مقالة مختارة : أهم بنود الخطة الأمريكية للديمقراطية في العالم الإسلامي 1 المسلمون  في مدرسة  الديمقراطية  الأمريكية..  بالإكراه!


في غمرة احتفال المسلمين بعيد الفطر السعيد، أطلق مدير تخطيط السياسات بوزارة الخارجية الأمريكية تصريحات خطيرة عن الخطط الأمريكية (السرية) التي سبق التنويه عنها عقب 11 سبتمبر لفرض الديمقراطية على العالم الإسلامي، وهذه الخطط تكشف حقيقة النوايا الأمريكية بشأن التغيير في النظم العربية والإسلامية، والأهم أنها تكشف الموقف الأمريكي لو فازت أحزاب إسلامية في الانتخابات التي يفترض أن تنتج عن فرض أمريكا الديمقراطية على الحكومات العربية!

فماذا قال المسئول الأمريكي؟.. وما علاقة هذا ببدء واشنطن مؤتمرات تمهيدية في أمريكا استضافت فيها نساء عربيات لمحاضرتهن عن “الإصلاح الديمقراطي في العالم العربي”؟! وهل حسمت واشنطن بالفعل موقفها من الأحزاب الإسلامية بحيث باتت غير قلقة لوصولها للحكم؟!

يمكن تلخيص أهم بنود الخطة الأمريكية للديمقراطية في العالم العربي والإسلامي وفقا لخطاب (هاس) على النحو التالي:

1- ستسعى واشنطن لوضع “برنامج سري” (غير معروف لماذا سري؟!) لتشجيع الديمقراطية في العالم الإسلامي.

2-  فرض الديمقراطية لن يكون بشكل “ثوري” -وفق التعبير الأمريكي- ولكن بالتدريج وحسب ما يناسب كل بلد!

3- تشجيع الديمقراطية -من وجهة النظر الأمريكية- سيكون بالدعم المالي الذي ستقدمه واشنطن للحكومات بهدف “توسيع دائرة النمو الاقتصادي من خلال انفتاح المجتمعات وإنشاء البنية التحتية للديمقراطية” وفق ما جاء في إستراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية (نص التقرير الذي وجهه الرئيس بوش إلى الكونجرس في 20 سبتمبر 2002).

4- أن واشنطن مستعدة للقبول بمعضلة الديمقراطية المتمثلة في وصول حزب إسلامي للحكم عبر انتخابات حرة رغم المخاوف من أن يضر هذا بمصالحها!

5- أن الهدف الأمريكي من تعزيز الديمقراطية في العالم العربي والإسلامي هو الحفاظ على مصالح أمريكا في هذه البلدان خشية وقوع انفجار متوقع في هذه البلدان التي لأمريكا مصالح حيوية فيها كما حدث في إيران الشاه وغيرها.

لغة المصالح.. ولغة المال!

أما تفاصيل هذه البنود السابقة فيكشف بشكل أكبر عن طريقة التعامل الأمريكية الجديدة مع الحكومات العربية والإسلامية. فقد أكد ريتشارد هاس مدير تخطيط السياسات بوزارة الخارجية الأمريكية أن واشنطن “لن تفرض صيغة جامدة للإصلاح السياسي، لكنها ستعمل مع كل دولة على حدة لصياغة النظام النيابي الذي يناسبها بشكل تدريجي”.. وهو ما يعني بوضوح أن واشنطن تسعى لمنع انزعاج زعماء قد تهددهم مثل هذه التطورات؛ وبالتالي ستقبل في مرحلة أولى المجالس النيابية في دول الخليج على سبيل المثال التي لا تعدو أن تكون مجالس شورية لا تشريعية، كما ستقبل -وفق مصالحها مع كل دولة- الشكل (الديمقراطي) الذي ستطبقه كل دولة على حدة!

وقد وضح هذا في قول (هاس) -في كلمته أمام مجلس العلاقات الخارجية بالكونجرس-: “إن مثل هذا التغيير لن يكون ثوريا، وإنه سيحدث بالتدريج”.. مع التأكيد على: التزام الولايات المتحدة الصارم بالمشاركة بنشاط أكبر (أي مزيد من التدخل في الشئون الداخلية) في دعم الاتجاهات الديمقراطية في العالم الإسلامي أكثر من ذي قبل!

وكشف هاس عن أن “واشنطن لديها برنامج سري لتشجيع الديمقراطية في العالم الإسلامي من منطلق الفائدة المزدوجة لشعوب تلك الدول وللولايات المتحدة على السواء”!!

وقال إن وزير الخارجية الأمريكي كولن باول سيعلن خلال الأشهر المقبلة بعض الآليات الخاصة بهذه القضية، ومن بينها زيادة المساعدات إلى الدول العربية عن المخصصات السنوية الحالية التي تبلغ مليار دولار. وتشجيع التطوير في مجالات التعليم والاقتصاد والإصلاح السياسي بصفتها مجالات حيوية هامة.

وقد شرح هاس هذه النقطة بتفصيل أكثر قائلا: “إن الأساس المنطقي الأمريكي في تشجيع الديمقراطية في العالم الإسلامي هو في نفس الوقت لمصلحتنا ولمصلحة الغير. فالمزيد من الديمقراطية في البلدان ذات الأكثرية الإسلامية هو أمر جيد بالنسبة للشعوب التي تعيش هناك. لكنه أيضاً جيد بالنسبة للولايات المتحدة. فالبلدان المبتلاة بالجمود الاقتصادي والافتقار إلى فرص العمل، وبالأنظمة السياسية المغلقة، وبالسكان المتكاثرين بسرعة، تغذي العداوة لدى مواطنيها. ويمكن أن تكون تلك المجتمعات، كما تعلمّنا من التجربة القاسية أرضاً خصبة لتربية المتطرفين والإرهابيين الذين يستهدفون الولايات المتحدة بحجة دعمها للأنظمة التي يعيشون في ظلها.

الأمر الآخر الذي له أهمية معادلة هو أن الهوة المتزايدة بين العديد من الأنظمة الإسلامية ومواطنيها قد تعطّل قدرة تلك الحكومات في التعاون حول قضايا ذات أهمية حيوية بالنسبة للولايات المتحدة. هذه الضغوطات الداخلية سوف تحدّ كثيراً من قدرة العديد من أنظمة العالم الإسلامي على توفير العون، أو حتى الموافقة على الجهود الأمريكية الرامية إلى مكافحة الإرهاب أو التعامل مع انتشار أسلحة الدمار الشامل”.

وقال إن إدارة الرئيس بوش استفادت من عدة دروس واسترشدت بها في مسعاها الجديد بشأن تلك الدول.. مشيرا إلى أن هجمات سبتمبر ضد مركز التجارة والبنتاجون علمتنا درسا صعبا وهو أن المجتمعات المقهورة يمكن أن تصبح تربة خصبة للمتطرفين والإرهابيين الذين يستهدفون الولايات المتحدة لدعم أنظمة يعيشون في ظلها.

والمشكلة هنا أن واشنطن لا تزال تعتقد أنه بالمال وبلغة المساعدات فقط يمكنها التغيير وتحقيق ما تريد في العالم الإسلامي، بل إنإستراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكي (نص التقرير الذي وجهه الرئيس بوش إلى الكونجرس في 20 سبتمبر 2002) أشارت في البند السابع إلى (توسيع دائرة النمو الاقتصادي من خلال انفتاح المجتمعات، وإنشاء البنية التحتية للديمقراطية)، أي أنهم يعتبرون الاقتصاد فقط هو المدخل للديمقراطية؛ ولهذا طلبوا في هذه الإستراتيجية من الحكومات الإسلامية: “أن تحارب الفساد، وأن تحترم الحقوق الإنسانية الأساسية، وتطبق حكم القانون، وتستثمر في العناية الصحية والتعليم، وتتبع سياسات اقتصادية مسؤولة، وتوفر المقدرة لممارسة المبادرات الاقتصادية الفردية”، وأتبعوا هذه الفقرة بعبارة تقول: “سوف تُكافأ -حساب تحدي الألفية- الدول التي أظهرت تغييراً حقيقيًّا في سياستها، ويجري تحدي تلك الدول التي لم تطبق الإصلاحات المطلوبة”؟!

أيضا قال هاس – في الخطاب الذي جاء بعنوان “نحو مزيد من الديمقراطية فيالعالم الإسلامي” والذي وصفه مساعدوه بأنه أكثر الرأي شمولا للفكر أو الخطة الأمريكية بشأن تعزيز الديمقراطية في العالم الإسلامي- إنه لا يمكن إنكار أن تجنب الولايات المتحدة التدقيق في الشئون الداخلية لبعض الدول جاء لضمان مصالح تراوحت بين ضمان تدفق البترول بشكل مستقر واحتواء التوسع السوفيتي والعراقي والإيراني والتعامل مع قضايا تتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي ومقاومة الشيوعية في شرق آسيا وتأمين توافر قواعد خارجية للقوات الأمريكية.

واعترف المسئول الأمريكي بأن واشنطن قد أخطأت بعدم إعطاء أولوية كافية في السنوات الماضية، للسعي إلى الديمقراطية، قائلا: “إن هذا أضاع علينا فرصة لمساعدة هذه الدول الإسلامية على أن تصبح أكثر استقرارا وأكثر رخاء وأكثر سلما وأكثر قابلية للتكيف مع الضغوط التي تفرضها العولمة”، على اعتبار أن “الدول التي تعاني من ركود اقتصادي، وعدم توفر فرص العمل والنظم السياسية المغلقة والنمو السكاني المتزايد عادة ما تعاني شعوبها من الإحباط، وعدم الانتماء”.

ومع أن هاس أشار إلى “أن الديمقراطية يمكن أن تلقى تشجيعا من الخارج”، إلا أنه أعترف “أنه من الأفضل بناؤها من الداخل لأن فرضها سيكون غير إيجابي وغير قابل للاستمرار”.. وقال إنه يجب أن يواكب حماسنا الشديد لتشجيع الديمقراطية في العالم الإسلامي تقديم المساعدات اللازمة والسماع لشكوى هذه الشعوب.

في العدد المقبل : مدرسة الديموقراطية الليبرالية تفتح أبوابها.

مـحـمـد جمال عرفة

محلل الشؤون السياسية بموقع إسلام أونلاين

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>