قال تعالى: {فأنذرتكم نارا تلظى لايصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى} (الليل : 14- 15- 16)
أخي المذنب مثلي : هذا إنذار خطير من رب العالمين لمن زاغ عن الطريق، وتخويف شديد لمن انحرف عن السبيل، هذه نار جهنم، تتلظى وتتوقد، تنتظر الزائغين وتستعد لاستقبال المنحرفين.. فهل سألت نفسك عن هذه النار يوما؟ هل فكرت في حرها الشديد؟ وقعرها البعيد؟ وعذابها الأليم؟ ووقودها العجيب الغريب؟ وحال ساكنيها المخزية؟
1- اعلم أن حرها شديد إلى درجة لايستطيع أن يتخيلها أحد، فقد روى أبو هريرة ] عن النبي قال : ” أوقد على النار ألف سنة حتى احمرت، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى ابيضت. ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودت فهي سوداء كالليل المظلم” أخرجه الترمذي وابن ماجة وغيرهما. تخيل وتصور هذه النار التي أوقد عليها ثلاثة آلاف سنة إلى أي درجة حرارية قد وصلت. أم أنها خرجت عن مستوى الدرجات والمقاسات، وهو ما نراه؟!.
هذه النار لها زفير وشهيق. إنها تكاد تتميز وتتقطع وتتفرق من شدة الغيظ على أعداء الله حتى إن نار الدنيا بأكملها ليست سوى جزء بسيط لايكاد يذكر من نار جهنم هذه، إنها جزء من سبعين جزءا، عن أبي هريرة ] أن النبي قال : ” ناركم هذه التي يوقد ابن آدم جزء من سبعين جزءا من نار جهنم” قالوا : والله إنها لكافية يارسول الله، قال : فإنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءا كلها مثل حرها” أخرجه البخاري ومسلم.
2- ثم اعلم أن قعرها بعيد، وأسفلها مسيرة سبعين عاما نزولا من الأعلى، فعن أبي هر يرة ] قال : كنا مع رسول الله إذ سمع وجبة (سقطة) فقال النبي : تدرون ما هذا؟ قلنا : الله ورسوله أعلم، قال : “هذا حجر رمي به في النار منذ سبعين خريفا، فهو يهوي في النار الآن، حتى انتهى إلى قعرها” أخرجه مسلم.
إنها مسيرة عذاب طويلة وقاسية تغني عن أي تعليق، ويؤكد ذلك حديث الصحيحين عن الرجل يتكلم بالكلمة من سخط الله لايلقى لها بالا يهوي بها في النار سبعين خريفا كما قال عليه السلام.
3-وأما وقودها فاعلم أنه الناس والحجارة، فاللهم يارب سلم سلم. قال تعالى في سورة البقرة : {فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لايعصون الله ماأمرهم ويفعلون ما يومرون} فاللهم احفظنا من النار، ولاتجعل أجسادنا لها وقودا يا أرحم الراحمين.
4- وأما شدة عذابها فشئ مهول، وأمر مفزع. ذلك أن أقل الناس فيها عذابا رجل توضع تحت قدميه جمرتان يغلي من شدة حرهما دماغه غليان القدر، قال : ” أقل الناس عذابا فيها رجل توضع تحت أخمص قدميه جمرتان يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل بالقمقم، مايرى أن أحدا أشد منه عذابا، وإنه لأهونهم عذابا” أخرجه البخاري ومسلم. بل إن هذه النار من شدة حرها يأكل بعضها بعضا.
5- وأما حال ساكنيها فاعلم أنه أسوأ حال، إذا طلبوا جرعة ماء سقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم، طعامهم الغسلين والزقوم الذي قال فيه : ” لو أن قطرة من الزقوم قطرت في دار الدنيا لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم، فكيف بمن يكون طعامه؟” أخرجه الترمذي وغيره.
هم في عذاب مستمر ومتواصل، {كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب}
يستغيثون فلا يغاثون، ويتضرعون فلايلتفت إليهم، ويقولون صاغرين {ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين، ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون} فيقول الله لهم {اخسؤوا فيها ولاتكلمون} يسألون الموت، ويرغبون في الفناء، ويقولون {يامالك ليقض علينا ربك} فيجيبهم {إنكم ماكثون} ويظلون في العذاب الأليم، لاموت ولاتخفيف {لايُقْضَى عليهم فيموتوا، ولايخفف عنهم من عذابها} ويبقى أهم مايقومون به هو لعن بعضهم بعضا {كلما دخلت أمة لعنت أختها}.
إنها مجرد إشارات، لعل عمر بن عبد العزيز ] استحضرها وهو يقرأ قول الله تعالى : {فأنذرتكم نارا تلظى} فكان له معها ماأذكره لك.
قال مالك : صلى عمر بالناس المكتوبة فقرأ : {والليل إذا يغشى} فلما بلغ إلى قوله تعالى : {فأنذرتكم نارا تلظى} خنقته العبرة، فلم يستطع أن يجاوزها، فأعادها. فلما بلغها لم يستطع أن يجاوزها فأعادها. فلما بلغها لم يستطع أن يجاوزها، فأعادها فلم يستطع، فتركها، وقرأ {والسماء والطارق} وفي رواية : قال مالك : صلى بنا عمر بن عبد العزيز المغرب، فقرأ { والليل إذا يغشى} فلما بلغ {فأنذرتكم نارا تلظى} وقع عليه البكاء، فلم يقدر يتعداها من البكاء، فقرأ سورة أخرى (إكمال المعلم 6/549 والجامع لأحكام القرآن 20/86 وشرح ابن بطال لصحيح البخاري 2/344)
فاللهم أجرنا من النار بعفوك، وأدخلنا الجنة برحمتك.