قضايا إسلامية : بعد جارودي والفاتيكان ولوموند : تحريف القرآن الهدف النهائي وراء الحملة الصهيونية لاتهام العرب والمسلمين بمعاداة السامية 3


عنصرية اليهود

إذا كانت إسرائيل قد استطاعت إرهاب مثقفي الغرب بتهمة العداء للسامية، فمن الواضح أنها قد بدأت الآن مرحلة جديدة لنقل معركة معاداة السامية إلي الوطن العربي، متناسية حقيقة تاريخية لا يمكن إغفالها وهي أن العرب أيضا ساميون، ومن ثم فمن الطبيعي أن تكون لهم نفس الحقوق والامتيازات التي يحاول غلاة الصهيونية إسباغها علي اليهود دون غيرهم من شعوب الأرض..

بل إن أي باحث منصف يستطيع أن يكتشف بسهولة مدى الحقد والعنصرية الصهيونية التي تمارس يوميا بحق آلاف الساميين العرب في فلسطين بواسطة شارون وأليعازر وبيريز وغيرهم، والذين لا يقتصر دورهم علي التحريض ضد السامية وإنما يصدرون التعليمات والأوامر لأفراد الجيش الإسرائيلي بقتل الساميين العرب وتدمير بيوتهم وتجريف أراضيهم وحصارهم وعزلهم ونفيهم، وذلك تحت سمع وبصر القانون الفرنسي وعلي مشهد من أبناء الشعب الفرنسي والعالم بأسره من خلال ما تنقله الفضائيات كل ساعة من هذه الجرائم.

ولا يملك المرء أيضا إلا أن يتساءل : وأين قانون جيسو الفرنسي ـ وكافة القوانين الأخرى المماثلة في الدول الأوربية ـ من الجرائم الصهيونية التي ترتكب جهارا نهارا بحق العرب والفلسطينيين، والمؤثمة دوليا في المادة الثامنة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية تحت تعريف جرائم الحرب، والتي تشمل : القتل العمد، والتعذيب، وتعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين وضد المباني والوحدات الطبية ووسائل النقل والأفراد، وضد المباني المخصصة للأغراض الدينية والتعليمية والخيرية، فضلا عن قيام دولة الاحتلال علي نحو مباشر أو غير مباشر بنقل أجزاء من السكان المدنيين الي الأرض التي تحتلها أو إبعاد ونقل كل سكان الأرض المحتلة أو بعضهم داخل هذه الأرض أو خارجها ؟!!

وكيف يكون التعرض للحقائق التاريخية الثابتة معاداة للسامية، بينما لا يعاديها قول الحاخام الإسرائيلي أفنيري بأن قتل الطفل غير اليهودي الذي يلقي الحجارة علي سيارة لليهود أمر ضروري لإنقاذ روح يهودية ؟! وكيف يستقيم ذلك مع ما يقوله الحاخام الصهيوني عوفوديا يوسف عن ” أن باراك شخص مجنون ويجري وراء سلام العرب فيجلب الأفاعي إلينا، فأي سلام يقوم به باراك مع هؤلاء الأفاعي ” ؟! بل ويستطرد قائلا : ” إن أبناء إسماعيل جميعا أشرار وملعونون، وإن الله يندم كل يوم لأنه خلق أبناء إسماعيل هؤلاء، ومكتوب في التلمود إن الله يقول: ليتني لم أخلقهم ” ؟! فهل هناك عنصرية ومعاداة للسامية أكثر من هذه ؟!.

أما الحاخام لاو فقد أصدر فتوي في أثناء زيارته لقاعدة عسكرية عقب اندلاع انتفاضة الأقصى بجواز قتل العرب بلا رحمة عند حدوث أية مواجهة، زاعما أن الله سيرضى عن أي يهودي يقوم بقتل العرب حتي لو كانوا من الأطفال والنساء، وخاصة النساء لأنهن ينجبن المخربين ـ على حد زعمه ـ بل إن لاو واصل عنصريته عندما حث علي حرق المساجد في إسرائيل أو في أي دولة أخري.

والأوربيون.. أيضا عنصريون

الحقيقة المؤكدة أن سكوت أوربا ـ وفرنسا بصفة خاصة ـ على مثل هذه الجرائم التي ترتكب بحق العرب الساميين لا يمكن تفسيره بأي حال إلا بأنه بدوره وجه آخر من أوجه العنصرية الأوربية، التي لا تعترف ولا تقر بتهمة العداء للسامية إلا إذا كانت موجهة لليهود والصهاينة فقط، أما إذا تعلق الأمر بأي جنس آخر غير اليهود ـ حتى ولو كان من الساميين مثل العرب ـ فإنها تغض النظر عن هذه التهمة، وتكتفي بدفن رأسها في الرمال !!

ويعزز من هذه العنصرية الأوربية أيضا نص القوانين الغربية ـ وفي مقدمتها القانون الفرنسي ـ على استثناء الجنس السامي وحده بحيث يجرم العداء له، وتسن القوانين التي تعاقب من تثبت عليه هذه التهمة بعقوبات تتراوح ما بين الغرامة والسجن، في حين أن مثل هذا العداء لا يخرج عن كونه أحد أشكال العنصرية التي يجب تجريمها بصفة عامة، سواء كانت ضد العرق السامي أو الحامي أو أي عرق آخر.

ويكفي ان نشير في هذا السياق كذلك إلي احتضان أوربا لمئات الكتاب وتبينها لآلاف الكتابات المناهضة للعرب والمسلمين، والتي تصفهم بأبشع الأوصاف وأقذع الألفاظ، بدءا باحتضان فرنسا وترحيبها بكتابات سلمان رشدي، ومرورا برواية ” المنصة ” للكاتب ميشيل هويليبك الذي يتلذذ بطلها وهو يرى إبادة الفلسطينيين علي أيدي الجنود الصهاينة، وترحيب باريس بفوز الكاتب التريندادي ف. س نايبول بجائزة نوبل للآداب علي الرغم من عدائه للمسلمين والجنسيات الأخري غير الأوروبية، وانتهاء بالكاتبة الايطالية اريانا فلاتشي في كتابها الذي أصدرتهمؤخرا ضد العرب والمسلمين وضد الدين الاسلامي علي وجه التحديد، والذي تضمن هجوما عنصريا بشعا علي كل من هو عربي ومسلم.. وهؤلاء جميعا بالطبع لم يطلهم قانون جيسو..

بل أكثر من ذلك أن بعض الدعاوي العنصرية قد ترددت علي ألسنة بعض الساسة الغربيين، وبالتالي فليس مقبولا ولا مفهوما أن يكون العرب مروجين لدعاوى عنصرية، بينما هم أنفسهم ضحايا لمثل هذه الدعاوى.

لماذا باريس ؟!

ثمة سؤال يطرح نفسه في هذا الإطار عن اسباب اختيار اليهود لباريس على وجه التحديد لإقامة الدعاوى القضائية بمعاداة السامية، وهل يرجع الأمر فقط إلى أن قانون جيسو المشبوه صادر عن تشريعاتها ؟! واقع الحال يؤكد أن هناك تشريعات مماثلة لقانون جيسو في العديد من الدول الأوروبية الأخرى تحظر الاقتراب من قضية الهولوكست شكلا أو تفصيلا، مثل القانون الذي أقرته النمسا عام 1992 والذي يتضمن السجن لمدة ستة أعوام لمن ينفي وجودالهولوكست، وفي بلدان أخرى تستند السلطات إلي مفاهيم مطاطة مثل الحث والتحريض علي الحقد العنصري أو المس بذاكرة الأموات، مثلما فعلت سويسرا حين تبنت نصا تشريعيا من هذا النوع، وبموافقة المجلس الفيدرالي والبرلمان أيضا.

اختيار اليهود لباريس على وجه التحديد لم يأت من قبيل المصادفة، فمن المعروف أن فرنسا هي صوت أوروبا الفكري والثقافي، وأن اللوبي اليهودي العالمي يقوم باستخدام واشنطن كقاعدة سياسية للضغط علي قادة الدول واستخدام باريس للهجوم الثقافي والفكري وإرهاب كل من يجرؤ علي قول الحقيقة، ومن ثم فإن اختيار باريس يأتي في إطار إخافة بقية دول الاتحاد الأوروبي باعتبارها عاصمة الثقافة الأولى في هذا الاتحاد، حتى وإن كانت توجد الآن في باريس أصوات تتململ من وطأة اللوبي الصهيوني المنتشر في قطاعات حساسة، مثل الإعلام والاقتصاد والجامعة الفرنسية ذاتها.

كما أن اختيار باريس يأتي فيظل اتجاه السياسة الفرنسية نحو التعاطف مع العراق وبروز تيار يؤيد القضايا العربية، وهو ما تجلى في المساس ببعض المقدسات اليهودية في باريس.. ومن ثم فإن اللوبي الصهيوني يهدف أيضا إلي إسكات صوت هذا التيار وإضعافه، فضلا عن أن ما قد يصدر في باريس من أحكام قد يكون له أثره في أرجاء الاتحاد الأوروبي الذي يضم خمس عشرة دولة وبصدد أن يضم عددا أكبر.

يضاف إلى ذلك أن إثارة مثل هذه الدعاوى في باريس من شأنه أن يجعلها محط أنظار وسائل الإعلام والرأي العام الفرنسي والأوربي، الذي من الممكن أن يدفع باتجاه إفشال المبادرات الفرنسية للسلام في الشرق الأوسط، وبخاصة أن فرنسا تقود الاتحاد الأوروبي باتجاه الحياد فيما يتعلق بتناول القضية الفلسطينية.. كما تهدف هذه الدعاوى في الوقت ذاته إلي تأليب الرأي العام الفرنسي، وخلق بلبلة لحث اليهود الفرنسيين ـ وهم يشكلون نسبة كبيرة ـ على التحرك ضد العرب والهجرة إلى إسرائيل، وهو ما كشفه الإرهابي شارون حين أعلن عن برنامج يهدف إلي تهجير مليون يهودي من عدة دول، على رأسها فرنسا والأرجنتين.

ورغم أن الرئيس جاك شيراك كان قد طالب بإلغاء قانون جيسو عندما كان نائبا في البرلمان، إلا أنه بعد انتخابه رئيسا للمرة الثانية مازال جيسو يمرح حتى الآن في شوارع باريس، ولا يجرؤ شيراك أو غيره أن يأمر بإلغائه.. ويبدو أن تغلغل اللوبي اليهودي في فرنسا قد وصل إلى الحد الذي يحول دون قيام فرنسا بالاحتكام إلي المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان لإلغاء هذا القانون المشبوه، وأن إغراق عاصمة النور في ظلام العنصرية بات أمرا لا فكاك منه.

استراتيجية المواجهة

بيد أن الأهم على أية حال هو موقف العرب من هذه العنصرية الفرنسية والأوربية، فقد أصبحوا مطالبين باستغلال اتهام نقيب الصحفيين المصريين والعرب واستثماره في المحافل الدولية لكشف الممارسات الصهيونية الابتزازية، وإيضاح الأمر أمام الرأي العام الفرنسي ـ الذي يتمتع قطاع كبير منه بالاستقلالية واحترام القانون ـ لدفعه من أجل الضغط على حكومته لإلغاء أو تعديل هذه النصوص المشبوهة، مع استخدام كافة الوسائل التي يتيحها الدستور الفرنسي للطعن بعدم دستورية هذا القانون الذي يميز أتباع طائفة على غيرهم ويخل إخلالا جسيما بمبدأ المساواة الذي أعلنته الثورة الفرنسية والذي نص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

كما أن المنظمات العربية لحقوق الإنسان مطالبة هي الأخرى بتقديم مذكرة إلى المقرر الخاص بحرية الرأي والتعبير في اللجنة الدولية لحقوق الإنسان بالمقر الأوروبي للأمم المتحدة في جنيف للرد علي المحاولات الصهيونية لتكميم الأفواه العربية، إلى جانب التقدم بمذكرة أخرى إلي المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان للمطالبة بإلغاء جميع النصوص القانونية التي تتعارض مع حرية الرأي والتعبير الموجودة في قوانين بعض الدول الأوروبية.

يضاف إلى ذلك إقامة مجموعة من القضايا التي تمثل جرائم ضد الإنسانية أمام المحكمة نفسها التي تنظر القضية، نتهم فيها رجال الدين والسياسة الإسرائيليين الذين أساءوا إلي الشعوب العربية والدين الإسلامي حين وصفوا العرب بأنهم حيوانات وأن الله قد ندم بعد أن خلقهم، وهي المقالات التي نشرت في الصحف العربية والفرنسية والأوروبية.

وقد يقتضي الأمر أيضا مراجعة مواقف الدول التي صدرت أو تصدر فيها مثل هذه التشريعات وإعادة النظر في الموقف منها في إطار مبدأ المعاملة بالمثل، فضلا عن النظر في تشريعاتنا العربية لحماية العرب والمسلمين من العدوان عليهم بمختلف وسائل الإعلام والنشر الأوربية والأمريكية، وإصدار التشريعات التي تحصن واجب الكشف عن حقائق التاريخ ومتابعة الحقائق المعاصرة، بحيث يعتبر كل ذلك فعلا مشروعا في الدولة مصدر النشر ولا يجوز الاعتداد بتجريمه في غيرها من الدول إلا حيث تجري المعاملة بالمثل، على أن تتم متابعة هذا الأمر متابعة مكثفة تشريعيا وشعبيا وسياسيا ودوليا.

أما الجامعة العربية فقد أصبحت بدورها مطالبة بدراسة العودة مرة أخرى إلي التمسك بمبدأ أن الصهيونية حركة عنصرية، وهو المبدأ الذي تنازلت عنه الدول العربية في الأمم المتحدة مقابل تحرير الأراضي الفلسطينية التي أعادت إسرائيل احتلالها مرة أخرى، بالإضافة إلى نقل ملف هذا الموضوع برمته إلي الأمم المتحدة حتى يقوم المجتمع الدولي بوضع تعريف محدد لهذه التهمة وتحديد الجهة المنوط بها توجيه مثل هذا الاتهام، وحتى لا نترك لإسرائيل والمنظمات اليهودية الموالية لها في الغرب اتهام من تشاء بالعداء للسامية وفق ما تراه من أهواء ومصالح سياسية.

باختصار.. فقد أصبح الاتهام بمعاداة السامية يقتضي وضع استراتيجية عربية واضحة ومتكاملة للمواجهة، بعد أن تخطى هذا الاتهام كل الحدود وأصبح يتم استغلاله من قبل المنظمات اليهودية كسلاح للابتزاز السياسي في وجه المثقفين العرب والغرب على حد سواء، وتحصين الصهاينة ضد كشف جرائمهم وأضاليلهم التاريخية، وذلك لفضح الوجه البغيض والمقيت للعنصرية الصهيونية.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>