تحليل سياسي : انتخابات 27 شتنبر 2002 : نهاية الأحزاب وعجز الإدارة ولامبالاة المواطنين


1- نهاية الأحزاب :

نهاية الأحزاب هي  الخلاصة الأولى التي يمكن الخروج بها من الانتخابات التشريعية الأخيرة بمختلف مراحلها. النهاية التي لم تكن مفاجئة للمتتبعين، وكان من الممكن أن يكون توقيتها قبل ذلك بعشر سنوات على الأقل لولا ثلاث محطات هامة في التاريخ الحزبي لبلادنا:

- المحطة الأولى :  هي تشكيل الكتلة الوطنية، بين حزب الاستقلال من جهة والأحزاب اليسارية من جهة أخرى بحيث اصبحت هذه الكتلة بديلا عن التشرذم الحزبي وأعطت بعض الأمل في انتقال البلاد إلى الديمقراطية الحقيقية. ولكن هذا ا لأمل سرعان ما تبخر بما أسفرت عنه نتائج انتخابات 1993

- المحطة الثانية: هي رفض هذه الكتلة المشاركة في حكومة يوجد بها ما اصطلح عليه آنذاك بوزراءالسيادة (الخارجية، والداخلية، والعدل، والأوقاف)،مما أدى إلى مراجعة الدستور في سنة 1996 وتنظيم انتخابات سابقة لأوانها في سنة 1997، ما سجل كنصر للكتلة بحيث تمت الاستجابة لبعض مطالبها في المراجعة الدستورية وفي إجراء الانتخابات المبكرة

- المحطة الثالثة : هي دخول التيار الإسلامي ولأول مرة في العمل ا لسياسي الرسمي من خلال مشاركة حزب العدالة والتنمية في انتخابات 1997، وأدائه المميز داخل قبة البرلمان سواء في مرحلة المساندة النقدية أو في مرحلة المعارضة الناصحة فيما بعد.بالإضافة إلى فعله السياسي على مستوى الشارع، خصوصا نجاحه في مقاومة ما سمي بخطة إدماج المرأة في التنمية ومقاومته للتطبيع مع الكيان الصهيوني.

فوجود الإسلاميين في البرلمان، هو الذي أعطى فعلا بعض الحياة للفعل السياسي الرسمي أمام ضعف المعارضة الحديثة التي تشكلت من أحزاب الداخلية المكونة في غالبيتها من رجال الأعمال وأصحاب ا لمصالح والنفوذ وليس من السياسيين. وهذا ما يفسر خسارتها الكبيرة في هذه الانتخابات.

أسباب ضعف الأحزاب :

ويمكن إرجاع ضعف الأحزاب إلى مجموعتين من العوامل: ذاتية وموضوعية.

فالعوامل الذاتية تمثلت في الآتي :

- كثرة انشقاقاتها الناتجة عن غياب الحوار الديمقراطي الداخلي.

- طغيان حب الزعامة وعدم تشبيب القيادة

- عدم مواكبة خطابها ومسايرته للتحولات التي عرفها المجتمع المغربي، فبعضها ظل يستخدم خطاب الأربعينات والخمسينات حيث كانت وجهة الشعب واحدة وهي التحرر من ربقة الاستعمار الكافر، والبعض الآخر استمر في خطاب الستينات حيث كانت أغلبية الشعب من الأميين  وتعيش في الأرياف.

- عدم تطويرها لأنشطتها ووسائلها، حيث ظل العمل الحزبي عملاً موسمياً مرتبطاً بفترة الانتخابات، كما أنها لم تقم بإنشاء مؤسسات جديدة ومراكز للدراسات والأبحاث في مختلف المجالات ومعاهد التكوين الحزبي.. فالمؤسسات الحزبية أصبحت نمطية، بحيث جميع الأحزاب تتوفر على نفس  المؤسسات وهي كالآتي : صحيفة الحزب، شبيبة الحزب، منظمة نسائية تابعة للحزب، نقابة الحزب، ومقرات الحزب التي لاتنشط سوى في المواسم الانتخابية.

أما العوامل الموضوعية فتمثلت في الآتي :

- التضييق والملاحقة والاختراق من طرف السلطة والأجهزة الأمنية.

- اندحار الإيديولوجيات الوضعية خصوصا الفكر الماركسي.

- ظهور الصحوة الاسلامية وتوسعها  السريع في أوساط النخبة والجماهير على حد سواء.

- وقوع بعض الأحداث والمحطات التاريخية الهامة خارج الوطن والتي كان لها تأثير كبيرعلى الشعب المغربي.  نذكر منها: هزيمة 67، إحراق المسجد الأقصى في 69.  الانتصار المحدود في رمضان 73، الثورة الإيرانية، الجهاد الأفغاني، المقاومة الإسلامية في جنوب لبنان، الانتفاضة الفلسطينية المباركة، الانقلاب على الديمقراطية في ا لجزائر، حرب الخليج  الثانية، مآسي المسلمين في البوسنة والهرسك وكوسوفا والشيشان…

مظاهر ضعف  الأحزاب في انتخابات 2002.

وفيما يلي مظاهر الضعف الكبير التي برزت على الأحزاب في انتخابات 2002 :

أ- البرامج : الملاحظة العامة على البرامج التي قدمتها الأحزاب في حملتها الانتخابية تكاد تكون واحدة، سواء الأحزاب التي توجد في الحكومة أو التي في المعارضة أو الجديدة، ومرد ذلك إلى افتقارها لصناع الأفكار وللمؤسسات العلمية.

ب- الدعاية الانتخابية : لقد أجمع الكل على أن هذه الانتخابات مرت باردة جدا مقارنة مع سابقاتها، بحيث اختفت تقريبا المسيرات والتجمعات الجماهيرية والزيارات الميدانية للمرشحين، كما سجل شح كبير في توزيع المنشورات، فكل المنازل لم تتوصل بجميع منشورات المرشحين، بل حتى الجدران ا لمخصصة للملصقات ظلت فارغة تقريبا، بحيث لم يتعرف الناخبون على كل اللوائح المرشحة. والسبب في ذاك يرجع لعدم توفر الأحزاب على قواعد ومناضلين يقومون بهذه المهام، بل إن بعض الأحزاب  اعتمدت بالكامل تقريبا على توظيف الشباب العاطل الساخط أصلا على الأحزاب. ويمكن إضافة سبب آخر هو شساعة الدوائر الانتخابية، والغريب في الأمر أن الأحزاب كانت تطالب باللوائح الجهوية بدل الإقليمية أو المحلية، فكيف كان سيكون الأمر إذا استجابت الحكومة لهذا المطلب.

جـ- النتائج : أبرزت النتائج عن عدم وجود أحزاب كبيرة التي يمكن أن تحصد ربع المقاعد على الأقل، وعدم توفرها على ناخبين قارين كمنتمين أو متعاطفين، فالأرقام تتفاوت تفاوتا كبيرا بين محطة انتخابية وأخرى.

2- عجز الإدارة :

هذا العجز تجلى على كل المستويات ولكن بالأخص على مستويين اثنين :

- على مستوى إعداد لوائح وبطاقات الانتخاب : فلقد لوحظ أن عددا كبيرا من المواطنين الذين تقدموا بطلبات لتسجيلهم في اللوائح الانتخابية خصوصا أولائك الذين بلغوا سن الانتخاب والذين غيروا أماكن إقامتهم، لم يتم تسجيلهم، وبالتالي حُرموا من التصويت وانضافوا قسرا إلى جيوش الممتنعين والمقاطعين.

- على مستوى الإعلان عن النتائج : فلأول مرة لم يتابع المغاربة النتائج الجزئية خلال سهرة الانتخابات، بل إنها لم تظهر  إلا في اليوم الموالي ليلا بالنسبة للوائح المحلية وبعد ظهر اليوم الثالث بالنسبة للوائح الوطنية. ويبدو أن تعليل هذا التأخير الذي صرح به وزير الداخلية غير مقنع، خصوصا و أنه سخرت لهذه الانتخابات أحدث الوسائل والتقنيات خصوصا شبكة الإنترنيت ا لداخلية.

3- لا مبالاة المواطنين :

وتتجلى هذه اللامبالاة في :

- امتناع عدد كبير من المواطنين الذين تبلغ أعمارهم 20 سنة فأكثر عن التسجيل في اللوائح الانتخابية.

- عدم سحب حوالي 15% من المسجلين لبطائقهم.

- 51.61% من المسجلين هم الذين شاركوا في التصويت.

- 15.55% من الأصوات كانت لاغية بالنسبة للوائح المحلية و17.5% بالنسبة للوائح الوطنية.

وفي المجموع، فإن 6 ملايين من أصل 16 مليون من المو اطنين الذين يحق لهم التصويت، أي 37.5% فقط، هم الذين أدلوا بأصواتهم، 10 ملايين قاطعوا وامتنعوا عن التصويت بشكل من الأشكال. وهذه اللامبالاة ترجع بالأساس إلى عدم الثقة في نزاهة الانتخابات ونزاهة المرشحين، فالشعب لدغ من جحر الانتخابات في كل ا لمرات وليس مرتين فقط.

ذ أحمد الفيلالي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>