جاء في الحديث النبوي الشريف : إنه بمجيء رمضان تصفد الشياطين، وتُمنع من إغواء الناس وتضليلهم، والشياطين نوعان، شياطين إنسية، وشياطين جنية، قال تعالى : {وكذلك جعلنا لكل نبيء عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً} وتقديم ذكر شياطين الإنس في الآية على شياطين الجن، يفيد خطورة شياطين الإنس ودورهم في إفساد الناس في دينهم بالخصوص، لأن الإنسي عن الإنسي أفهم، ولَهُ أشكل، وقد نقل ابن كثير حديثا عن أبي ذر سأل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا ذر قائلا : >هل تعوذت بالله من شياطين الإنس والجن؟ فقال أبو ذر : لا يا رسول الله، وهل للإنس من شياطين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم هم شر من شياطين الجن<.
وشر شياطين الإنس وإضلالهم للناس يأتي من عدة وجوه، وأبرز وجه هو ما ورد في الآية السابقة {زخرف القول غروراً} ومعناهُ كما قال ابن كثير >يلقي بعضهم إلى بعض القول المزيف المزخرف الذي يغتر سامعه من الجهلة بأمره<.
والمتأمل لواقعنا يجد أن شياطين الإنس تنشط بشكل فعال في هذا الشهر الكريم، ذلك أنه إذا كانت شياطين الجن تصفد، مصداقا للحديث الشريف، فإن بعض شياطين الإنس تأخذ المبادرة في الإغواء والإضلال، نقل البغوي في تفسيره : “أن الشيطان الجني إذا أعياه المومن وعجز عن إغوائه ذهب إلى متمرد من الإنس وهو شيطان الإنس فأغواه بالمومن ليفتنه<.
إضلال شياطين الإنس لبني جلدتهم من الإنس، يتَجلى في عدة مظاهر، وإن كان أبرز مظهرٍ له ما تفرزه بعض وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة على حد سواء، فـ”السهرات الرمضانية” والمسابقات والأفلام والمسلسلات والفكاهات وما إلى ذلك مما يثير الضحك والغرائز ويبعد عن ذكر الله وعن الصلاة ويلهي عن ذلك، ويدفع إلى الفساد والموبقات، يدخل كل هذا في الإيحاء بزخرف القول والصورة، وكأن شهر رمضان ليس شهر العبادة والعمل والتقرب إلى الله، وليس شهر التوبة والإنابة إلى الله، وأدهى من هذا أن بعض وسائل الإعلام المكتوبة تحرّض على من يدعو إلى التوبة والإنابة إلى الخالق عز وجل، كما شأن جريدة “الأحداث المغربية” التي تضع في عناوين بارزة على الصفحة الأولى، بأنّ الأئمة، في مساجد كذا أو في مدينة كذا يفرقون بين الرجل والمرأة، وبين الطفل والطفلة.. نعم هكذا.. سبحان الله، ما أشبه الليلة بالبارحة، إنها نفس التهمة التي اتهم بها الرسول الأكرم صلوات الله وسلامه عليه بأنه ساحر يفرق بين المرء وزوجه وبين الأب وابْنته… أليس هؤلاء هم شياطين الإنس الذين يزخرفون القول، ويمنعون الدعاة و الوعاظ من أداء واجبهم..
وقد تتصدى شياطين الإنس للناس بمنعهم من الصلاة عن أوقاتها، أو بمنعهم من أداء صلاة الجمعة، كما هو الحال في عدد من المؤسسات التعليمية،التي ألزمت المدرسين بالدخول إلى الأقسام يوم الجمعة على الساعة الثانية عشرة والنصف أي وقت صلاة الجمعة بالذات. وبذلك لا المدرسون يؤدون صلاة الجمعة ولا التلاميذ. ولما احتج بعض المدرسين أمام أحد المديرين، قال له المدير بكل سخرية : إن العمل عبادة، سبحان الله ما أسهل الافتاء في أمور الدين، وما أسهل أن يكون الإنسان جنديا يضل النّاس ويدفعهم عن الابتعاد عن الله، إن هؤلاء الشياطين من الإنس ينبغي أن يصفَّدُوا لا في رمضان فحسب ولكن في سائر الأيام، وإن كانوا في رمضان يزداد سعارهم حينما يرون المؤمنين من عامة الشعب المغربي يعمرون المساجد بالليل والنهار، ويقبلون على العبادات، والشياطين لا تقبل بذلك ولا ترضاه..
> د. عبد الرحيم بالحاج