حاملو النزعات التي ذكرناها في العدد السابق أو الآفات يستخدمون المرأة -من جملة وسائل أخرى- للتأثير في المجتمع وتسييد نوعية الثقافة التي يحملونها، وذلك بمحاولة إيهام المتلقين بأنهم المدافعون الأوائل عن ظلم وتهميش واستعباد المرأة ،ورغم أننا لا ننكر أهمية بعض الخطوات -على قلتها- التي ساهمت في تحسيس المرأة بذاتها وكيانها، إلا أن أغلبها ساهم بدرجة كبيرة في التركيز على تحسيسها بجسدها لاسخدامه باعتباره متاعا شائعا يحق لأي كان الاقتناص منه متى شاء، الأمر الذي حجب عقلها وصادر حريتها وجعلها تنغمس فيما يريدون لها لا ما تريده هي، وتجري وراء رغباتهم لا إرادتها. وبمعنى أوضح أن مثل هذه الثقافة صادرت المرأة الإنسان، وتواطأت على إخضاع جسدها لشروط الجمال المعترف بها فيها، وقد يكون ذلك بوعي منها أو بدونه. وحين يوجه المثقف فكره إلى مثل هذا التوجه فإنه ينتج ثقافة هشة مجتثة الجذور بينابيعها، لا يمكن أن تمثل الأمة وتعبر عن حضارتها، بل والأدهى من ذلك أنها تعطل الوجه الآخر لعملة الإنسان الذي هو المرأة. ولن تسترجع الثقافة عافيتها وتؤدي دورها في نهضة الأمة إلا إذا أيقن المثقف ووعى أهمية الإنسان في بنائها وضرورة تربية هذا الإنسان وتنقية تعليمه.
بالنسبة للتعليم : يجب أن نقرر أولا مسلمة أساسية وهي أن التعليم وسيلة لإعداد الإنسان وتكوينه من أجل البناء الحضاري، وانطلاقا من ذلك فإن التعليم الذي لا يعد الإنسان في حذ ذاته ثروة إنسانية أكثر أهمية من مصادر الثروة المادية يعتبر عبثا. وقد عرف النظام التعليمي في المغرب (وفي غيره من البلدان العربية) عديد من التغييرات إن على مستوى المناهج والبرامج الدراسية أو على مستوى بنياته التربوية ومفاهيمه، ولكنه للأسف لم يستطع بعد أن يساير متطلبات الحياة الإنسانية العامة التي تتغير في كل لحظة أو أن يواكب التقدم العلمي الهائل الذي يسير بسرعة فائقة، وبالتالي لم يستطع أن يكون من أهدافه الأساسية تحرير الثقافة من سقوطها واتباعيتها، بل إنه عمل على نقل مناهج وطرق تعليمية مستوردة لتجريبها، وارتكن إلى التقليد والاستيراد، الأمر الذي أقصى الواقع الأصلي الذي يعيشه المغرب بوصفه فضاء له خصوصياته المميزة ومرجعياته المعينة، كما قلص من قدرات الإنسان وحصرها في مجال وجوده البيولوجي، وحد من تحرير طاقات إبداعه. وما لم نخلص تعليمنا من التبعية والنقل، والازدواجية أيضا، فإننا لن نستطيع ولوج عتبات التأصيل والإبداع في مجموعة من المفاهيم والمناهج التعليمية والآليات العلمية والعملية، كما لن نستطيع تجاوز الثقافة السائدة وما تبيضه من تخلف تاريخي وحضاري.