إذا كان للتقدم شروط وقواعد وملامح، فإن للتخلف أيضا مظاهر وأسبابا لا تخطئها العين، فباستطاعة أي إنسان الحكم على إنسان آخر بالجهل أو العلم أو الذوق الحسن أو انعدام الذوق الجمالي لديه…بمجرد التحدث إليه أو رؤية بعض تصرفاته، أو رؤية رد فعله، إلى غير ذلك من الأمارات الموحية بالمخزون الفكري الذي يختزنه كل إنسان.
ولقد كنا نعرف أنفسنا أننا متخلفون على كل صعيد -رغم ما نتوفر عليه من كل شروط التقدم والنهوض- ولكننا لم نكن نتصور أننا في حجم التخلف المريع الذي ظهر به المؤتمرون على الفضائيات في قمتي >شرم الشيخ< و>الدوحة< فقد ظهروا في شكل من ليس في جعبته شيء، ولا يحمل هم أي شيء، وليس معنيا بشيء، ما قُرّر -في مصيرهم- قد قُرّر، وليس في نيتهم مغالبة الأقدار بالأقدار، أو الفرار من قدر الله إلى قدر الله تعالى -كما قال عمر رضي الله عنه- اتباعا لسنة الله تعالى في خلقه : {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}(الرعد : 11).
يتلاسنون ويتسابُّون كأنهم لا يدرون حجم الكارثة التي ستحل بهم وبأمتهم، كأنهم لا يدرون حجم الغضب الفائر في الصدور، ولا يدرون حجم القوة المذخورة في الضمائر النظيفة، ولا يدرون عَرَامَةَ التقدير والإعجاب لو اتفقوا على أن يقولوا بملء الفم المومن حقا : لا للظلم، لا للتخريب، لا للاستعمار، لا للاحتلال، لا لقلب الأنظمة، لا لقطع رؤوس وتركيب رؤوس مستوردة، لا للقهر والبطش، لا للتقسيم والتوزيع للأوطان، لا لمحاربة الإسلام والمسلمين، لا للقضاء على الجهاد والمجاهدين، لا لتجهيل الأمة وسرقة خيراتها وثرواتها… لو قالوا ذلك لحُملوا على الأعناق، ورصعوا بالأشواق والأطواق، ولكنهم -مع الأسف- جاءوا شبه متفاهمين وخرجوا متدابرين متنافرين، لا يحسبون للتاريخ حسابا، ولا يخططون لمستقبل الأمة تخطيطا. فهل هناكتخلف أكثر من أن تكون الأمة بقممها وقواعدها لا تشارك في تقرير مصائرها على كل صعيد؟؟!
إن أسباب التخلف كثيرة، على رأسها :
1- ألا تكون للأمة بقممها وقواعدها أهداف مرسومة تسعى لتحقيقها، وتتعبأ الأمة من أجلها، لأن الأهداف هي نبض الحياة، وروح الحركة، ودافع النشاط والتضحية. أمة بلا هدف، ولا رسالة أمة ميتة.
2- ألا تكون للأمة سيادة في تركيب الرؤوس الكبيرة والصغيرة ونزعها عندما يتعفَّن مُخُّها، ألم يعط الخليفة الأول للمسلمين السيادة للأمة عندما قال ” وُلِّيتُ عليكم ولَسْتُ بخيركم، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فإن عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم” -أو كما قال-
3- ألا تكون للأمة موازين تحتكم إليها وتزن بها الرجال
4- ألا تكون للأمة قدرة على مواجهة الكبار بأخطائهم، ومحاسبتهم عليها حسب مناهج علمية حضارية لا تهين الكبير ولا تخيف الصغير.
5- ألا تتعالى الأمة عن عبادة الأشخاص عصبية وحمية سواء كانوا محقين أم مبطلين.
6- ألا يكبر أحد فوق القانون، بل قانون البلد يعلو ولا يعلى عليه.
هذه فقط أمهات الأسباب التي جعلت أمة التوحيد بدون توحيد، وأمة العزة بدون عزة، وأمة العدل بدون عدل، وأمة الشورى بدون شورى، وأمة إقرأ بدون قراءة، وأمة الصلاح بدون صلاح، وأمة النور بدون نور، وأمة الكرامة تعيش في الهوان، وأمة العلم تغرق في الجهل، وأمة الطهارة تسبح في الخسة والنذالة، وأمة القناعة تعيش في الشره والتكالب، وأمة النزاهة تتخبط في المحاباة والمحسوبية. لولا أن الرسول بشرنا بأن الخير لا ينقطع من أمته لأصابنا الإحباط أمام هذا التخلف المشين الذي جَلَبَ إلينا الطامعين من وراء البحار ينهبوننا بدعوى أنهم يُحَضِّروننا ويعلموننا الإنسانية التي كنا أساتذتها في يوم من أيام التاريخ، فرحمتك ولطفك بنا يا رحمان يا رحيم، ويا لطيف يا خبير.