كلمة الإصلاح جميلة ومطلوبة، ولقد عرفت الجامعة المغربية عدة مشاريع للإصلاح، ولحد الآن، ما زالت الرؤية غير واضحة وغير مقنعة، فبالأحرى أن تكون ناجحة. فالمنطقي أن تكون المشاريع نظرية في بدايتها وتجيب وتستجيب لكل الطموحات، وتعد بتجاوز السلبيات ولو نظريا، أما الإصلاح المطروح فهو غير مقنع حتى نظريا فكيف يمكن أن يكون ناجحا عملياً، ونحن نعرف أن عدة جوانب سلبية تتبين بعد التطبيق، أي أن المشروع الحالي لا ننتظر منه حلولا شافية لا نظريا ولا بعد الممارسة والتطبيق.
ما هي أهم المتطلبات التي كان ينبغي أن ترد في الإصلاح؟ وطبعا انطلاقا من الأرضية التوافقية الواردة في الميثاق الوطني للتربية والتكوين.
أولا الإقرار بكون التعليم الجامعي غير منسجم مع الدستور الذي يقر بكون اللغة الرسمية هي العربية.
ثانيا انطلاقا من الواقع الذي ذهبت النخبة لمعاينته في مختلف بلدان العالم وهو أن الدول المتقدمة كلها تعتمد اللغة الرسمية وليس في الواقع أي تجربة ناجحة أخرى، أي أن عدم الانسجام اللغوي هو عرقلة أساسية في طريق الإبداع الوطني، ومن ناحية أخرى وبخصوص تجربة التعريب في بعض الدول العربية غير مدروسة بدقة وكأننا نخاف أن تكون ناجحة أو أن تكون على الأقل أحسن من ازدواج اللغة. وعلى كل حال فنحن لا نطلب المستحيل بل من المنطقي أن يكون الإصلاح يجيب عن هذه التساؤلات بوضوح دون لبس، حتى إن اقتضى الأمر أن نتخلى نهائيا عن هذا الطموح وهو التعريب الشامل للجامعة فيكون عن مبررات وعن قناعة وليس عن تقصير أو تماطل أو تواطؤ.
ولحد الآن لم تجب الوزارة على تساؤلات عدة منها على سبيل المثال: ماهي أهم المهن المطلوبة في العشرية المقبلة؟ ماهي الضمانات لمواكبة الجامعة المغربية لهذه الحاجيات انطلاقا من مشروع الإصلاح؟ كيف يمكن اعتماد وقبول العمل بأسلوب الوحدات الموزعة على فترات زمنية تسمى السداسي بينما لا تستغرق حتى ثلاثة أشهر؟ لماذا لا تسمى الأمور بمسمياتها أي أن نقول بأن الدراسة لن تستغرق في الواقع وفي أحسن تقدير نصف المدة المقررة، فبينما كنا نعاني من هدر للوقت وعدم تدريس المقرر بكامله يأتي الإصلاح بتقنين الهدر وليس بعلاجه؟ فما هي التجربة النموذجية التي بني عليها الإصلاح حتى نكون على بينة من النموذج البشري المزمع تكوينه؟
كيف يمكن تبرير غياب دراسة نقدية للتجارب السابقة، فهل الفشل كان ناتجاً عن نقص في البرامج أم عن سوء التدبير؟ هل لدى الوزارة رؤية للسلك الثالث مبنية على ما يقترح للسلك الأول والثاني؟ ما هي أولويات البحث العلمي ببلدنا؟ لابد من معطيات واضحة ولو نظريا، مع العلم أن الطالب الذي يتوجه للجامعة ينبغي أن يكون على بينة من المستقبل والآفاق المتاحة، وليس الغموض.
لا شك أن مشاكل الطلبة كذلك لها تأثير على مستقبل البحث العلمي في أي بلد، ولقد قمت بدراسة ميدانية في وسط طلبة كلية العلوم، حول نوعية المشاكل التي يعانون منها، فكانت النتيجة كالتالي:
1. 24% من الطلبة المشاركين في هذه الدراسة يعتبرون أن المشكل الأساسي مرتبط بالمقرر وهو مشكل متشعب، إذ يسهم فيه الأستاذ والوزارة الوصية وحتى الطلبة أنفسهم، وهوبالأساس ناتج عن ازدواجية لغة التدريس، والإصلاح المقترح وإن كان لم يضع البرامج النهائية، لا يبدو أنه يأخذ بعين الاعتبار حاجيات الطلبة اللغوية، المرتبطة بمقرر الدراسة في الثانوي، لسبب بسيط هو غياب التنسيق بين مختلف المراحل الدراسية.
2. 29% يعتبرون أن المحيط الجامعي والظروف الخارجية غير مناسبة للتحصيل في الجامعة، ومن جملتها المواصلات، المطعم، غياب الغرف الكافية بالحي الجامعي، غياب الآفــــاق بالنسبة للمجازين فــــــي العلوم التجريبية -مثلاً- زيادة على مشكلة المنح الدراسية. والإصلاح المنتظر لا يتطرق للمحيط بل سيزيد الوضع تأزما بتزايد عدد الطلبة المسجلين بالجامعة. وعلى كل حال لا يمكن الكلام بجدية والإحساس بأن هناك فعلا إصلاحاً في السنة المقبلة مثلا، مع تجاهل المحيط.
3. 37% يرجعون الأمر إلى المشاكل الداخلية المتمثلة في أداء الأستاذ ودور الشعبة، وذلك يتمثل في بعض المظاهر من قبيل الانحياز لبعض الطلبة، وقسوة التعامل مع البعض الآخر، وعدم مراعاة رأي الطالب في توزيع الحصص زيادة على توقيت وأسلوب أسئلة الامتحان في بعض المواد الدراسية. ومع الأسف ليس هناك إجراءات ملموسة في أفق الإصلاح المرتقب للرفع من مردودية الأستاذ الجامعي، الذي لا تتاح له الفرصة لحضور المؤتمرات والندوات العلمية ولو على حسابه الخاص، مع اعتماد الشفافية والالتزام بأخلاقيات المهنة، التي تبقى في الغالب حبرا على ورق.
4. 10% فقط من المشاكل يرجع للتقصير الإداري، ويتمثل في غياب الحوار وغياب التوجيه وصيانة التجهيزات وتوفير المراجع بالمكتبة، زيادة على مشكل الحرس الجامعي والنظافة. وعندما نسأل أي إداري مسئول في الجامعة المغربية عن الحلول لهذه المشاكل يشير بدون تردد لضعف الميزانية، مع العلم أن حوالي 60% من ميزانية الوزارة تصرف في الأجور والتعويضات رغم الخصاص الكبير في الأعوان والتقنيين.
نستخلص من هذه المعطيات أن الكثير من المشاكل ينبغي أن توضع لها حلول نظرية مع اعتمادات مادية لكي نتكلم عن مشروع الإصلاح.
إن أزمة الجامعة المغربية لا تخفى على أحد، وضرورة الإصلاح لا تقبل الجدال، وتكفي الإشارة إلى أن انعكاس هذا الوضع يتجلى في كون نسبة التخرج من الجامعة المغربية بالحصول على الإجازة فقط وليس الدكتوراه، لا تتعدى 10% من الطلبة المسجلين بالسنة الأولى، أي أن 90% من رواد الجامعة مصيرهم مجهول معالعلم أن نسبة الجامعيين في مجتمعنا أقل من 1% من مجموع السكان، أي أن الوضع الحالي يسبب هدر طاقات نحن في أمس الحاجة إليها، فلا نحن استطعنا أن نقضي على الأمية ولا نحن أحسنا استثمار الثروة البشرية المتعلمة على قلتها، مع هذه المعطيات لا شك أن التوجه العام عند الناس سيبقى بعيداً عن العلم والثقافة بصفة عامة، ولا بد أن نتساءل حتى بالنسبة للقلة المتعلمة، أين تتمثل قدوتها؟ هل في المثقف المهمش والبعيد عن الواقع؟ أم في العلماء “الغربيين” بكل ثقافتهم وعاداتهم ومنهجيتهم؟ أم في العلماء المسلمين الذين لا ذكر لهم في كل مراحل التعليم، وإن ذكروا فهم يعدون على رؤوس الأصابع؟ هل يمكن في هذا الوضع أن ندعي بأن الجامعة المغربية تطمح وتوفر الظروف المناسبة للريادة في العلوم التجريبية مثلا؟ . ومع كل هذا ينبغي التفاؤل بالمستقبل والعمل على تجاوز الواقع إلى وضع أحسن باعتماد إصلاح شامل إنشاء الله وما ذلك على الله بعزيز.
في هذا المقال نكتفي بتبرئة ساحة الجامعيين من المسؤولية عن ما يسمى بالإصلاح المرتقب، حتى لا يبقى الرأي العام في حيرة، وحتى تكون الأمور واضحة، وليعلم الجميع أن الأساتذة شاركوا في صياغة البرامج المرتقبة في جانبها التقني بعد ما وضعوا أمام الأمر الواقع، وبالتالي لا يمكن الادعاء بأن الإصلاح المرتقب هو من إنجاز رجال التعليم، بل للتاريخ نقول، ويمكن أن نعود للتفاصيل في مقال آخر، إن الإصلاح المرتقب وضع بطريقة إدارية صرفة، مشوبة بكثير من الغموض وحرق المراحل بتبرير ربح الوقت.
وفي الختام، ولمن يتساءل عن مبررات هذا المقال في هذا الوقت نقول بأننا إن لم نضع قطار الإصلاح على أسس متينة واضحة، فيمكن أن نضيع عشرين سنة مقبلة قبل أن نفكر في إصلاح آخر، فالفرصة ذهبية للتعاون جميعا من أجل إصلاح متكامل يجيب على الأقل بوضوح عن طموحاتنا، ولا يزيد في حيرتنا وخوفنا من المستقبل كما هو الأمر بالنسبة للوضع الحالي، فلابد من آليات ملموسة لنضمن مستقبلاً أفضل، وبالله التوفيق.
د. أفيلال محمد الأمين(*)
(*) عضو المنتدى الوطني للتعليم العالي
والبحث العلمي -كلية العلوم وجدة
sciences.univ-oujda.ac.ma