بارقة : المدجّنون وخطورتهم على شعوبهم


عندما تَنَحّى (أو نُحِيّ) سنغور عن الحكم في السينغال وأقيم مكانَه عبدو ضيوف فرح كثير من المسلمين، وكيف لا يفرحون وسنغور الذي ولد مسلماً اصطادته الكنيسة الكاثوليكية الفرنسية ونصّرته واصطنعته لفرنسا وجعلت منه أديباً كبيرا وشاعراً مبدعاً ودفعت به ليصبح أول رئيس للسنغال المسلم، وفي ظل حكمه انتعش الإسلام بالسنيغال بل سرت في أعطافه موجة من الوعي الإسلامي صارت تتعاظم شيئا فشيئا، وصادفت قيام ثورة إيران فسارع بعض المعجبين بها ليلوح بشعارات مشابهة أزعجت فرنسا التي أقدمت على جعل مسلم متزوج بفرنسية أيضا رئيس الدولة بدل النصراني سنغور الذي كان بعض الشباب يتخذ ذلك ذريعة للنقد والتنديد وإثارة مشاعر المسلمين وإىقاظ أوساط الشباب ولاسيما المتدين منهم.

ولم يفرح “بعضُهم” بتلك الخلافة  لأنه رأى في استمرار السنغال تحت حكم رئيس نصراني فرصاً ثمينة لتحريك الشعب المسلم هناك وتوعيته وإشعاره بخطر التنصير وخطر السياسة الاستعمارية الفرنسية، وقد حقق المسلمون في ظل سنغور كثيراً من المكاسب، أما إذا أصبح الرئيس “مسلما” لاسيما إذا كان “مُدَجّنا” و”مفروضاً” فإن ولاءه سيكون أولا لنفسه ومصالحه ولمن ولاّه وسيكون هذا الولاء مضمونا إذا كان “نصفه” الآخر وأم أولاده فرنسية.. وذلك ما وقع، لأن “المسلم” المدجّن المزيف ضميرهُ، المجفّفة مشاعره هو أخطر على أهله وشعبه من “الأجنبي” الدين أو الجنسية.. وقد كان السنغاليون يحسون بالفرق الشاسع بين العهدين، إذ تراجعت الانجازات الإسلامية في عهد “المسلم” و”بردت” المشاعر وكادت تركُد الصحوة وقد نجحت سياسة فرنسا في ترسيخ نفوذها وضمان استمرار حضورها في السنغال في العهد الاسلامي بعدما كانت تشعر بقلق كبير في العهد الأول..

وقد كان “بعضهم” يهنئ المسلمين الذين يحكمهم الشيوعيون والملحدون أو النصارى مثل يوغوسلانيا وتركيا والشعوب الخاضعة للسوفيات، فقد ازدهر الإسلام في ظل هذه الحكومات والأنظمة وازداد تشبث المسلمين بدينهم في ظل الأنظمة العلمانية لأنهم يشعرون بالخطر ويتسلحون بالحذر ويبذلون جهوداً مضنية للحفاظ على دينهم ودين أبنائهم.

أما في البلاد التي يحكمها “المدجّنون” وبلافتات إسلامية فإن الإحساس بالخطر يقل والوعي بقضايا الإسلام والمسلمين ينضب وتتراخى همم المروءة والشهامة والغيرة أمام جحافل الافساد الأخلاقي والتخريب الاجتماعي وتفكيك الأسرة وشيوع الرذيلة واكتساح مظاهر الضياع للشباب والشابات وارتفاع نسبة جرائم العرض والشرف وجرائم القتل واستفحال ظاهرة الطلاق والأطفال المتخلى عنهم الذين يرمى بعضهم في الأزقة وفي أماكن موحشة إلى أعراض مرَضِية أخرى نعلم منها القليل ويغيبُ عنا منها الكثير.

لذلك يلاحظ أنه في عهد الاستعمار كانت تكثرالتضحيات الجسام ويشتد الحماس المنقطع النظير والحفاظ الشديد على الدين ومظاهره، وكان المستعمر لا يجرؤ على مس الدين بل وحتى التقاليد المرعية، وقد جرب الفرنسيون “الظهير البربري” الذي كان من أشد الانجازات الاجتماعية والوطنية في الأوساط المغربية مما يعتبر أكبر محطة انطلقت منها الوطنية لتحرير المغرب، لكن في ظل “الأنظمة المدجنة” تقع وقائع ومراسيم أشد من الظهيري البربري، فلا يكاد يقع شيء وبخاصة إذا وقع ذلك بالتقسيط وبخبث شديد وحيل خفية.

فهنيئا للشعوب الاسلامية التي يحكمها غير المسلمين فإن دينهم مصون ووجودهم محفوظ ومسقبل أولادهم مضمون.

< د. عبد السلام الهراس

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>