لعله كان أسود وأثقل وأطول عام مر على الولايات المتحدة الأمريكية خلال تاريخها كله.. ذلك العام الذي بدأ في الحادي عشر من سبتمبر /أيلول عام 2001.
ففي هذا اليوم تم إسقاط الهيبة الأمريكية وتمريغ أنف أكبر قوة عظمى في التاريخ في التراب، تلك الأنف التي عادة ما تحشر نفسها في كل شيء على كوكبنا الأرضي.
ولم تتخيل الولايات المتحدة أنها كان يمكن أن يحدث لها ما حدث ،فصبت جام غضبها على أفغانستان ،التي تستضيف تنظيم القاعدة وتحكمها حركة طالبان بتحديها للطموح الأمريكي واستعصائها على التطويع .
وتحركت الترسانة الأمريكية لتدك ذلك البلد الفقير، بحجة أن أسامة بن لادن ،المتهم بالتفجيرات،يختبئ به.
وبعد عام من هذه الحرب الشرسة .. ماذا حدث في أفغانستان؟ وهل حققت الولايات المتحدة أهدافها من هذه الحرب ؟ وهل انكسر أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة؟
المعلوم للقاصي والداني أن أمريكا لم تحقق في هذه الحملة إلا الفشل الذريع ، فلم تنجح في اعتقال أسامة بن لادن وها هي صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية تؤكد أن عناصر تنظيم القاعدة بدءوا يعودون ويتجمعون من جديد في أفغانستان .
والمصادر الأمريكية نفسها تؤكد أن عناصر القاعدة الذين توجهوا إلى باكستان بدءوا مؤخرا في عملية إعادة تجميع عناصر الشبكة والعودة إلى الأراضي الأفغانية بعد أقل من عام على الحملة العسكرية الأمريكية .
ويؤكد المسئولون أن حركة عودة عناصر تنظيم القاعدة إلى أفغانستان محدودة نسبيا وأن رحلة العودة تتم في صورة مجموعات صغيرة.
ويعتقد مسئولون أمريكيون أن الجزء الأكبر من عناصر “القاعدة” يتركز في أفغانستان وباكستان وان التدفق الأخير لعناصرها باتجاه أفغانستان ينذر بمخاطر جديدة ، كما يعتقدون أن عناصر القاعدة كانت وراء شن سلسلة من الهجمات ضد القوات الأمريكية في أفغانستان خلال الأسابيع الأخيرة وربما تكون ضالعة في محاولة اغتيال الرئيس الأفغاني حامد قرضاي وانفجار السيارة المفخخة في كابل منذ أسابيع.
وفيما تمكنت القوة العسكرية الأمريكية من تدمير معسكرات التدريب التابعة للقاعدة في أفغانستان عقب هجمات 11 سبتمبر الماضي، فإن تنظيم القاعدة تكيف مع الأوضاع الجديدة ويبدو أنه يعمل على تحويل نفسه إلى قوة أكثر حركة ومرونة ومراوغة مقارنة بالسابق ، ويرى بعض المحللين أن أسامة بن لادن نجح في بناء منظمة قادرة على التغير والتكيف مع الخسائر التي تعرضت لها بنياتها التحتية.
وفي إطار حالة عدم الاستقرار التي يعيشها نظام قرضاي – المدعوم أمريكياً -أعلن زعيم الحرب الأفغاني بادشاه خان زدران أنه سيشن هجوما كبيرا على مدينة خوست لاستعادتها من أيدي القوات الحكومية، داعيا الأهالي إلى إخلائها حتى لا يتعرضوا للأخطار.
يشار إلى أن زدران يعتبر حليفا محليا قويا للولايات المتحدة في تعقبها لمقاتلي تنظيم القاعدة وحركة طالبان منذ هجمات 11 سبتمبر/ أيلول على نيويورك وواشنطن.
وكانت كابل تعهدت الشهر الماضي بقمع زدران بعد أن نظم احتجاجات في خوست ضد الحكومة المركزية. وكان هذا الزعيم المحلي قد أقصي من منصبه كحاكم لولاية بكتيا في فبراير/ شباط الماضي وقام بقصف غرديز عاصمة الولاية بالصواريخ في مايو/ أيار الماضي مما أسفر عن مقتل أكثر من 30 شخصا.
وظهور زردان وتهديده خوست يؤكد أن القلاقل يمكن أن تنشأ من جديد وأن الأبواب قد تفتح ذات يوم لعودة طالبان مرة أخرى لقيادة أفغانستان ، خاصة وأن المؤشرات كلها تؤكد أن الحركة مازالت تحتفظ بكوادرها ومعظم أسلحتها وأنها أجادت الاختباء حتى تتغير الظروف.
تفنيد المزاعم الأمريكية
بعد ساعات من بدء القصف لأفغانستان، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية في الثامن من أكتوبر 2001م أن الانتقام مما جرى في الحادي عشر من سبتمبر هو أول أسباب تلك العمليات، وأن هذا هو العقاب الذي هدَّدت به طالبان أكثر من مرة ولم تأبه، وكان هذا هو أول إعلان رسمي عن أهداف الحرب التي شنتها أمريكا في أفغانستان وهي : أولاً القبض على أسامة بن لادن باعتباره المشتبه به الرئيسي في عمليات التفجير،وثانياً تدمير معسكرات ومراكز تنظيم “القاعدة” التابع لابن لادن في أفغانستان، ثم ثالثاً إنهاء سيطرة نظام حكم حركة طالبان في أفغانستان، وإحلال نظام آخر محله يكون أكثر تواؤمًا مع المجتمع الدولي.
وكشأن أي عمل عسكري، بغضِّ النظر عن حجمه، أو طبيعة الأهداف المرجوة منه، فإن الحكم بنجاح أو فشل هذا العمل يكون بالقياس إلى تلك الأهداف، وتحديد ما تحقق منها نسبة إلى ما لم يتحقق.
أما الهدف الأول وهو القبض على ابن لادن أو قتله، فهو يدل ببساطة أن الجانب العسكري من الحملة الأمريكية قد فشل حتى الآن في تحقيق هذا الهدف.
وصعوبة القبض على ابن لادن كبيرة للغاية فعلاً، ولم تكن يومًا بالسهولة التي تصوَّرها الأمريكيون أو حاولوا تصويرها للعالم، فبعد شهور طويلة حافلة بنشاط مكثَّف للقوات الخاصة الأمريكية، لا توجد أية دلائل على قرب القبض على ابن لادن، بل لم تتمكن واشنطن من الإيقاع بأي من رفاقه أو أتباعه، ما يعني أنه هو ذاته أبعد ما يكون عن أيدي الأمريكيين .
تدمير “القاعدة”.. تم شكليًّا
ولا يختلف الأمر كثيرًا بالنسبة إلى الهدف الثاني، وهو تدمير معسكرات ومراكز تنظيم “القاعدة” التابع لابن لادن، فقد نجحت العملية العسكرية الأمريكية من خلال القصف العنيف المستمر في دكِّ هذه المعسكرات وغيرها من المواقع، لكن الثابت أيضًا وفقًا للوثائق الأمريكية والبريطانية ذاتها أن تلك المعسكرات لم تَعُد مستخدمة منذ قامت واشنطن بقصفها قبل أربعة أعوام، وأن “القاعدة” غيرت أماكن معسكرات التدريب الحقيقية منذ ذلك الحين، وبعض هذه المعسكرات فقط كان مؤهلاً ليستخدم كمخازن، أو لاستقبال مقاتلي “القاعدة” الجدد، أي استخدامات إجرائية وإدارية، وليست فنية أو عسكرية، فضلاً عن توظيفها كهياكل خداعية أمام أي طرف يفكِّر في ضرب مراكز “القاعدة” الحقيقية، وكان أمام ابن لادن والتنظيم متسع من الوقت – منذ تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر وتوجيه واشنطن أصابع الاتهام له – كي يجعل من تلك المعسكرات أهدافًا وهمية تستنفد قنابل وصواريخ واشنطن، من هنا فإن هدف تدمير معسكرات “القاعدة” قد تحقق بالفعل، لكن بصورة شكلية غير مجدية.
أما القضاء على طالبان ،وهو الهدف الأمريكي الثالث، فهو الأمل الذي لم تحقق واشنطن منه شيئا.
عمامة أفغانية وبرنامج أمريكي
تولى الباشتوني “حامد كرضاي” إدارة الحكومة الأفغانية المؤقتة يوم 22 ديسمبر 2001، وسط أجواء مشحونة داخليًّا وخارجيًّا وهواجس من أن تلعب واشنطن دورا في تحريك زمامها. وجاء تولي هذه الحكومة المشكَّلة من 28 وزيرا، -والتي تولت السلطة مؤقتًا خلال الستة أشهر التالية- وفقا لقرارات مؤتمر بون؛ ليفتح الباب حول مستقبل أفغانستان بعد سقوط طالبان في ظل الخلافات بين القبائل المختلفة.
وقد تمت هذه التشكيلة بالتفاهم بين التحالف الشمالي وأمريكا؛ حيث إن أغلب أعضاء الإدارة المؤقتة إما أعضاء في التحالف الشمالي أو من حملة الجنسية الأمريكية. وقد أُهملت مجموعات مؤثرة في داخل أفغانستان، وحتى المجموعات المشاركة في المؤتمر لم تكن راضية عن نتائجه!.
وكان من أهم وظائف هذه الإدارة الأساسية بناء أفغانستان، والإعداد لعقد “لويا جركا” -المجلس الوطني الاضطراري- خلال هذه الأشهر الستة، وتم الإعداد له من قِبل لجنة مكونة من واحد وعشرين شخصًا، تم تعيينهم من قِبل الأمم المتحدة وفقًا لشروط خاصة حُدِّدت في اتفاقية بون. وقد نص في الاتفاقية على أن تكون لجنة الإعداد لعقد “لويا جركا” بعيدة عن تأثير الإدارة المؤقتة؛ حيث تتولى الأمم المتحدة مصاريفها وإعداد السكرتارية الخاصة بها. وتنص الاتفاقية على أن الملك المخلوع “محمد ظاهر شاه” سيشارك في أعمال “لويا جركا” مشاركة فعَّالة، ويمكن أن يرأس مجالسه.
وتمت الموافقة من خلال المجلس الوطني الاضطراري على حكومة مؤقتة لمدة سنتين، يتم خلالها الإعداد لعقد انتخابات عامة، والموافقة على دستور لأفغانستان، ومن ثَم تشكيل الحكومة المستقرة فيها.
ومن وظائف الإدارة المؤقتة إعادة تشكيل نظام القضاء والمحاكم حسب المعايير العالمية، وستساعدها الأمم المتحدة في تشكيل الجيش القومي، وتشكيل قوات الأمن والبوليس، وإعادة تشكيل النظام الإداري. ويحق للإدارة المؤقتة -حسب اتفاقية بون- استدعاءقوات الأمن التابعة للأمم المتحدة لاستتباب الأمن في أفغانستان.
وقد أثبت قرضاي طوال الفترة التي قضاها في الحكم أنه ممثل ممتاز للمصالح الأمريكية ،ومنفذ متميز لأوامر بوش، وأنه لن يخذل الذين أتوا به على رأس حكومة بديلة لطالبان.
السيد أبو داود
عن موقع محيط