دروس من سيرة المصطفى : الأمــارات الكبرى للنبوة الخـاتمة الأمـارات الـمعنوية (5)


-6 عموم الرسالة الخاتمة :

قال صلى الله عليه وسلم : >وكَان النَّبيُّ يُبْعَثُ إلى قَوْمِهِ وبُعِثْتُ إلى النَّاسِ عَامَّةً<(متفق عليه)(1)، وقال تعالى : {ومَا أرْسَلْنَاكَ إلاَّ رَحْمَةً للْعَالَمِينَ}(الأنبياء : 107)، {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنِّيَ رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم جَمِيعاً الذي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ لاَ إِلَهَ إلاَّ هُوَ يُحْييي ويُمِيتُ فَآمِنُوا باللَّهِ ورَسُولِهِ النّبِيِّ الأُمِّيِّ الذِي يُومِنُ بالله وكَلِمَاتِهِ واتّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}(الأعراف : 158).

هذه النصوص كلها وغيرها كثير تؤكّد عمومية الرسالة الخاتمة، ودلالتُها على صِدْق هذه الصفة المميّزة للرسالة والنبوة الخاتمة يتمثل في نقطتين بارزتين :

أ- الواقع التاريخي -قبل الاسلام- يشهد بانعدام هذه الصفة فيمن سبق محمداً صلى الله عليه وسلم، فلم يثبُتْ لرسولٍ أن ادّعَى هذه الصفة.

ب- الواقع التاريخي -بعد الاسلام- فلم نسمعْ ولم يسمع أحدٌ ممن كانوا ينتظرون، أن رسولا قد ظهر حقا وصدقا، منذ البعثة المحمدية إلى الآن، فعدم ظهور هذا الرسول خلال هذه الفترة الطويلة -أكثر من أربعة عشر قرنا- دليل على أن الرسالة قد ختمت وأن النبوة قد ختمت، كما هو دليل على أن الذي ختمها هو محمد صلى الله عليه وسلم.

وهناك نعوت وصفات أخرى، أشير إلى واحدة منها أسْلَم بتحقُّقها واحدٌ من اليهود الذين هداهم الله تعالى للحق فكانوا خَيْر مُقرٍّ ومعترف بالنبوة الخاتمة، وخير شاهد على صدقها، هذه الصفة هي -كما وردت في الحديث- >ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يفعو ويغفر<(2)، واليهودي الذي أسلم هو : “زَيْد بنُ سَعْيَةٌ أو سعنة” فقد جاء في دلائل أبي نعيم عن عبد الله بن سلام قال : إن الله تعالى لمَّا أرادَ هُدَى زيد بن سعية، قال زيدٌ : لمْ يَبْقَ شيء من علاماتِ النبوُّة إلا وقَدْ عَرَفْتُهَا في وجه محمد صلى الله عليه وسلم حين نظرْتُ إليه إلا اثْنَتَيْن، لمْ أخبُرْهُما منه : يَسْبِقُ حِلمُه جَهْلَه، ولا يزيدُه شِدَّةُ الجَهْلِ إلا حِلْماً.

قال : فكنتُ أتَلَطَّفُ له لأن أخالِطَهُ فأعْرف حلمه وجهله، فذَكَر قِصَّة إسْلاَفِه للنبي صلى الله عليه وسلم مَالاً في ثمَرِه. قال : فلما حَلَّ الأجَلُ أتيْتُه، فأخذْتُ بمجامع قَمِيصِه ورِدَائه -وهو في جنازة مع أصحابه- ونظرتُ إليه بوجه غليظ، وقلت : يا محمدُ ألا تَقْضِيني حَقِّي؟ فوالله ما علمتُكم بَني عبد المطلب لمُطْلٌ -تماطلون-؟؟!. قال : فنظر إليَّ عُمَر -وعيْنَاهُ تدوران في وجْهِهِ كالفَلَك المُسْتدِير-، ثم قال : ياعَدُوَّ الله أتقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما أسمعُ، وتفْعَلُ ما أرى؟! فوالذي بعثه الحق لَوْلاَ ما أُحاذِرُ لَوْمَه لضربتُ بسيْفي رأسك. ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينْظُر إلى عُمَر في سُكونٍ وتُؤَدَةٍ وتبسُّمٍ، ثم قال : >أنَا وَهُوَ كُنَّا أحْوَجَ إلى غَيْر هذا منك يا عُمَر، أنْ تأْمُرَنِي يِحُسْنِ الأَدَاءِ، وتأمُرَهُ بحُسْنِ اتِّبَاعِهِ، اذْهَبْ بِهِ يا عُمَرُ فَاقْضِهِ حَقَّهُ، وزِدْهُ عِشْرِينَ صَاعاً مِنْ تَمْرٍ< فأسلم زيد بنُ سْعية رضي الله عنه وشهد بقية المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوفي عام تبوك رحمه الله تعالى(3).

ذ. المفضل فلواتي

———-

1- ابن كثير :  159/2.    //  2- سيرة ابن كثير : 227/1.

3- السيرة النبوية لابن كثير296/1، وانظر الروض الأنف للسهيلي 248/1، وفي روايته أنه جاء يتقاضى الرسول صلى الله عليه وسلم دينه قَبْل الأجل، وفيها >وزده عشرين صاعاً بما روَّعْته< وذلك هو الأنّسب.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>