القـاعدة الـرابعة:
أقـل مجهود وأكبـر مـردود
ومعناها، أن العلاقة التي ينبغي أن تكون بين الجهد المبذول، والمردود الذي يحصل عليه ذلك الجهد هي علاقة عكسية، فكلما قل المجهود وكثر المردود، دل ذلك على الاحسان والاتقان، وكان أمارة على حصول العناية والتوفيق، والعكس بالعكس.
والقاعدة لاتعني التقليل من الجهد المستطاع، والاكتفاء ببعضه فقط، إنما الذي تعنيه هوإحسان صرف الجهد وإتقانه، والذي يدل على حسن الاتقان والإنجاز هو النتائج المحصلة، والمقصود بالنتائج هنا : خلاصة جهد المــــــربي -مثلا- فيمن رباه، وما هي الحال التي وصل إليها، لا الأعداد المتكاثرة من غير قوة ولا فعالية، فمن الأفراد من يعدل أمة، ومن الأمم من لاتعدل فردا واحدا.
وأما مجالات تطبيق القاعدة فكثيرة جدا، وهي من القواعد المنهجية العامة التي تفيد في التربية وفي غيرها، واتجاهها إلى التكوين والانتاج أكثر من اتجاهها إلى غيره، وهي تصدق على القول والفعل والتخطيط والانجاز، كما أنها ترشد إلى إعطاء أهمية كبرى للقياس والتقويم، والمقصود بالقياس هنا هو قياس النتائج المحصل عليها مقارنة بالمجهودات المبذولة.
فإذا بذل الجهد الكبير وحصل على نتائج بسيطة هزيلة، فإن ذلك يدل على سوء استعمال هذه القاعدة والعكس صحيح، وعليه فإن المربي مطالب بأن يحكم التدبير، ويحكم أمر الوسائل التي يستخدم في علاقته بالمربي وبحلقات التربية عبارة وأسلوبا وحالا وبرامج ثابتة او متغيرة، وغير ذلك منذ الاصطفاء حتى التخرج.
ومعنى ذلك أن المربي يلزمه أن يكون في حال تجعل منه قدوة للمربي وتجعل منه موجها للمربي ولن يكون كل ذلك إلا إذا حكم أمر الوسائل التي يستخدمها في علاقته بالمربي وبحلقات التربية، حيث يختار العبارة القوية المؤثرة التي تنبعث من قلبه المملوء بالمحبة الصادقة للمربى، وبالايمان الراسخ الثابت، فيحدث بعبارته زلزالا في مفاهيم المربى الموروثة، وأسلوبا، حيث يختار الأسلوب الفصيح البليغ الذي يكون مطابقا لمقتضى الحال، فيتحدث المربي باسلوب غير معقد مليئ بالاستشهادات المناسبة من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين.
وحالا، حيث تكون الحالة التي يسير عليها الجلسة يسودها الخشوع والهدوء من بدايتها إلى نهايتها، ومن أجل إحداث ذلك الخشوع والهيبة للجلسة التربوية، يحسن أن يكون الجلوس دائريا وعلى الركب إن أمكن موافقة لحديث جبريل “… مسندا ركبتيه إلى ركبتيه…” والقدوة في كل ذلك من المربي ليكون في عبارته وأسلوبه وحاله إشعاع ونور يضيء لإخوته الطريق.
والمربي مطالب بذلك لحصوله على أفضل النتائج في أقل الأوقات، كيفا أولا ثم كما ثانيا، وعموديا أولا ثم أفقيا ثانيا، ذلك بأن النجاح في العملية التربوية إنما يتحقق في الخريج النموذج ثم من بعد ذلك يأتي استنساخ النسخ(*).
فالعملية التربوية لاتنجح بالكثرة أو القلة، ولكن بالنموذج الخير الذي يعطي القدوة بالقول والفعل، ويؤثر في الخاص والعام. فإذا تم تكوين النموذج أنذاك يسهل تخريج الأفواج مثله أو أحسن إذا روعيت الضوابط المحققة لذلك.
——–
(*) قد يطول الوقت في تربية الخريج النموذج، ولكن بمجرد تكوينه، فإن انطلق عطاؤه سيكون له الأثر البليغ ولاشك في الواقع، لذلك فالقلة ليست دالة على الضعف، إن كانت القلة فعالة قوية، فكم من قلة غالبة وكم من كثرة مغلوبة.