إن بناء الأمة وتكوينها، ودفعها نحوا لبناء والتقدم، لايمكن أن يتم إلا عن طريق التعليم، وعن طريق التعليم وحده، بذلك أخبرتنا تجارب الأمم والحضارات القديمة، وبذلك دلت نهضة العديد من الشعوب في العصر الحاضر سواء في الشرق أو في الغرب.
لذلك فإن بناء مستقبل الشعوب الاسلامية يبدأ من بوابة التعليم الذي ينبغي أن يكون قائما على أساس سليم ومتين، منطلق من الماضي المشرق لهذه الأمة، ومستشرف لمستقبل واعد للأجيال الناشئة تؤمن فيه حقوقهم ومتطلباتهم، وفق ما يقتضيه التقدم العلمي والحضاري.
وشعبنا في المغرب واحد من هذه الشعوب الإسلامية، أي أن شعبنا شعب مسلم، أحب من أحب وكره من كره. لنا ارتباط وثيق بديننا وحضارتنا وتقاليدنا، كما أن لدينا أملا كبيرا في اللحاق بركب التقدم ا لذي تشهده عدد من الامم في مشارق الأرض ومغاربها. غير أن اللحاق بركب التقدم لا يمكن أن يتم عن طريق الاجهاز على ما تبقى من مقدسات ديننا ومآثر حضارتنا ومعالم أصالتنا؛ فقد دلت التجربة التعليمية خلال العقدين الماضيين، التي همش فيها التعليم الأصيل، وتُنُكِّر فيها لمواد التربية الاسلامية في مدارس التعليم العام، أن قضية التكوين والتأطير، والتربية والتعليم، وبناء الحاضر والمستقبل لايتم عن طريق إلغاء كل ما يرتبط بالدين. كما توهم ذلك واضعو البرامج التربوية والتعليمية خلال العقدين الماضيين. لأن هذه الفترة المذكورة لم يخرج ا لتعليم فيها إلا مجموعة من العاطلين وأنصاف المتعلمين وأشباه الأميين. الذين أصبحوا ينظرون إلى أنفسم وكأنهم قد تقطعت بهم السبل، فأصبحوا يبحثون عن مخرج مادي أو معنوي يخلصهم مما هم فيه :
- فطائفة منهم فكرت في الهروب “إلى الأمام” من هذا الواقع المادي المشين فركبت قوارب الموت وطفت بهم أمواج البحر الأبيض المتوسط والمتعلمون منهم يشكون إلى ربهم جناية التعليم عليهم.
- وطائفة فكرت في الهروب “إلى الوراء” فارتادت مواضع الرذيلة وإدمان المخدرات، أو تكوين عصابات والإخلال بأمن المواطنين……. والاعتداء عليهم.
- وطائفة أصبحت لقمة سائغة لدى دعاة الغلو أو التفرقة فأصبحوا يفتون الناس بغير علم فضلوا وأضلوا.
إلى غير ذلك مما هو سائد في شرائح من أوساط العاطلين والأميين، إلى درجة أننا أصبحنا نفتقد روح المواطنة الحقة، إذ لا أحد من هؤلاء يغار على وطنه أو يفكر في خدمته خدمة مخلصة’ بل وينعى على من يكون كذلك.
والسبب بسيط، وهو أن منظومتنا التعليمية لا تحمل في ذاتها قيما دينية تحبب للمتعلم دينه ووطنه وأمته، وتعوده على الدفاع عن ذلك كله، وتقنعه بأنه، وإن كان وحيدا، مسؤول عن تنمية وطنه والدفع به نحو التقدم.
لذلك فإن استرجاع هويتنا ووطنيتنا ينبغي أن يتم عن طريق إصلاح منظومتنا التعليمية التي ينبغي أن تعطي للدين حقه في كل المستويات في إطار التعليم العام، ثم ببث الروح كيفا وكما في التعليم الأصيل الذي أصبح هيكلا بلا روح.
إن إحياء التعليم الأصيل إحياء فعليا -وأقول مرة أخرى كيفا وكما- سينقذ البلاد من الكثير من ا لمخاطر التي أصبحت تهدده :
- سيمكنه من تكوين علماء تكوينا جيدا هاجسهم الوحيد خدمة الدين والوطن، وحث مواطنيهم على التفاني في ذلك.
- سيمكنه من القضاء على الغلو الذي أصبح يعشعش في أدمغة عدد من الشباب الذين يشعرون بالفراغ الروحي.
- سيمكنه من سحب البساط أمام الذين يفتون الناس بغير علم، حيث أن الافتاء أصبح ظاهرة لدى كل الناس، من الحرفيين والعمال ورجال التعليم والسياسيين وغيرهم، كلهم يجتهد برأيه في الاسلام، دون أن يجد من يقول له : أخطأت أو أصبت. مع أنه في المقابل لو قدر لشخص غير طبيب أن يفتي في الطب، وأن يكتب وصفات الأدوية للناس، لتقدم إلى المحاكمة من غده.
- سيمكنه من غرس قيم الفضيلة في أوساط الشباب، ليصبح شبابا متخلقا مسؤولا واعيا عوض شباب متفسخ منحل.
- سيمكنه من تكوين أجيال متعلمة تعليما أصيلا، تكوينه تكوينا علميا عصريا.
- سيمكنه من تكوين الأجيال الغيورة على وطنها وعلى مستقبلها ويكون هاجسها الوحيد هو بناء الوطن.
- سيمكنه من إذكاء روح الوطنية والمواطنة في أوساط كل الفئات، فيشعر كل واحد من أفراد المجتمع بأنه مسؤول أمام الله، وإن تحقق هذا كله، فهو لعمري البوابة الأولى والاساسية نحو التقدم.