عن معاوية ] قال : قال رسول الله : >من يرد الله به خيراً يفقّهه في الدين<(رواه الشيخان وأحمد بزيادة .. وإنما أنا قاسم والله يعطي، وما تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله. لا يضرهم من خالفهم حتى ياتي أمر الله< ورواه البزار عن ابن مسعود بلفظ >إذا أراد الله بعبد خيراً فقهه في الدين وألهمه رشده<.
المواد الدينية في التعليم العام، الابتدائي، والمتوسط والثانوي أهم المواد كلها، وأكبرها أثرا في حياة الطالب، وتشكيل هذه الحياة في المستقبل، وتكثيف هذه المواد في المراحل الثلاثة والاهتمام الكبير بتحفيظ القرآن الكريم في هذه المراحل أمر ضروري لبناء أمة مسلمة معتزة بدينها، واثقة من نفسها، مطمئنة في حياتها، إذ إن رسوخ تعاليم الدين في تلك النفوس الشابة منذ الصغر يبني بلا شك رُؤى سليمة للحياة، ونفسيات مرنة غير متشنجة، وأرواحا مطمئنة هادئة، لأن تعاليم الإسلام السمحة هي الفطرة الصافية التي تستمد منها الحياة المطمئنة السعيدة، وديننا الحنيف دين حق وصدق، دين حي متكامل متفاعل مع واقع الأمة، يتأقلم مع كل واقع سليم، ولكنه في الوقت نفسه لا يتلون ولا يتبدل، وإذا نشأ الطلاب على تعلم هذا الدين والنيل من معينه الصافي فحفظوا القرآن الكريم، ودرسوا التفسير واطّلعوا على الحديث، وتعلموا العقيدة والفقه وعلوم العربية ثم يتدرجون إلى علوم أخرى عصرية، وعلوم الاقتصاد، والسياسة، والصناعة وغيرها.
فإذا سارت معهم هذه العلوم الهامة من أولى سني دراستهم حتى آخر المرحلة الثانوية وسط مجتمع ملتزم، ومعلمين أكفاء، فهم حريون إن شاء الله أن يفقهوا ما حولهم فقها تاما، ويدركوا ما يحيط بهم إ دراكا كاملا، فيزنون الأمور عندئذ بميزان الإسلام العادل الذي لا إفراط فيه ولا تفريط، ولا غلو فيه ولا جفاء.
أما أولئك الذين ينشأون بعيدين عن تعاليم دينهم، لا يعرفون منها شيئا إلا نزراً يسيراً، فما أهون أن تتجاذبهم الأهواء وتتقاذفهم التيارات، وتذهب بهم رياح الحياة، فتجد الواحد منهم إما أن يتخذ إلهه هواه، فيعيث فسادا وضلالا، وإما أن يعتنق مذهبا فاسداً، أو عقيدة ضالة بلا علم ولا معرفة إلا مجرد التقليد الأعمى الذي يضر ولا ينفع، وأوضح مثال لهؤلاء، أولئك الذين ذهبوا إلى الغرب للدراسة والتحصيل العلمي، ولم يكن معهم من عقيدتهم إلا اسمها فقط، رأيناهم يعودون إلينا بعد ذلك وهم بين من يعبد الحياة ولذاتها، وبين من يُسبّح بحمد المذاهب المادية الملحدة، أو النصرانية الضالة، في حين يرى في دينه نظاما جامدا متحجرا لا يصلح للحياة، مع أن عقلاء المنتسبين لهذه المذاهب أنفسهم يلعنونها، ويُعلنون البراءة منها. وينسبون إليها كل ما هم فيه من أخطاء وتردّ وسقوط في مجتمعاتهم المنهارة.
إن أولئك الذين يمضون في مقاعد التعليم حوالي عقدين من الزمن كلها تحصيل وكسب علمي بعيد عن الدين وتعاليم الإسلام فإنهم يدخلون مجال الحياة العملية، بغير منطلق ديني صحيح وأساس عقدي محكم، وبما :أن الإنسان بطبعه مجبول على البحث عن الدين والتشبث به، وتعبد الإله الخالق بموجب شرعه، فإن أولئك سرعان ما تبدأ رحلتهم في البحث عن العقيدة السليمة والدين الصحيح الذي يريدون أن يصبغوا حياتهم بصبغته، لأن ثقافتهم في هذا المجال محدودة، وبضاعتهم قليلة وعلومهم علاقتها بالدين واهية ضعيفة فتراهم يتشبثون بتعاليم ناقصة، ويلومون أشد اللوم وأعنفه من يخالفهم بالعمل الكثير الذي لم يعرفوه ولم يدروا عنه شيئا، وقد يتطور هذا اللوم إلى عداوة وبغض وتكفير وقتال، ورميهم بالإرهاب، وتلكم والله قاصمة الظهر، ولا لوم على هؤلاء ولا عتاب، إذ كانت تنشئتهم كلها تجهيلا بالدين، وإبعادا لهم عنه من الآباء والأولياء.
إن تجهيل ناشئة المسلمين بدينهم في مناهج التعليم أمر بالغ الخطورة، سيء العاقبة على الدين والأمة والمجتمع وأمْنِه، وتوازن الحياة فيه، لأنه يبني جيلا من الذين لا يعرفون عن دينهم شيئا، والدين بلاشك هو الأَهَمُّ والأكبر أثراً في حياة الأمم والشعوب.
أما لو ألزمنا هؤلاء الناشئة بدراسة وتعلم الدين بكافة علومه وشرائعه وأحكامه، وجعلت مواد الدين هي المواد الإلزامية الأساس في كافة مراحل التعليم الثلاث، فإنهم سيكونون بإذن الله صمام الأمام لمجتمعاتهم ومواطنيهم، أسوياء في أوطانهم، يبنون ولا يهدمون. يصلحون ولا يفسدون. فلا إفراط عندهم بغلو في الدين وتشبث بجوانب خاطئة وفهم معكوس، واعتقاد باطل، وانغلاق وتزمت فكري، ولا تفريط عندهم بإضاعة أصول الدين وأسسه، وتردّ في مهاوي الرذيلة والفساد، والسماع لكل ناعق وتصديقه، ومتابعة كل مبتدع وتقليد كل ضال.
إن الرسول المصطفى الكريم يقول : >من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين< فلا خير لأي إنسان إلا في الدين الإسلامي.
فلماذا لا نريد الخير فنفقِّه ناشئتنا في الدين ونربطهم به، ونعلمهم أصوله وفروعه قبل دخولهم معترك الحياة. وهذا سيجعل معظم أفراد الأمة بلا شك أفرادا صالحين، ناصحين لمجتمعاتهم مشفقين عليها من الفتن والمهالك، مُتجَرّدين من الأهواء، عاملين منتجين ليرقوا بمجتمعاتهم إلى مصاف الأمم القوية المنتجة، وسنكون بهذا حققنا لمجتمعنا خيريْ الدنيا والآخرة، واستجبنا لله ولرسوله إذا إلتزمنا بمنهج الاسلام. والمولى تبارك وتعالى يقول في محكم التنزيل : {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم، واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون}..