مفهوم الغبن عند الفقهاء
إن البيع الذي فيه غبن (إذا غبنوك في الثمن) في الظاهر صحيح ولكنه حرام أي من الكسب الحرام ولكنه لا يفسخ ولا يفسخ عند المالكية إلا في حالة واحدة هي بيع النجش أي إذا اشتريت شيئا ثم اكتشفت أنه كان نجشاً أي أن الناس قد لعبت بك وزينت لك البضاعة وأسقطتك في الفخ فهذا عند المالكية يعتبر بيعا فاسداً ويفسخ ويُلغى.
هذا يعطينا صورة عن بحث العلماء والفقهاء في قضية تحديد الثمن وفي قضية الغبن، فالغبن هو أن يخدع الإنسان في البيع والشراء، كان أحد الصحابة رضي الله عنهم رجلا ليس له خبرة بالأسواق وكان فيه نوع من الغفلة فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال إني رجل أبيع وأشتري ولكني أختلب فقال له صلى الله عليه وسلم : >إذا بعتَ أو اشتريت فقُلْ لا خَلاَبَة< بمعنى تشترط في الأول وتقول أنا أشتري معك وأبيع بدون خلابة، وهذا يمنع أن تغشني، ثم تقول في الأخير : لقد اشتريتَ ما رأته عيناك.
ولا يمكن أن نضبط كل حالات الغش لأنه مع تقدم الزمن الناسُ يضيفون طرقا وكيفيات أخرى، فالآن غش السيارات أصبح عِلْما قائما، يسرق أحدهم سيارة ويبدِّلُ ورقتها الرمادية ويطوف بها العالم دون أن يفتضح أمره. الغش كثير والإنسان لا يستطيع أن يضبط كل هذا، ولذلك أوصى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل المغفَّل بأن يقول إذا باع أو اشترى لا خلابة، والمقصود من هذا كله هو حماية المشتري، فما يسميه الآن الناسُ حمايةَ المستهلك سبق إليه الشرع. ووضع له قيوده، وجمعياتُ حماية المستهلك لا تأخذ بهذه الأحكام، ولا تسأل عنها، وقوانينها وضوابطها مجهولة، فالأثمنة مثلا الآن تختلف من مكان لآخر، فثمن مشروبقهوة في فندق عاديِّ يخالف ثمن نفس المشروب في فندق خمس نجوم، وهذا أمر مسلم به ومسكوت عنه؟ هذا كله يجب أن يراجع بناءاً على نظرية الغبْن كما جاءت بها الشريعة، وأنا أحببت أن أضيفها لأن الله تعالى ذكر في هذه الآية كلمة الغبن وأحببت أن أضيف لما سبق من الكلام عن الغبن في الآخرة الكلام عن الغبن من الناحية اللغوية ومفهومه عند الفقهاء.
والآن فلنعش مع قوله تعالى : {ومَنْ يُومِن بالله ويَعْمَل صَالِحاً نُكَفِّر عَنْه سَيِّئَاتِه ونُدْخِلْه جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتِها الأنهَارُ خَالِدين فيها أبداً}.
جزاء المومنين إيمانا صحيحا الخلودُ في الجنة بعد تكفير السيآت
هذا الجزء من كلام الله عز وجل فيه ترغيب في الإيمان بالله وفي الالتزام بشرعه، فالله تعالى يَعِدُ الذين يؤمنون به ويُقْبِلون على رحاب الإيمان ويعملون العمل الصالح بهذه النتائج التي هي : تكفير الذنوب وإدخال الإنسان جنات على جهة الخلود والاستمرار والتأبيد فيها.
والإيمان المطلوب طبعا هو الإيمان المستجمع لجميع أركانه أي الإيمان بالله وبملائكته وبكتبه وبرسله وبجميع فروع الإيمان. إيمانا صحيحا لا يتزعزع ولا تؤثر فيه الأهواء ولا الظروف، ثم إن الإيمان النافع هو الذي يعقُبه العمل الصالح.
الشرع هو معيار العمل الصالح
والعملُ الصالح قد يُخْتَلَف فيه بين فرد وآخر فقد يكون هناك من يقوم بأعمال ويظن أنها صالحة ثم لا تكون كذلك، إن كثيراً من أهل الفجور الآن أصبحوا يدافعون عن آ رائهم وعن أفكارهم وتوجهاتهم، ويزعمون أنها خيرٌ وصلاح، وأنها عمل نافع، فما هو المقياس والمعيار الذي به يُعرف الصالح من غير الصالح؟، إذن لابد من معيار ومقياس يُحتكم إليه ليقال بعدُ : إن هذا العمل صالح أو غير صالح. إن علماء المسلمين يقولون إن الفعل كيفما كان له جهتان جهة موافقة وجهة مخالفة، الصلاة نفسها إذا أتيت بها على الوجهة التي توافق توْجِيه الشرع، بأن تؤديها بأركانها وشروطها وخشوعها تكون موافقة للشرع وإذا أتيت بها بلا وضوء، بلا طهارة كاملة، بلا شروط فهذه صلاة ولكنها ليست صلاة صحيحة من الوجهة الشرعية لأنها لم توافق الشرع إذن فهي ليست مدرجة في الأعمال الصالحة، إذن العمل ليكون صالحاً لابد من عرضه على الشرع فإن قبله فهو عمل صالح، وإن جهله الشرع ولم يقبل به، ولم يؤشر عليه، فهو الذي نسميه المنكر.
إن المنكر شيء أنكره الشرع فسميناه منكراً، وفي مقابله العمل الصالح أو المعروف، إذن فكل شيء له هاتان الجهتان : جهة موافقة وجهة مخالفة، فلا يلتبس علينا الآن العمل الصالح بالعمل الطالح، إن العمل الصالح ما وافق عليه الشرع وقَبِله، والعمل الطالح ما رفضه الشرع والمفروض في المؤمن حقيقة الإيمان أن يقوم بأعمال صالحة ويحتكم إلى الشرع في كل أفعاله، فإذا جمع هذين الشرطين فإن الله تعالى يَعِدُه بأنه سيكفر عنه سيئاته. إذن من قام بهذه الأشياء : آ من بالله وعمل صالحاً فإن الله تعالى يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم والذين كفروا في المقابل وكذبوا بآيات الله هؤلاء لهم مصيرٌ آخر هو مصير الجحيم وهو مستقرون في جهنم خالدين فيها، {والذين كفرو اكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار خالدين فيها وبيس المصير}.
د. مصطفى بنحمزة