كَما تُصَاغ سياسات الاستِحْواذ على خيرات العالم وإنسانه، يَنسُج خَفَافيش الظلام، “الحقيقيون” السيناريوهات الإجرائية لهذه السياسات التَّوَسُّعية، وعلى رأسها المرأة، أحد الأسلحة الأكثر فتكاً التي تَستَعملها هذه الخفافيش لإنْفَاذ مخططاتها الهيمنية، وإلا، فكيف تَسْتقيم المطالبة بتمكين المرأة وتكريمها، ويتعالى في نفس الآن الاستنكار، إذا تَمَّ رفْض تعريتها، وتَسْليعِها للعبور بجَسَدها عبر مَواخِير العالم دُمية مُستباحة، ولعَمْري تلك هي المُفارقة التي يجب أن ينتبه إليها كل دعاة كرامة وأهلية وإنسانية المرأة،..
وفي هذه الساعات الحَالكة الجاهلية، بين يدي مجلة غربية أتصفح غثاءها، وتطالعني صُور شبه عارية لثماني عارضات أزياء عالميات، ومن بَينهن “سِينْدي كْرَاوْفُورد، ونيكي تَايْلُور، وكلوديا شيفر، ونَاعُومي كامبل”.. ويَتملّكني الغضب الكبير، وأنا أقرأ التعليق المصاحب لصورهن، فقد كان لئيما بشكل لا يُوصف، حَيث اعتبرَهُن توب موديلات عَجائز تجاوَزَتهن الموضة، ومِقْصلة المقاييس الجمالية التي تلزم بصرامة التوفر على الطراوة والرشاقة والجمال سنا وجسدا..
وباستعادة الضجة المحْمومة التي رَافقت أدَق جزئيات تحركات هذه المجموعة من التوب موديلات، والتي ما فتئت تصورهن على أنهن مخلوقات عجائبية ساحرة خلابة، وكل ما تأتيه من حركة أو تصريح أو لباس أو.. يدخل في باب الإعجاز الجمالي!! ثم فجأة هذا الصمت الرهيب حيالهن، والزهد في تتبع أخبارهن من طرف لصوص الإعلام الصهيوني باعتبارهن صفقة خاسرة بالمقارنة إلى جيل جديد من الفاتنات الصغيرات، لا تتَجاوز أعمارهن “سِن الحليب”، نقول: بالعودة إلى هذا الواقع الغابوي لجميلات الواجهات وعطفاً على انتخابات ملكة الجمال التي كَانَ مُزمعا تنظيمها في نيجيريا، وقوبلت بالرفض الجماهيري لنيجيريا المُسلمة، وجُوبه الرفضُ النيجيري باستهجان مناصري حقوق المرأة، يَظهَر للْمُتَمَعِّن في خلفيات الصورة، أنّ السوق واحد، والاستهلاك واحد، ومَصَّاصِي دماء النساء عملة واحدة، كما أن مصير النساء الحمقاوات واحد، وهو الإحالة على رصيف الأحداث، بعد آخر اسْتِهلاك، ثم بعد ذلك، الدعارة وبعدها الاستِنجَاد بالأطباء النفسانيين، ومحاولات الانتحار المُتكَررة، إذْ تَنْفَضُّ الأضواء والمعجبون والسماسرة، من تجار النفط والسلاح، ومافيات التجارة الجنسية، وتُتْركُ الضحايا المستَهْلَكَاتُ للْموْت البطيئ..
وتَحْضُرنِي في هذا السياق، قصة نجمات نسائية عالمية تخَلَّتْ عنهن هُولْيُود بكل قسوة، لَدَى انطِفَاء روْنَقِهن الجنسي، وأخْتَارُ مِنْ بينهن ممثلة مغمورة ارتقت إلى مصاف النجوم، وتدعى “لُولوفيراري” باسم شركة السيارات فيراري التي احْتضنتها لجعلها كبش الفداء لوَصْلات إشهار سياراتها، بحكم تَوفّرها على صدر ضخم ومثير، تفنن المُصَورُون المرضى في إلصاق صورته بالسيارة فيراري، وفي كل الأوْضاع!! لإثارة وإغواء المستَهْلكين، وإقناعهم نفسيا بأن اقتناء سيارة فيراري هو بمثابة اقتناء لخدماتِ لُولُو، ووَقَعت الممثلة “العزيزة” في المصيدة الرأسمالية وغدت ككلب بَّافلوف، مَشْرُوطة بهذا الصدر الذي يشكل ثروتها وبريقها، مما دفعها إلى الخُضُوع إلى عمليات تجميلية مُضنية للحفاظ على جمال صدرها مِنْ خِلاَل مَادة السِّيليكُون، وبَاعَت الشركة سياراتها الباهضة الثمن، وأبْهَضَ مِنْها، الثمن الذي دفعته لُولُو، التي فارقت الحياة في سن جد مبكرة جَرّاء المخدرات، والمواد التجميلية المُدَمِّرة.. وكان من المفروض أن تَسْتوقف مآسي مِنْ هذه العينة، الحركات النسائية، التي يبدو أنها فقدت كل مصداقيتها النضالية عبر العالم، باعتبارها كانت مِنْ أَقْوى المُنَاهضين لهذا التّسْلِيع الشرس للمرأة، وغدتْ الآن تتقمَّصُ الجلد الإمبريالي مطالبة، على غرار لصوص الشعوب ومغتصبي المرأة بِرأس الحركات الدينية “الإرهابية”، والإسلامية منها على الخصوص ومُرَددة بببغائية، مقالتهم البليدة، حَوْلَ عداوة الإسلام للمرأة، ونفس الحركات النسائية، هي التي تدق الآن طبول الحرب ببلادنا لتجييش المعسكر الحداثي، ضد من يُعاكسون تيار العولمة والانفتاح والديمقراطية وحقوق المرأة، وتنطلق مِن مَسامير جحا المكرورة حول المدونة، والعنف ضد النساء والحق في تنظيم مباريات الجمال النسائية، لمعاودة صنع نعش جديد للإسلاميين، ركوبا في ذلك، الموجة الأمريكية المحاربة لـ”لإرهاب”!!..
فَهَل نحن غثاء المسْتنقعات الآسِن إلى هذا الحد لتمضي بنا الريح العقيم إلى الخلاء البهيم، ويتلاعب بنا دَرَاري اليهود والنصارى من جلدتنا كما يشاؤون، أم أننا مُسْتخْلفو رسول الله صلى الله عليه وسلم وبأيدينا مفاتيح الزنازن التي تَقْبع بداخِلها إِمَاء ا لقرن الواحد والعشرين؟؟. .
بقلم :ذة. فوزية حجبي