يمثل الشخصية الاسلامية العربية للمغرب، ويجلي الاستمرارية الحضارية له، وقد كان وحده الموجود قبل الاستعمار، وإنما تتجلى” المرتكزات الثابتة” الخمسة للميثاق الوطني للتربية والتكوين فيه. ولذلك طالب الميثاق (بند 88) بإحداث “مدارس نظامية للتعليم الأصيل من المدرسة الأولية إلى التعليم الثانوي” للارتقاء به.
وتنفيذا لذلك أعدت هذه الورقة عن الاختيارات والتوجهات المعتمدة في الارتقاء بالتعليم الأصيل:
اختيارات وتوجهات في مجال الأهداف:
يهدف التعليم الأصيل بجميع مراحله إلى تحقيق الأهداف والغايات الكبرى التالية:
1- الحفاظ على استمرار الهوية الاسلامية والخصوصية الثقافية للأمة.
2- الحفاظ على استمرار المرجعية العليا للإسلام، والمركزية الكبرىللوحي، والتواصل الأساسي بلغة القرآن.
3- الحفاظ على وحدة البلاد عقيدة وشريعة وسلوكا، وصونها من كل أشكال الانحراف والتطرف والتفسخ والتفرق.
4- إمداد البلاد بما تحتاج إليه في الداخل، من أطر متوسطة وعالية في مجال العلم بالشريعة، لتدبير أمور العباد وفق شرع الله عز وجل، وإمدادها بما يحقق لها استمرار الإشعاع الحضاري في الخارج، من علماء ربانيين قادرين على الدعوة إلى الله تعالى في إفريقيا التي تعتبر المغرب قبلة لها، وفي أوروبا التي تنتشر بها جالية إسلامية كبيرة.
5- إمداد البلاد بالمواطن القوي الإيمان، “المتصف بالاستقامة والصلاح” (الميثاق بند 1) المتمكن “من التواصل باللغة العربية لغة البلاد الرسمية، تعبيرا، وكتابة” (الميثاق بند 2) المتفتح “على اللغات الأكثر انتشارا في العالم” (الميثاق البند3). الجامع “بين الوفاء للأصالة والتطلع الدائم للمعاصرة” (الميثاق بند 4) الممتلك لــ”ناصية العلوم والتكنولوجيا المتقدمة” المسهم”في تطويرها” (الميثاق البند 5).
اختيارات وتوجهات في مجال الخصوصية:
تتجلى خصوصية التعليم الأصيل، تبعا لمفهومه وأهدافه في التركيز على كل ما يحقق” الأصالة” ويرسخها لتبنى عليها ” المعاصرة” الراشدة، وأهم ذلك :
1- تأسيس التعلم فيه على حفظ القرآن كله.
2- اعتماد اللغة العربية لغة للتدريس لجميع المواد فيه.
3- تدريس العلوم الشرعية كلها بأسمائها فيه؛ من تفسير، وقراءات، وحديث، وفقه، واصول، وفرائض، وتوقيت، وسيرة… إلخ.
4- جعل المواد، والمناهج، والكتب المقررة فيه، والأطر العاملة به أو المدرسة فيه، والنظام التربوي به، منسجما مع طبيعة خصوصيته.
5- جعله منفتحا على العالم الإسلامي فكرا، وتاريخا، وجغرافية، ولغات.
اختيارات وتوجهات في مجال الجسور مع التعليم العام:
الأصل في التعليم الأصيل أنه أعم من التعليم العام؛ فكل ما في التعليم العام موجود في التعليم الأصيل ولاعكس. وإنما يختلفان في التركيز على المميز : الأصالة أو المعاصرة. وذلك جعل الجسور بينهما ممدودة ليس في كل المراحل فحسب، بل في كل السنوات، لاشتراكهما في :
1- الهيكلة العامة؛ من الابتدائي بأوليه وأساسيه ومتوسطه إلى الثانوي بإعداديه وتأهيله إلى العالي بما يشتمل عليه.
2- نظام الشهادات واعتبار صلاحيتها، من الابتدائي حتى الدكتوراه.
3- المواد العلمية، واللغات الأجنبية، والعلوم الإنسانية، في جميع المستويات والسنوات.
4- نظام التدريس، والإشراف، والتقويم، والتوجيه، والتسيير.
5- اعتمادالوسائل الحديثة في التربية والتكوين.
6- الانفتاح على المحيط.
اختيارات وتوجهات في مجال الروافد والمسالك:
يتطلب الإرتقاء بالتعليم الأصيل، فيما يتطلب، للانتقال به من الحال التي هو عليها إلى الحال التي يجب أن يصير إليها، اعتماد اختيارات أساسية وتوجهات كبرى، في مجال الروافد والمسالك. منها :
1- توسيع روافد التعليم الأصيل في جميع مراحله. وذلك بــ :
أ- تطوير وتوسيع شبكة الكتاتيب القرآنية.
ب- تطوير وتوسيع شبكة المدارس الابتدائية.
ت- توسيع شبكة التعليم الثانوي الإعدادي.
ث- اعتماد المرونة عند تحديد شروط الالتحاق بالتعليم الأصيل.
2- تنويع فرص التعليم والتكوين أمام رواد التعليم الأصيل وذلك ب :
أ- تنويع شعب التعليم الثانوي التأهيلي الأصيل، حتى تشمل مختلف التخصصات: الشرعية واللغوية، والرياضية، والتجريبية، والاقتصادية، والإعلامية، والهندسية.
ب- إحداث جسور بين التعليم العام والتعليم الأصيل في جميع مستويات التعليم، ولا سيما في مستوى التعليم الثانوي التأهيلي والتعليم العالي، ليمكن لرواد التعليم الأصيل الالتحاق بالتخصصات الأخرى. غير الموجودة فيه.
3- فتح الباب على مصراعيه أمام رواد التعليم الأصيل لولوج عالم الشغل، سواء بالنسبةللاطر المتوسطة أو العالية.
اختيارات وتوجهات في مجال التنمية والتطوير:
لكي يرتقي التعليم الأصيل إلى الأفق الذي يريده الميثاق الوطني للتربية والتكوين من “نشر للتعليم وربطه بالمحيط الاقتصادي” و” الرفع من جودة التربية والتكوين” و” حفز الموارد البشرية وإتقان تكوينها” و” تحسين التدبير العام لنظام التربية والتكوين وتقويمه المستمر”… لابد من تنميته وتطويره انطلاقا من عدد من الاختيارات والتوجهات على رأسها :
1- إعطاؤه الأولوية اللازمة في الاهتمام، حتى يلحق بالتعليم العام :
- على مستوى النصوص التشريعية المنظمة لشؤونهالملزمة برعايته والاعتناء به.
- على مستوى المديرية الخاصة به التي يجب أن تعود لتتكفل بجميع شؤونه.
- على مستوى البنايات الصالحة، والتجهيزات الضرورية، والوسائل والوسائط التعليمية التي تناسب العصر والرسالة المنوطة به.
- على مستوى الأطر التربوية، والإدارية، ومؤسسات التكوين اللازمة لرفع مستواه.
- على مستوى الكتاب المدرسي المناسب له.
- على مستوى المناهج والبرامج المحققة لرسالته المنسجمة مع طبيعته وخصوصيته.
2- تشجيع رواده ماديا ومعنويا؛ بالمنح لغير المقيمين، والداخليات والمطاعم للمستحقين، والكتب والأدوات المدرسية للمعوزين، والنقل عند الاقتضاء للبعيدين، والقيام بحملات إعلامية لللتعريف به وبمكوناته وآفاقه، في كل حين.
3- استفادته الواجبة مما في الدعامة الحادية عشرة من الميثاق الوطني للتربية والتكوين المخصصة لتشجيع التفوق، والتجديد، والبحث العلمي؛ كإحداث ثانويات نموذجية ، وأقسام تحضيرية، وغير ذلك.
4- فتح باب الشراكة وتيسير سبلها للتعاون على النهوض به وسد حاجاته.