في يوم دراسي بكلية العلوم بفاس – من أجل لغة فاعلة لتيسير التعليم والبحث العلمي


نظمت مجموعة من أساتذة كلية العلوم بفاس يوم الأربعاء 30 أبريل 2003 يوما دراسيا تحت شعار : من أجل لغة فاعلة لتسيير التعليم والبحث العلمي.

وقد كانت المحاضرة الأولى من تقديم ذ. الناجي الأمجد بعنوان : اللغة العربية بين التواصل  والإقصاء، تحدث فيها عن كون عجز أهل اللغة  سببا في التخاذل اللغوي والثقافي. كما تطرق إلى  دور اعتماد الإعجاز في حماية العربية ورعايتها وحماية الدين من عبث العابثين. لذلك كانت العربية لغة الإنتاج الحضاري الإسلامي الذي مازالت تدين البشرية به.

كما ركز على دور المجامع اللغوية في الحفاظ على حياة العربية أصيلة، وفي ذلك امتداد لجهود القدامى في خلود العربية بخلود الذكر الحكيم.

وقد دحض دعاوى عدم قدرة العربية على مسايرة التطور الحضاري الحديث، وأن الأمر متعلق بهِمَّة أصحاب اللغة، فنحن نرى كيف استردت العبرية من بطون التاريخ بسواعد اليهود، ثم اليابانية والصينية…

كما تحدث عن قدرة العربية على التواصل وتغذية التعليم العالي والمشروع التربوي عموما.

فمتى تعود  العربية إلى حظيرة الجامعة والعلوم المادية كما هو الحال في سوريا والعراق؟

المحاضرة الثانية : تجربة التعليم بالمغرب : بين الازدواجية والتعريب

وقد تحدث من خلالها ذ. عبد الحي الرايس عن المفارقة بين الاختيارات الوطنية والتوجهات الرسمية والحكومية. فكلما تحدثت الحركة الوطنية  عن المبادئ الأربعة المشهورة : التعميم، التعريب، المغربة الاستقلالية، أحدثت الدوائر الرسمية لجانا متعددة تقتل المشاريع في مهدها.

ومما ميز التجربة المغربية في التعريب افتقاد ا لثقة في الموارد البشرية واستمرار الانبهار بالغرب مع اعتقاد عجز العربية، ولذلك فإن عمليات التعريب كانت تحمل بذور موتها منذ انطلاقها لعدم توفير الشروط اللازمة.

وقد ركز كذلك على تجارب التعريب في بعض الدول كالأردن ليس في التعليم فقط بل في الادرارة والإعلام. وتحت عنوان : من أجل تعريب فعال، أكد ذ. الرايس  على ضرورة اعتزازنا بلغتنا العربية  المعبرة عن هويتنا وقال : نريد لغة نمتلكها لالغة تملكنا، مع الانفتاح في حدود حاجة التواصل على اللغات الأخرى، والسبيل إلى ذلك مرتبط بالقرار السياسي الرسمي، وإرساء استراتيجية واضحة.

المحاضرة الثالثة : لغة التعليم : تجارب دولية

قدم فيها د. عز الدين البوشيخي الإجابة عن السؤال : لماذا الإصرار على جعل العربية لغة للتعليم؟ وتطرق إلى اللغة بين مشكلتي الشكل والمضمون، وعلاقتها بمسألة التعليم، وتحدث عن اللغة الباطنية الداخلية التي تمتلكها كل الكائنات وتنظم بواسطتها معرفتها بالعالم وبناء الانساق مهما اختلفت اللغة الخارجية الطبيعية التي تثبت الهويات والخصوصيات الثقافية، أي لغة ملتصقة بنمط التفكير وتطور العالم. واعتبر د. البوشيخي الحديث عن التعليم باللغة الأم شيئا طبيعيا جدا، وعرض إلى التجربة الكندية والفرنسية.

وختم مداخلته عن مأساة اللغة العربية في جامعاتنا.

كما عرف هذا اليوم تنظيم ورشة اللغة في الإصلاح الجامعي، وورشة استمارة للطالب والأستاذ حول لغة التدريس في كليات العلوم، وختم اليوم الدراسي بطاولة مستديرة كان من   ثمارها :

-  الدعوة إلى تهيئ الطلبة لإعداد أطروحات في مجال تعريب العلوم المادية.

- السعي لتأسيس معهد لتعريب العلوم المادية وإحداث لجنة التنسيق لمتابعة توصيات اليوم الدراسي.

وعلى هامش هذا اليوم الدراسي التقينا بأحد الفعاليات المشاركة هو د. عبد المجيب بنكيران وكان لنا معه الحوار التالي  :

 

< نريد في البداية التعرف على خلفيات ودوافع تنظيم هذا اليوم الدراسي؟

<< تعليمنا الجامعي منذ تأسيسه وهو يدرس باللغة الفرنسية هي الأول طبعا كانت هناك مشاكل لها علاقة باللغة الفرنسية ولغة التدريس للعلوم من قبل. واصبحنا نتلمس المشاكل ونحس بها بصفة مباشرة لما طبق التعريب على المواد العلمية في الثانوي بحيث أصبح يصلنا طلبة معربون تعلموا المواد العلمية باللغة العربية ونحن ندرسهم باللغة الفرنسية . اصبحنا نلمس معاناة على مستوى التواصل ووضع السؤال بالفرنسية. هذه القضية استمرت سنين ونحن كنا نحاول جهد المستطاع أن نجد حلولا لها ولكنها تبقى حلولا ترقيعية ومجهودات فردية من طرف الأستاذ ثم جاء الميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي أعلن على أن التعريب يجب أن يهم جميع أسلاك التعليم والقانون المنظم للتعليم العالي صرح كذلك بهذه القضية. بدأنا نفكر على أن الحاجة أصبحت جدية وإلحاحا فيما يخص قضية تعريب التعليم العالي. وأقيمت ندوة في كلية الآداب حول المصطلحات في العلوم المادية التي نظمها معهد الدراسات المصطلحية. واستدعيت كل الشعب وقدمنا مشاركات متنوعة. ولمسنا الحاجة للقيام بشيئ ما ولايجب أن ننتظر الوزارة أو المسؤولين ليخبرونا بوجود التعريب ويرسلوا لنا المناهج ويؤلفوالنا الكتب. إذن المنطلق هو الميثاق ثم الندوة التي كانت بمثابة المحفز على إقامة هذه الندوة.

الهدف من هذه الندوة هو محاولة فهم الواقع الذي نعيشه وتقييم التجارب السابقة سواء في التعليم الثانوي أو العالي (تجارب التعريب والفرنسية).

من جهة أخرى محاولة استقراء آراء الأساتذة حول هذا الموضوع ومدى تجاوبهم أو عدم تجاوبهم مع قضية التعريب ثم في المرحلة الثالثة وضع أوبدء العمل من أجل تهيئ هذا التعريب. لما بدأنا نناقش هذا الموضوع فيما بيننا لمسنا أن معظم الأساتذة لديهم رغبة أكيدة في تطبيق التعريب كما أن هناك تخوفات، ولكن بصفة عامة لقينا تجاوبا ورغبة في بذل الجهد من أجل إنجاز هذا التعريب انطلاقا من قضية الهوية. فنحن الدولة الوحيدة في العالم العربي التي لاتدرس العلوم بلغتها. يمكنك أن تذهبإلى  أصغر الدويلات التي يتكلم لغتها عدد قليل من البشر لايتعدى المليون أو المليونين ورغم ذلك يدرسون العلوم بلغتهم حتى في الجامعة .

في الصباح كان لدي تدخل سريع ذكرت الأساتذة من خلاله بمعاناة الطلبة فيما يخص قضية التعريب وذكرت على أننا مقبلون على منافسة دولية شرسة التي هي العولمة، فالحدودلن تبقى لاعلميا ولا اقتصاديا ولاتكنولوجيا. لهذا يجب أن نكون في مستوى  هذاالتحدي ونحسم في موضوع التعريب وأن لاتبقى قضية اللغة تشغل بالنا ونتفرغ بالتالي لتكوين طاقات علمية قادرة على المنافسة الدولية ورفع التحدي. فيما يتعلق بالمعطيات الموجودة في العالم العربي هناك طاقات علمية هائلة منها من يشتغل بالخارج بالولايات المتحدة وفرنسا وروسيا وألمانيا، والكثير منهم في الدول العربية لهم كلمتهم على المستوى العلمي وأبحاثهم تنشرها أكبر المجلات الدولية وأسماؤهم معروفة. إذن فنحن لدينا أرضية بواسطتها يمكن أن نفرض وجودنا ونفرض لغتنا على مستوى العالم. وهناك ملاحظة لاحظتها شخصيا ولاحظها الكثير من الأساتذة وهي أن اللغة يزداد إشعاعها وينقص بسبب الظروف الاقتصادية والديموغرافية. العديد من اللغات العالمية هي في تذبذب وتراجع بينما اللغةالعربية يتنبأ لها بمستقبل واعد ودورها مؤثر على الساحة الدولية. ومن بين المسائل التي لاحظتها شخصيا أيضا والتي تعكس الانهزام الحضاري الذي نعيشه هو أن طلبتنا المغاربة يذهبون إلى الخارج إلى  أي دويلة كيفما كانت لغتها وقدرتها وقيمتها فيضطرون لتعلمها. أما في بلادنا فالعديد من الطلبة الأجانب يدرسون عندنا، يمكثون عشرات السنين ولايتعلمون كلمات معدودة من لغتنا العربية، فلغتنا هي لغة الوحي وآخر لغة نزل بها الوحي والتي سادت العالم لمدة قرون ولها قدرات هائلة من ناحية التراكيب والتكيف مع مختلف العلوم. لغتنا هاته أهملناها وضربنا بها عرض الحائط وهي الآن معرضة للتراجع والاضمحلال مقارنة مع لغات أخرى . حقيقة نعيش تحديا يجب أن يرفع ويجب أن نفكر في مستقبلها والمكانة اللائقة التي تتبوؤها.

< هل تفكرون -جدياً- في إقامة إطار تنظيمي يفكر ويدبر شأن تعريب العلوم المادية ويحل المشاكل التي يمكن أن تعرقل سير مثل هذه المبادرات؟

<< لقد راجت هذه الفكرة من خلال المناقشات وهوتأسيس نواة نسميها مركزاً أو معهداً  Institut للتفكير في تعريب المواد العلمية ومشاكل التعريب وتهيئ ووضع الآليات اللازمة لإنجاز وتحقيق هذا التعريب. ولن يتأتى ذلك بعد يومين أوثلاثة بل ستكون هناك لجنة ستفكر في الهدف والقانون الأساسي ومجموعة من المسائل  الأخرى يجب التفكير فيها قبل إنشاء هذا المعهد.

< في إطار عملية التعريب. ماهي العراقيل التي تعترضه في المستقبل ونحن نعلم أن أساتذة العلوم عموما ضعاف في ميدان التعريب؟.

<< حقيقة، ولكن كما قال أحد الأساتذة إذا كانت عندنا إرادة نستطيع أن نُكَوِّن أنفسنا ونتكلم بلغة سليمة ونبلغ المحتوى  العلمي على الوجه الأكمل. الأمر يتعلق بالارادة فهي الأساس. طبعا من بين مهمات هذا المعهد هو تسهيل هذه المأمورية وتنظيم دورات تكوينية

< وأنتم تدرسون بالفرنسية، ومن خلال تجربتكم الخاصة، ألا تشعرون بالعلاقة الوطيدة بين اللغة/المصطلح العلمي والهوية التي يحملها،وبالتالي اغترابكم…

<< يؤكد الفرنسيون ويحاولون أن يضعوا أسماء فرنسية حتى وإن كانت هذه المبرهنات أنجزت من طرف رياضيين نروسيين أو غيرهم او ايطاليين. هذا الجانب المتمثل في إبراز الهوية الفرنسية حاضر داخل التعليم وإن كان له ليس علاقة ما ظاهريا وأن العلماء الرياضيين الفرنسيين لهم دور مهم في تطور الرياضيات، نحن عندنا رياضيون منذ القدم وإن كانت الرياضيات في ذلك الوقت غير متطورة بالدرجة التي يكون لها تأثير في الرياضيات الحالية. إذا قلنا مثلا للطلبة بأن   Algorithme    مصدرها الخوارزمي وهــــــــو أول من وضع  algorithmes  Les ، هناك الكثير من الأسماء التي لو درسناها بالعربية ستتاح لنا الفرصة بصفة أكبر لكي نبرزها ونتبني عطاءها في المجال العلمي.

< هذه ستهيئ الأجواء لتعريب المشهد مستقبلا…..

<< أتمنى أنها ستهيئ ذلك . أنا لاأعرف بالضبط ماهو المقصود منها. كانت هناك مناقشة في هذا الموضوع. حاولنا أن نقترح أنها تكون كتهييء ، تكون مثلانصوص متعلقة بالتخصص باللغة العربية لكي يحاول الطالب من خلالها استخدام آليات اللغة ونتمنى أن توظف لهذا الغرض ولاتكون فقط كلفة من أجل اللغة.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>