جميعنا سمع عن العنصرية الأمريكية في حقبة الستينيات، ولكن مَن سمع عن العنصرية الفرنسية في بداية القرن الحادي والعشرين؟! جمعينا سمع عن الديمقراطية الفرنسية وعن حرية المرأة، ومساواة المرأة بالرجل، ولكن مَن سمع عن الوضع السيئ الذي تعيشه المرأة العربية في فرنسا، واضطهادها في العمل والسكن وفي الحياة العامة؟
تعتبر العنصرية الفرنسية أشد الصعوبات التي تعانيها المرأة العربية المهاجرة رغم حصولها على الجنسية الفرنسية؛ فقد أشار استطلاع للرأي أجرته اللجنة القومية لحقوق الإنسان عام 1999 إلى أن 69% من الشعب الفرنسي يمارس التمييز العنصري ضد الأجانب خاصة النساء، وإلى أن سبعة فرنسيين من كل عشرة أكدوا أنهم مارسوا العنصرية ضد المرأة الأجنبية. كما أكد 61% من المقترعين أن 75% من السكان العرب يتعرضون لتهديدات وأعمال عنف ذات طابع عنصري.
يؤكد “ماليك بوتيح” رئيس جمعية SOS المناهضة للعنصرية في مجلة “هي” مارس 2000 أن العنصرية ضد المرأة انتشرت في جميع المجالات، مثل: التعليم، والوظيفة، والسكن، والحياة اليومية، وفي جميع قطاعات الشعب. كما يؤكد ماليك بوتيح أن البطالة قد ارتفعت وسط النساء من جذور عربية إلى ثلاثة أضعاف؛ فقد ارتفعت من 10% إلى 30%، كما يحظر على النساء السود والعرب تمثيل أدوار تليفزيونية جيدة كشرطية مثلا أو طبيبة؛ “فهناك أدوار للبيض وأدوار للسود”.
فالمرأة الفرنسية ذات الأصول العربية مثلا تحرم من العديد من الوظائف الجيدة رغم حصولها على مؤهلات علمية عالية تتيح لها ذلك، وكما تقول “دورثي ورنر” و”كارولين لورنثت” في مجلة “هي” (مارس 2000): “إن المجتمع الفرنسي يرفض أن تكون المرأة العربية محصلة مالية في شركة، أو تعمل في وظيفة إدارية رفيعة؛ لأنه يراها في صورة خادمة في منزل أوعاملة في بارات أو ملاهٍ ليلية”.
وتقول ياسمين -من أصل جزائري- في مجلة “هي” (مارس 2000): “كنت على وشك سرقة الطعام لأطفالي؛ لأني لم أجد عملا، وحين تقدمت لإحدى الوظائف اشترط مدير الشركة تغيير الاسم من ياسمين إلى كارين، وقد فعلت، ومع ذلك فإنني أعاني من المعاملة السيئة من زميلاتي؛ لأني عربية قذرة -كما يقولون-”.
ويرفض الفرنسيون ديناميكيًا قبول النساء العرب في العمل؛ حيث يؤكد “فريدريك ليبيل” -مسئول مشروع تسهيل العمل للشباب المتعلم- في نفس المصدر السابق أن الديناميكية المرسومة في عقلية أصحاب الشركات هي أن المرأة العربية المسلمة مهملة في عملها؛ لأنها تحب إنجاب كثير من الأطفال خاصة إذا تزوجت رجلا مسلما، وتتعلق كثيرا بأسرتها؛ لذا ينتهي بها الحال للبقاء في المنزل.
وفي مجال السكن ذكرت مجلة “العلوم الإنسانية” في فبراير 1997 أن مجموعة من الدراسات التي أجريت عام 1992 أثبتت وجود ممارسات عنصرية ضد المرأة العربية في مجال السكن؛ فمن الصعب إيجاد شقة تعيش فيها، وهو ما أنتج شعورًا بالظلم وفقدان الثقة في الدولة الفرنسية التي تنادي بمبدأ الحرية والمساواة والإخاء لكل الإنسانية. ويرفض الشعب الفرنسي قبول العرب والسود في مساكنهم، في الوقت الذي تدفع فيه النساء المغاربة والأتراك ثمنا مضاعفًا للسكن فضلا عن المعاملة السيئة من جيرانهن.
وفي النواحي الاجتماعية يعامل المجتمع الفرنسي المرأة العربية بنوع من الاحتقار والحساسية؛ فتقول سكينة في مجلة “هي” (مارس 2000)، وهي متزوجة من رجل أبيض: “كنت الوحيدة السمراء في هذا الحي الراقي، وقد دعيت إلى حضور اجتماع، وقد نظرت إليّ النساء باحتقار لبشرتي السمراء، وعندما أذهب للمدرسة لاصطحاب أطفالي يسألني العامل كأني خادمة جاءت تأخذ أطفال سيدها”. ويصعب على النساء شراء حاجتهن اليومية -كما يقول فريدريك ليبيل- بسببإهانات رجال الإدارة، كما يصعب أن يقف لها تاكسي يقلها حتى نهاية الشارع، فضلا عن تواجد لافتات تقول: “ممنوع تواجد العرب هنا”.
عنصرية داخل وخارج الحدود
وقد امتدت العنصرية الفرنسية إلى حرمان المرأة المسلمة من ارتداء زيها الإسلامي الذي يتمثل في الحجاب، خاصة في المؤسسة التعليمية التي ما زالت تتمسك بالمفهوم الحازم للعلمانية؛ حيث ترى ضرورة التخلص من الإشارات الدينية التي تتعارض مع العلمانية، وذلك ليس في داخل فرنسا فقط وإنما خارجها أيضًا، في الوقت الذي أكد فيه مجلس الدولة عام 1989 أن المظاهر الدينية الإسلامية لا تتناقض مع العلمانية.
مُنعت العديد من الفتيات المسلمات داخل فرنسا من الذهاب إلى مدارسهن بسبب ارتداء الحجاب الإسلامي. كما ذكرت جريدة “لومند دبلوماتيك” 2001 أن مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكي تدخل لدى القنصلية الفرنسية في شيكاغو لصالح امرأة مسلمة ترتدي الحجاب في صورتها الموجودة على جواز سفرها. وفي مصر أيضا منعت المدرسة الفرنسية بالإسكندرية دخول فتاة ترتدي الحجاب للمدرسة رغم صدور حكم قضائي يتيح لها دخول المدرسة، ولكنها العنصرية الفرنسية الممتدة خارج البلاد.
ويرجع تنامي العنصرية إلى القصور في تطبيق القانون رغم تشديد العقوبات ضد كل من يمارس التمييز العنصري. وكما تقول “دورثي ورنر” و”كارولين لورنثت” في مجلة “هي” (مارس 2000): إن مادتي القانون المدني 225-1 و225-2 نصتا بدفع غرامة تقدر بـ200 ألف فرنك فرنسي وقضاء عامين في السجن ضد كل من يمارس التمييز العنصري. ولكن يكمن القصور في صعوبة إحضار الدليل؛ فلا أحد يرفض تعيين موظفين عرب أو تسكينهم بورقة مكتوبة!
الحياة الأسرية للعرب في فرنسا
تميزت المرأة العربية بالخصوبة العالية على عكس النساء ذوات الجذور الأوروبية، كما أشارت مجلة “العلوم الإنسانية” فبراير 1997 إلى أن معدل الإنجاب للمرأة من جذور شمال إفريقية ارتفع من 2-3 أطفال عام 1981 إلى 2-8 أطفال عام 1991، كما ارتفع متوسط عمر الأمومة وأصبح مساويًا مع نظيره عند المرأة الفرنسية.
يفضل المسلمون ارتباط النموذج العائلي الأسري والعدالة بين الرجال والنساء، وإتاحة الحرية للمرأة عند الزواج، وفي الوقت الذي ما زال يفضل الرجل الاحتفاظ بعاداته الشرقية والسيطرة على الأسرة، فإن المرأة تعتبر أكثر انفتاحًا عن الرجل على المجتمع. وتخشى المرأة تأثير الثقافة الفرنسية على أطفالها؛ لذا تقول فاطمة في مجلة “لونوفيل أبزرفاتور” 22-28 فبراير 1996: “نحن الآباء نشاهد القنوات الفضائية المغربية والجزائرية والمصرية، بينما يفضل أطفالنا مشاهدة القنوات الفرنسية”. وتضيف سامية من أصل تونسي: “إن أطفالنا هم أطفال فرنسا، ورغم أن هؤلاء الأطفال مسلمون ويحافظون على الشعائر الدينية فإنهم يفضلون الثقافة الفرنسية، كما أصبح التحدث باللغة العربية في المنزل فقط”.
وتزايدت أنشطة المرأة المغربية في النواحي الاجتماعية خلال العشرين عامًا الأخيرة، كما تشير مجلة العلوم الإنسانية فبراير 1997 إلى أن أنشطة المرأة المغربية ارتفعت من 8.4% إلى 36.6%.
وفي مجال الشعائر الدينية تحافظ المرأة العربية على الصلاة والصوم خاصة في رمضان، وغالبًا تذهب لصلاة الجمعة والعيد بصحبة أسرتها. وكما تؤكد مجلة “لونوفيل أبزرفاتور” أن النساء يصلين في زوايا خاصة بهن في المسجد أو خلف الرجال، كما يحافظن على حضور محاضرات تفسير القرآن الكريم والأحاديث في المسجد. كذلك تكثر المنازل النسائية التي تقدم النصائح الدينية والتربوية والقضائية والعلاجية للنساء المسلمات. ويعتبر أشهر هذه المنازل “منزل ماليكه” الذي نشأ عام 1993، وتجتمع فيه النساء المسلمات بهدف التساؤل حول فقه الصيام وتقديم النصائح المختلفة.
قانون الأحوال الشخصية
منذ أن بدأت الدولة الفرنسية محاولاتها في إدماج المهاجرين العرب في هويتها القومية برز قانون الأحوال الشخصية الخاص بتنظيم العلاقات الأسرية والمدنية للمسلمين في فرنسا، وتم تحديد هذا القانون حسب دستور 1958 في المادة 75 التي تنص على “أن مواطني الجمهورية المسلمين الذين هم من جذور مصرية يتبعون القانون المصري، مع تدخل قليل من القانون المدني العام بهدف الدفاع عن حقوق النساء والمساواة”.
وقبل إقرار هذا القانون اتبع القضاء الفرنسي تطبيق نظام “حالة بحالة” -كما تقول سعيدة راحال في مجلة كانترا 1995- بهدف حل الصراعات الأسرية دون أن يكون هذا الحل متفقا مع بلد المنشأ. وعند النظر إلى هذا القانون فإننا ندرك عدم المساواة بين المرأة من أصل فرنسي والأخرى ذات الأصل العربي.
الطلاق المعلن في فرنسا لا يمكن أن ُتصدق عليه محكمة فرنسية، ولكن يجب أن يُسجل في البلد الأصلي. في عام 1983 اعترفت المحكمة الفرنسية بنوعي الطلاق الإسلامي، وأن الطلاق “البسيط” أقل خطورة من الطلاق “النهائي”؛ حيث يستطيع الزوج رد زوجته مرة ثانية. وبالنسبة للميراث تقول سعيدة راحال: إنه في حالة حصر الإرث فإنه يخضع للقانون الفرنسي على عكس التشريع الإسلامي الذي يكون نصيب المرأة أقل من نصف نصيب الرجل، ويرجع ذلك لتدخل جماعات حقوق الإنسان.
وفي مجال الإرث تبرز بعض القضايا مثل قدوم طفل خارج الزواج أو طفل متبنى؛ فالتبني متاح في فرنسا. وما زال زواج المرأة المسلمة بغير المسلم زواجا ظنيا غير جائز في الشريعة الإسلامية، بينما سمح به القانون الفرنسي، ولكنه يحدث في حالات نادرة.
وبالنسبة لحضانة الأطفال، فقد سمح القاضي الفرنسي للمرأة المسلمة ذات الأصل الفرنسي فقط بتولي مسئولية الحضانة وتربية أطفالها. بينما المرأة المسلمة ذات الأصل العربي فإن الحضانة تخص الرجل فقط أو أحد أقربائه مثلما هو سائد في البلدان الإسلامية.
وقد حاولت بعض الاتفاقات -مثل الاتفاق الفرنسي الجزائري عام 1988- تنظيم حرية انتقال وحركة الأطفال عبر الحدود مع بلدانهم الأصلية بجانب ضمان حق الأم الفرنسية في حضانة أطفالها إذا كانت متزوجة من رجل عربي. ونلاحظ أن هذه الاتفاقات في صالح الأمهات ذوات أصل فرنسي، بينما الفرنسيات ذوات أصل جزائري أو عربي فلا ينطبق عليهن ذلك.
وفي النهاية، فإن كل امرأة تمتلك إحدى الجنسيات العربية فهي تخضع لقانون الأحوال الشخصية لهذه الدولة، والصعوبة أن هذه القوانين تُجرى عليها تعديلات بصور دائمة، وهي لا تدري بهذه التعديلات، كما يجهل الجيل الثاني هذه القوانين ولا يدري بها إلا أثناء الصراعات الأسرية. لذا فمن الضروري إعداد قانون أحوال شخصية إسلامي يطبق على جميع مسلمي فرنسا دون النظر إلى جذورهم الأصلية.
مـحـمـود الكــومـي
المصادر:
- مجلة “هي” مارس 2000.
- مجلة “العلوم الإنسانية” فبراير 1997.
- مجلة “لونوفيل أبزرفاتور” 22-28 فبراير 1996.
- مجلة “كانترا” يناير – فبراير – مارس 1995.
- مجلة “لومند دبلوماتيك” 2001.