توسمات جارحة : النواة الأصل


لا شك أن الحديث عن الأسرة يتميز بالخصوبة والأهمية والخطورة أيضا،بل يمكن اعتباره من الموضوعات الجديدة المتجددة دائما التي خاضت في معتركها كثير من الأقلام الجادة أو المغرضة، كل حسب انتمائه وتوجهاته ومرجعياته .وغني عن القول بأن الأسرة بمفهومها الإسلامي هي المحضن الطبيعي لتنشئة الإنسان الحضاري الفاعل في مجتمعه كلما كان على رأسها من يتلقى هديه من مصدرين أساسيين : الكتاب والسنة، وكان المثل الأعلى لقيادة أسرته وتنميتها في مختلف المجالات هو رسـول الله صلى الله عليه وسلم القائل :”خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي” (أخرجه الترمذي) .كما أن الأسرة هي الأساس الأول أو النواة الطبيعية للبناء الإنساني بما فيه التربية والتوجيه وتسييد فضاءات المودة والرحمة وتنمية العلاقـات الاجتماعية وترشيدهـا  وفق مبادئ وقواعد وقيم يجب أن تقوم على أساسهـا هذه الأسرة، يقول تعالى :”ومِنْ آياتِـهِ أنْ خَلقَ لكُمْ مِن أنفُسِكُمْ أزواجاً لتسكُنوا إليهَـا وجعَلَ بينَكُمْ مودّةً ورحمةً, إنّ في ذلكَ لآياتٍ لقوْمٍ يَتفكَّرونَ” (الروم:21) .وقد ظلت هذه القيم والمبادئ والقواعد راسخة في مجتمعاتنا الإسلامية تقوم على أساسها الأسرة وتتولى تحديد شخصية أفرادها الإنسانية،كما تزرع البذور الأولى لتلقين كيفية السلوك الحضاري وطبيعة العلاقات الاجتماعية والإنسانية عموما . لكن هذه الأسرة أصبحت اليوم في عصرنا الحاضر تتعرض لمحاولات مستمرة لتفكيكها و إسقاطها في المستنقع الذي سقطت فيه الأسرة الغربية حين تحللت من الضوابط الأخلاقية وتحررت من العلاقات الزوجية حتى تكتمل السيطرة التامة على عقل وسلوك الإنسان المسلم، فمع كل إطلالة ليوم جديد يتجدد العمل بأناة وصبر وخبث على خرق النظام الأسري السائد في المجتمعات الإسلامية، المحافظ نسبيا ولو على الحد الأدنى من التساكن بفعل قيم التواد والتراحم التي ما زال متشبثا ببعض تجلياتها . وهذا الخرق المستمر لها واستهدافها بكل الوسائل والمغريات وباسم التحرر والمساواة والحرية الشخصية وغيرها من الأسماء والمصطلحات التي أفرغت من مدلولاتها الحقيقية وشحنت بمدلولات مجتثة الجذور لكي يتم احتواء الأسرة وإسقاطها والإعداد والتهيئة لمرحلة نهاية الأسرة وما يتبع ذلك من التحلل من كل الضوابط الأخلاقية والروابط الزوجية والأسرية والعلاقات الاجتماعية  .ذلك لأن الأسرة بمفهومها الإسلامي تعتبر آخر المعاقل والحصون التي يُنتظر سقوطها وشيكا إذا استمرت سائرة في طريق التمييع والتبعية والأخذ بأسباب ومعطيات التفكك والانهيار .ولا شك أننا نلاحظ آثار التصدع الذي أخذ يصيب البناء الأسري ابتداء من العزوف عن الزواج واستحداث بدائل غير شرعية إلى ارتفاع حالات الطلاق بشكل مهول وما يتبع ذلك من ظلم للمرأة وتشرد للأبناء .ولسنا هنا بصدد إلقاء المسؤولية على من يحاولون الوصول إلى أفضل النتائج في هذا الشأن وتعليق أخطائنا على محاولاتهم، وإنما ندق ناقوس الخطر الذي أصبح يهدد دور الأسرة في مجتمعاتنا ويعمل على تنحيتها عن مكانتها المشكلة لمحور العلاقات الاجتماعية الطبيعية, ونعمل على كشف العلة التي جعلت طريق الاختراق والتفكك سهلا.,وهي لاشك أساس العلل التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه من مهانة وذلة بين الأمم، ألا وهي ضعف الإيمان في نفوسنا،  فلو كان الإنسان قوي الإيمان صحيحه لاستطاع تكوين أسرة سوية قوية تجابه مشكلات الحياة بأسلحة فتاكة لا مجال لقهرها وهي : الاتكال على الله و المعرفة الشرعية السليمة والعمل الصالح من أجل تنمية وضعيتها المادية والمعنوية في مجتمعها وإشاعة الحب الصادق بين أفراد أسرتها،آنذاك لن يستطيع أي شيء أن يفككها أو يخرب مفهومها أو يزحزحها عن خصائصها وقيمها، ولظلت النواة الأصل في البناء الإنساني العاملة على تحديد معالم الشخصية الإنسانية وتشكيل قيمها الفردية والاجتماعية.

< الأديبة  الدكتورة   أم سلمى

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>