القرآن العظيم مليئ بالأدلة على البعث
هناك في القرآن أدلة كثيرة على إمكانية البعث ووجود البعث وإعادة الحياة، من ذلك قول الله تعالى : {ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون}(الروم : 19)، ثم يقول سبحانه في نفس السورة : {وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه}(الروم : 26).
قال النورسي وقد مثل حياة الانسان بحياة الحبة حبة قمح :
إن حبة القمح تشبه الانسان فهي تدفن كما يدفن الانسان فتتنزل الأمطار فيصيبها التفسخ والتحلل والتعفن. فالانسان كذلك يتفسخ في قبره.
هذه الحبة بعد تعفنها تقيم في جوف الأرض زمنا معينا فيأذن الله تعالى فتخرج نبتة صغيرة تتقوى أغصانها وتنبت سنابل وتصير الحبة الواحدة سبع مئة حبة. أي تخرج حبوبا وتصير سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة. إذن فبعد ممات الحبة عادت إلى الحياة وكثرت وكثرت حتى أعطت 700 حبة. والسؤال الذي يطرح هو: هل كان جسم الحبة الصغير متسعا لحمل 700 حبة فمن أين جاءت كل هاته الحبات؟؟
حبة القمح تحمل مشروع حياة جديد، كذلك الإنسان يحمل مشروع
الحياة الأخروية
كانت هاته الحبة مشروع حياة جديدة, فانبثقت هذه الحياة بشكل أقوى وأجلى وأوضح, وصارت تغذي الناس, فموتها الدي سميناه موتا لم يكن كذلك، إنما هو علة وتفسخ وليس نهاية.
هاته الحبة تطحن وتصير طحينا ويأكلها الانسان وتصير له غذاءا, وتخالط جسده ودمه, وتزوده بالقوة وتُبنى منها خلاياه وتصير جزءا من لحمه ودماغه وقلبه، وصارت لها حياة جديدة في جسم الإنسان، فهي الآن تعيش وتفكر وتتحرك وتجادل.
والانسان كذلك إن لم يمُتْ لم يَعِشْ ولم يَحْيَ حياةً جديدة.. حياةً أنبلَ وأشْرف… ليعيش مع من؟ ليعيش مع الأنبياء والصديقين وليشرف برؤية الله. إذن فالحياة الثانية أشرف بكثير من الحياة الأولى. فلماذا يبكي الإنسان على أخيه إذا مات؟
إنه يعتبره بأنه انتهى مع أن موته ليس إلا عبور قنطرة، وارتحالاً إلى حياة جديدة سعيدة -طبعا- إن كان الانسان قد استعد لها. وإلا -لا قدّر الله- انتقل إلى حياة الشقاء.
إذن فالناس لايموتون، ولكن يُنْقَلون ويغيرون مواقعهم من حياة فيها الحسد والحقد والآثام والذنوب إلى حياة أفضل، وولادة أشرف – الحياة الأخروية- ولكن الانسان بطبعه لايفكر في هذه النقلة، وإنما يريد أن يعمر، وان يجمع كثيرا، ويظلم ويسرق فتفسد حياته لتعلقه الشديد بهذه الأرض. {وإنّ الدار الآخرة لهي الحيوان لَوْ كَانوا يعلمون}(العنكبوت : 64).
دراسة مظاهر الكون دراسة إيمانية توصل إلى العلم اليقيني بالبعث
وللذين يستبعدون بعث الانسان نقول: إن ما في الكون من مظاهر يجب أن يدرس دراسة إيمانية ليقوم إيماننا بالبعث على العلم اليقيني، وبذلك نطمئن الاطمئنان الكامل للانتقال للحياة الأخرى بشوق للقاء الله تعالى وأحِبَّتِه.
فكيف تفسر أن الانسان يسرق ويظلم ويُفسد؟؟ لأنه يشك في وجود البعث والقيامة، فلو كان متيقنا تمام اليقين بالبعث ما ظلم، وما سرق، وما فسد وأفسد، والكلام هنا ليس مع الكفار المنكرين للبعث صراحة ولكن من يسمون أنفسهم المسلمين. فهناك من يصلي احتياطا ويصوم احتياطا، ويزكي احتياطاوو… ليس هذا هو اليقين المطلوب من المسلم الحق {والذين يومنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون}(البقرة : 4)، فلو شك المسلم في وجود البعث ما صح له عمل بل كان هباء. كيف نفسر الظلم المنتشر؟ فلو اعتقد الانسان انه سيواجه الله عز وجل فهل يستطيع أن يظلم؟ إنما هو يقول : ممكن، وليس هناك مواجهة يقينية، ففي المحاكم أو بعض المجالس العليا خاصة نجد حوالي 90000 قضية, إذا فرضنا أن كل قضية فيها فقط طرفان فنصفهم ظالمون, لانقول مغفلون أبدا، فنصفهم يريد الحرام قطعا، فهل هؤلاء موقنون بالبعث؟؟.
مثال صارخ على انعدام الإيمان
اليقيني بالبعث
انظر إلى مسألة الكراء : المكتري إذا اراد أن يخرج من دار الكراء يستدعي صاحب الدار ليتفاهم معه, وهل في الكراء تفاهم؟ فبأي حق يسكن المكتري في الدار وعند المغادرة يطلب منه النقود، فهذا لم يكن لا عند النصارى، ولا اليهود ولا المشركين. ولكنه عند المسلمين الذين يعتقدون أنهم سيدخلون الجنة من بابها الخلفي… والسارق والمسروق يلتقون في الطواف والكل متيقن من المغفرة… فمن أين جاء للسارق والظالم الضمان بدخول الجنة؟!
الإيمان اليقيني بالبعث
هو الذي يصنع العجائب
إن منشا الخير كله هو الإيمان باليوم الآخر. وعظمتنا ورفعتنا في الدنيا تكمن في الإيمان باليوم الآخر.
الإيمان باليوم الآخر هو الذي يجعل الانسان يقوم من فراشه بالليل ليسجد لله تعالى… ويجعل الانسان يقوم بحقوق الله، ويجعل الانسان ثابتا على الصراط المستقيم.
الإيمان يصنع العجائب كيف تفسرون أن 120 شخصا من الشيشان يرعبون دولة عظيمة ويكبدونها الخسائر صباحا ومساءا، ولا تقدر عليهم رغم دباباتها وقنابلها. لو كان الشيشان غير مسلمين لتغنى العالم بهم وبعظمتهم ولكنهم في الملإ الأعلى وعند المسلمين غير منسيِّين.
والسر في ذلك الذي لم يعلمه الغرب يكمن في أن الشيشان باعوا أنفسهم لله تعالى وأنهم يحبون الآخرة كما يحب الروس الدنيا وأن لهم اعتزازاً عظيماً بهذا الدين. وقِسْ عليهم كل المجاهدين في كل مكان.
إننا نرى الأمة ترتفع إذا ارتفع إيمان أفرادها باليوم الآخر وتنخفض وتذل إذا انخفض إيمانها باليوم الآخر.
نحن نجهل الكثير من الشعوب الإسلامية, فإن المسلمين في الصين وفي دول آسيا معتزون بدينهم حتى أن رقصاتهم فيها تكبير الله تعالى رقصات لم يستوردوها من آسيا. فكم من شعوب تكبر الله تعالى في العالم و الأمة العالمة من المسلمين غافلة عنهم؟؟.
د. مصطفى بنحمزة