إليك تفصيل زكاة الخليطين : الخلطة هي جعل مالين لاثنين مالا واحدا بعد حصول النصاب في مال كل منهما، وفائدة الخلطة التخفيف وقد تثقل، وقد لاتفيدهما، ويشترط في كون المالكين كالمالك الواحد شروط منها: أ- أن يكون لكل واحد نصاب فأكثر. ب- أن يكون حالا على نصابه الحول. جـ- أن يكونا مخاطبين بالزكاة. د- أن يتحد الراعي، والفحل، والدلو، والمراح، والمبيت، ويشترط الاجتماع في الاكثر من هذه الأشياء، وأن يكون الباعث على الخلطة قصد الرفق. هـ- أن ينويا الخلطة. لايجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة : وذلك إذا قرب الحول وكان اجتماعهما أوافتراقهما منقصا من الزكاة، فإن لم يكن مُنقِصا فلا يُنْهى عن ذلك، وإن كان مُنقصا أخذا بما كانا عليه قبل ذلك. مسألة إخراج القيمة في الزكاة لاتدفع القيمة في الزكاة، فلو أخرج بدل ماوجب عليه من الحرث أو الماشية ثَمَن الخرث والماشية، إن كان أخرجها طوعا أجزأه مع الكراهة ، وان أجبره الساعي على إخراج الثمن أجرأه بلا كراهة. ولكن يشترط في الثمن أن يكون قدر القيمة أو أكثر، وإن تُعتبر القيمةُ بعد الحول، وإن يُصرف في مصارف الزكاة. وأما إخراج الماشية أو الحرث أو العرض عن العين فلا يجزئ. وكذا إخراج العوض عن الماشية أوالحرث أو العين لا يجزئ. ومثله إخراج الحرث عن الماشية أو الماشية عن الحرث. تحقيق القول في جواز إخراج القيمة في الزكاة. اختلف المالكية في حكم إجْزاء إخراج القيمة في الزكاة. الموجود في المذهب طريقان: عدم إجزاء القيمة مطلقا، وإجزاؤها مطلقا. وهذا التفصيل لِلْأَجهوري ولم يقل به غيره. والقائل بعدم الاجزاء ابنُ الحاجب، وابن بشير، وتبعهما خليلٌ في مَتْنه ا لمشهور. واعترض في التوضيح : بأنه خلاف ما في المدونة، ونصه المشهور في إعطاء القيمة أنه مكروه لا محرم، فقد جعله فيها من شراء الصدقة، فقال: ويُكره للرجل اشتراء صدقته، ومثله لابن عبد السلام. قال الباجي: ظاهر المدونة وغيرُها أنه من باب شراء الصدقة، والمشهور فيه أنه مكروه لا محرم. وقال أبو علي المسناوي : ظاهر كلامهم أن ما في التوضيح وابن عبد السلام هو الراجح، ويدل له اختيار ابن رشد، حيث قال: الإِجْزاء أظهرُ الأقوال، وتصويب ابن يونس له -كما نقله احمد الزرقاني-(1) فالظاهر ترجيح الإجزاء مع الكراهة في الكل دون التفصيل الذي ذهب إليه الأجهوري. وبالإجزاء بإخراج القيمة جاءت الآثار، ومن ذلك: ما رواه البخاري تعليقا على طاووس، قال معاذ رضي الله عنه لأهل اليمن : (ائتوني بعَرْض ثياب خميس (خميص) أو ليس(2) في الصدقة.، مكان الشعير والذرة أهونُ عليكم وخيرٌ لأصحاب النبي عليه السلام بالمدينة) قال الامام الشافعي رحمه الله “طاووس أعلم الناس بأمر معاذ، وإن كان لم يَلْقَه”(3) وفي رواية ” ائتوني بكل خميس ولَبِسٍ، آخذه منكم مكان الصدقة، فإنه أرفق بكم، وأنْفَعُ اللمهاجرين والانصار بالمدينة”(4). واستدل البخاري بهذا التعليق على جواز إخراج القيمة في الزكاة، كما استدل بقوله صلى الله عليه وسلم للنساء : ” تصدقن ولو من حُلِيٍّكُن” ” فجعلت المرأة تلقي خُرْصَها(5)، وسِخابَها”(6) الحديث إذن فالسِّخاب غيرُ متصورة إلا من حيث القيمة، لأن لفظ الصدقة عام يشمل التطوع والواجب ولم يبين الرسولصلى الله عليه وسلم أنّ زكاة غير الحُلي مستثناةٌ من ذلك(7). وروى الإمام احمد بن حنبل عن الصنابحي قال : رأى رسول اللهصلى الله عليه وسلم في إبل الصدقة ناقة مسنة، فغضب فقال “ماهذه؟” فقال: ارْتَجَعْتُها ببَعِيرَيْن من حاشية الصدقة (ابل الصدقة) فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم. والارتجاعُ : أخْذُ سِنٍّ مكان سن، قاله أبو عبيدة: وفي الصحاح : الارتجاع في الصدقة إنما يجب على رب المال أسنانٌ، فياخذ المُصَدِّق أسنانًا فوقَها أو دُونها بقيمتها. فدل على جواز أداء القيمة في الزكاة(8). وكذا ما صح في حديث أبي بكررضي الله عنه عن النبي عليه السلام قال : ” فمن بلغت عنده صدقة الجذعة وليست عنده الجذعة، وعنده حِقة، فإنها تُقبل منه، ويَجْعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهما، ومن بلغت عنده صدقة الحِقة وليست عنده حقة وعنده جذعة. فإنها تُقْبل منه ويُعطيه المصَدِّق شاتين أو عشرين درهما(9). فدل هذا على جواز أداء القيمة في الزكاة. واخرج مالك في الموطأ عن محمد بن عقبة، عن عائشة بنت قدامة، عن أبيهما: ” أن أبا بكر وعثمان رضي الله عنه كانا إذا أعطيا الناس عَطِياتهم سألا الرجل هل عندك من مال وجبت عليك فيه الزكاة؟؟، فإن قال: نعم أخذا من عطائه زكاة ذلك المال. وإن قال: لا سَلَّما إليه عطاءه ولم ياخذا منه شيئا”(10). وجه الاستدلال : أنهما لم يسألا عن جنس أموالهم التي وجبت فيها الزكاة. ومعلوم أن المقصود من الزكاة إغناء الفقير عن السؤال كما ورد : ” أغنوهم عن المسألة ” والإغناء يحصل بأداء المنصوص عليه من الشاة وغيرها(11). وقال في اعلاء السنن(12) قوله صلى الله عليه وسلم في الصدقات : ” فأن لم يكن بنت مخاض، وعنده ابن لبون” أي فيخرج بَدَلَها ابن لبون ذكرا، قال : لامدخل للذكر في الزكاة إلا بطريق القيمة، لأن الذكر لايحوز في الإبل إلا بالقيمة، ولذلك احتج به البخاري أيضا على جواز اخذ القيمة في الزكاة. والأصل في قول من قال بوجوب إخراج الزكاة من العَيْن، ولايُعْدَلُ عنها إلى القيمة إلا عند عدمها، أو عدم الجنس، مارواه الحاكم على شرطهما عن معاذ بن جبل، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى اليمن، فقال : “خذ الحَب من الحب، والشاة من الغنم، والبعير من الابل، والبقرة من البقر” رواه أبو داودوابن ماجهوصححه الحاكم، وفي اسناده عطاء عن معاذ ولم يسمع منه(13) وبهذا الحديث أخذ الشافعية والحنابلة، وهو قول داود. قال العيني(14) : إن دفع القيمة في الزكاة جائز عندنا، وكذا في الكفارة، وصدقة الفطر، والعشر، والخراج، والنذر، وهو قول عمر، وابنه عبد الله، وابن مسعود، وابن عباس، ومعاذ، وطاووس، قال الثوري : يجوز إخراج العروض في الزكاة إذا كانت بقيمتها. وهو مذهب البخاري، وإحدى الروايتين عن احمد، ولو اعطى عَرْضا عن ذهب وفضة ، قال أشهب: يُجْزئه، قال الطرشوشي: هذا قول بيّن في إخراج القيم في الزكاة. قال: وأجمع أصحابنا أي المالكية على أنه لواعطى فضة عن ذهب أجزأه،وأجاز ابنُ حبيب دَفْعَ القيمة إذا رآه أحسن للمساكين. ومجمل القول : فإن الأئمة أجمعوا أن الحديث السابق “خذ الحب من الحب والشا ة من الغنم…” أصل في ذلك، وأنه يجزئ الإخراج من العين. لم يخالف منهم أحد فلا ينبغي للمزكي أن يعدل عن ذلك خصوصا إذا أمكنه ذلك، ورغب به الفقير، ولم يكن عدوله إلى ا لقيمة حرصا منه على ما وجب عليه من ناقة عزيزة عليه أو شاة يرغب بإمساكها وما إلى ذلك. أما إذا لم يكن عنده ما وجب عليه، أو كان الفقير نفسه يرغب بالقيمة إما لحاجته إليها، او لعجزه عن قبول النعم لما تحتاجه من نفقة وموضع ومعرفة للقيام بشأنها، فهل يجوز إخراج القيمة في هذه الحال أم لآ؟ هنا تظهر الحكمة والفائدة من القول الأخير القائل بجواز إخراج القيمة. وإن دين الله تعالى يُسْرٌ، ومساير لحاجة كل عصر، وخصوصا إذا ظهرت الحاجة إلى نقل الزكاة وغيرها إلى خارج البلاد، فإن نقل الإبل والبقر والغنم والحبوب والثمار، ربما يكلف أكثر من ثمنه، بينما يمكن تحويل النقود إلى أقصى الارض بايسر مايمكن.
< ذ. محمد حطاني
——
1- انظر حاشية الدسوقي ج1 ص502 وجواهر الاكليل ج1ص 141 ومنح الجليل ج 2ص 97 والشرح الصغير ج 1 ص 668 وانظر تبيين المسالك ج 2 124 للشيخ محمد الشنقيطي الموريتاني.
2- الخميس : الثواب طوله 5 أذرع. والخميصة: ثوب خَزٍّ أوصوف مُعْلَمٌ أسود. وكان من لباس الناس قديما. واللبيس: قد أُكْثثر لُبْسُه فأَخْلَق كما في القاموس.
3- انظر اعلاء السنن ج 9 ص 35
4- نيل الاوطار: ج 4 ص 171.
5- الخوص : الحلقة التي تجعل في الاذن
6- السخاب: قلادة تتخذ من مسك وقرنفل ونحوهما فتُجعل في العنق
7- إعلاء السنن ج 9 ص 35 وحديث السخاب في البخاري رقم الحديث 1449.
8- الغرة المنيفة في تحقيق مسائل الامام أبي حنيفة ص 52 ومسند أحمد ج4 ص 349
9- رواه احمد ج 1 ص 12 والنسائي وأبو داود والبخاري، ورواه الدارقطني وقال هذا إسناد صحيح انظر نيل الأوطار ج 4 ص 141 وانظر البخاري رقم 1453
10- إعلاء السنن ج 9 ص 38 وانظر الموطأ ص 168
11- الغرة ا لمنيفة ص 53.
12- اعلاء السنن ج 9 ص 36
13- نيل الأوطار ج 4 ص 171 وانظر سنن أبي داود رقم 1599
14- اعلاء السنن ج 9 ص 36 والعيني حنفي المذهب وهو شارح البخاري