قال تعالى : {وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع}(سورة غافر).
يوم الآزفة هو يوم الرجوع إلى الله تعالى، حيث {تجد كل نفس ماعملت من خير محضرا، وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا}”، إنه يوم الثواب والعقاب. فيه يجزى الذين أساءوا بما عملوا ويجزى الذين أحسنوا بالحسنى . كل نفس يومئذ بما كسبت رهينة. لا الوالد يحنو على ولده، ولا الولد ينفع أباه {يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لايجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا، إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولايغرنكم بالله الغرور} (لقمان : 33). يوم ترى الناس فيه سكارى وماهم بسكارى، ولكن عذاب الله شديد، يوم عسير غير يسير، يَجعل الولدان شيبا السماء منفطر به.
ماأ صعبه وما أشده من يوم مقداره خمسون ألف سنة، تدنو فيه الشمس من رؤوس الخلائق حتى ما يكون بينها وبينهم إلا مقدار ميل، الكل فيه في شدة، والجميع أمام رب العالمين سواء، الملوك والرؤساء والأمراء وأصحاب العظمة والفخامة والجلالة والمهابة… والأغنياء والأبطال والنجوم… والفقراء والضعفاء والعبيد في صعيد واحد، حفاة عراة كما ولدتهم أمهاتهم، ينتظرون المصير إما إلى الجنة وإما إلى النار، فقد انتهت الفوارق المصطنعة. وزالت الألقاب الكاذبة، وقيل لكل فرد فرد{ اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا}، {ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه، ويقولون ياويلتنا مال هذا الكتاب لايغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ماعملوا حاضرا ولايظلم ربك أحدا} (الكهف : 49)، {فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه إني ظننت أني ملاق حسابيه فهو في عيشة راضية في جنة عالية قطوفها دانية كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام ا لخالية، وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول ياليتني لم أوت كتابيه، ولم أدر ما حسابيه ياليتها كانت القاضية ماأغنى عني ماليه، هلك عني سلطانيه} (سورة الحاقة)، {يقول الإنسان يومئذ أين المفر كلا لاوزر إلى ربك يومئذ المستقر} (سورة الانسان).
إنه يوم القيامة، الذي هو أقرب إلى أحدنا من شراك نعله. قال صلى الله عليه وسلم : >بعثت أنا والساعة كهاتين< وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى. والله الذي لا إلاه إلاهو ما هي إلا لحظات قليلة ونصبح في عداد الموتى، وتقوم القيامة، ويقف الناس للحساب بين يدي رب العالمين.
ودقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثوان
فياأيها المغرورون، ويا أيها المخدوعون، ويا أصحاب الآمال الكبيرة، والأطماع العريضة لقد أزفت الآزفة، ليس لها من دون الله كاشفة، وأيم الله لقد أزفت القارعة، واقتربت الطامة، وأتت الحاقة والصاخة، وآن أوان الواقعة { اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون} فكيف الرجوع إلى الملك العلام؟ وكيف القدوم على الواحد الديان؟ وكيف الوقوف بين يدي الله، يومئذ تعرضون لاتخفى منكم خافية؟ وليس ينفع حينها مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
لقد أنذرنا الله تعالى هذا اليوم في كتابه، فقال: {وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين}. ولقد كان لسلفنا مع هذه الآية الكريمة مواقف إيمانية عظيمة، نسجل منها هنا موقفين للعبرة والتذكرة:
1- موقف أبي عبد الله محمد بن أبي حميد العابد :
قال ابن فطيس الفقيه : قام ابن أبي حميد ليلة في سطحه، وأنا أسفل حتى بلغ {وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر} انقطع وقعد، ثم عاد وبكى، فلم يزل ذلك دأبه حتى أصبح<(1)
2- موقف عمرو بن عتبة :
عن هشام صاحب الدستوائي قال : لما مات عمروبن عتبة، دخل بعض أصحابه على أخته فقال: أخبرينا عنه، فقالت: قام ليلة فاستفتح{حم} فأتى على هذه الآية {وأنذرهم يوم الآزفة…} فما جاوزها حتى أصبح<(2)
—–
1- ترتيب المدارك 4/416.
2- صفوة الصفوة 2/41.