سؤال: لاشك أن الجمعية قد سطرت مجموعة من الأهداف خلال مسيرتها منذ تأسيسها إلى اليوم، ما هي هذه الأهداف الكبرى؟
ماذا أنجز منها؟ وما هي الإخفاقات والعراقيل التي تعرقل سير الجمعية أحيانا؟
جواب : بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على رسوله المصطفى الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين في البداية أرى لزاما علي شكر جريدة المحجة الغراء على كفاحها الإعلامي والذي عرف تطورا كبيرا في الشهور الأخيرة.
بخصوص الأهداف التي سطرتها الجمعية المغربية لأساتذة التربية الإسلامية منذ التأسيس فهي حسب ما هو معلن في قانونها الأساسي تدور حول تطوير مادة التربية الإسلامية على مستوى المناهج والبرامج والطرق البيداغوجية والوسائل التعليمية وتشجيع البحث العلمي في المجال التربوي وتعزيز الروابط مع المؤسسات والجمعيات المماثلة.
ومن خلال مسيرة الجمعية انضاف إلى الأهداف السابقة هدف المناداة بشمولية التربية الإسلامية والتي لا تسمح طبيعتها أن تحصر في مادة حصصها ساعة أو ساعتين ولا حتى أكثر من ذلك، لأن التربية الإسلامية في حقيقة الأمر غاية عامة للنظام التعليمي في الدولة الإسلامية يجب أن توجه جميع المواد وفي مختلف المراحل الدراسية من الروض إلى الجامعة لتحقيقها، بل إن عمومية هذه الغاية لا تتحدد بمجال التعليم وإنما تتجاوزه إلى باقي المجالات ذات التأثير العميق في النفس مثل الإعلام بكل وسائله السمعية والبصرية والمكتوبة ودور الثقافة ومنتديات الشباب ومختلف الفنون الجميلة.
ولقد استطاعت الجمعية بحمد الله أن تكون في مستوى ما سطرته من أهداف فتنجز أهمها في زمن قصير.
فعلى مستوى البناء الداخلي انتظمت لقاءات المكتب المركزي والمجلس الوطني وعقد المؤتمر الأول والثاني في وقتهما دون تأخر وتأسست فروع للجمعية على امتداد التراب الوطني وعددها اليوم تسعة وعشرون فرعا.
وأما على مستوى النشاط التربوي فقد نظم المكتب المركزي عددا من الملتقيات والندوات والأيام الدراسية واكبت انشغالات الساحة التربوية ببلادنا بموضوعات البرامج والتأليف المدرسي والتكوين المستمر إلى صدور الميثاق الجديد وأطوار أجرأته.
ولقد تميزت أنشطة الفروع في غالبها بالكثافة والتنوع حيث تناولت عدة قضايا تربوية جسدت عمليا شمولية التربية الإسلامية وارتباطها بهموم المجتمع، كما تميزت بالانفتاح على جمعيات وهيئات أخرى لها اتجاهات وأهداف متقاربة.
وأعود إلى منجزات المكتب المركزي الذي أصدر عددين من مجلة “تربيتنا” والعدد الأول من كتاب تربيتنا وواصل إصدار مجموعة من البيانات والبلاغات الداعية إلى إحلال مادة التربية الإسلامية المكانة اللائقة بها باعتبارها أهم مادة تحمي هويتنا الدينية وتحافظ على الشخصية المغربية من الذوبان والاستلاب.
وأما ما يتعلق بالإخفاقات والعراقيل التي تعيق أحيانا سير الجمعية فمن المعلوم أن الجمعية وجدت أساسا للدفاع عن مركز التربية الإسلامية في منظومتنا التعليمية فمنذ تأسيسها في نونبر 1992 ما انفكت تنادي بإصلاح وضعية التربية الإسلامية بالزيادة في حصصها ومعاملها والتسوية في ذلك بين التلاميذ سواء كانوا أدبيين أو علميين والعناية بتكوين أساتذة متخصصين في تدريسها وغير ذلك من الإصلاحات الملحة، لكن أول صدمة واجهتنا بعد شهرين من التأسيس هي محاولة حذف مادة التربية الإسلامية من الشعب العلمية والتقنية بالمرحلة الثانوية في يناير 1993.
كنا آنذاك أصدرنا أول بيان للجمعية استنكرنا فيه تلك المحاولة والتي كان مآلها الفشل السريع.
والذي نعتبره إخفاقا لجمعيتنا في تحقيق رؤاها وأهدافها هو المسارالذي اندرجت فيه عملية أجرأة الميثاق حيث لاحظنا في الأوراق المنجزة إلى حد الساعة استئصالا لمادة التربية الإسلامية من جميع الشعب عدا شعبتين في قطب الآداب والإنسانيات.
< يعيش القطاع التربوي والتعليمي بالمغرب مرحلة حرجة ما موقف الجمعية من أهم القضايا المثارة؟
وكيف تصرفت وستتصرف في علاقتها بالجهات المسؤولة عن القرار التربوي بالبلاد؟
>> إن موقف الجمعية من أهم القضايا المثارة قبل إصدار الميثاق الوطني للتربية والتكوين وبعده ينطلق دائما من ذاتيتنا المغربية الأصيلة وينفتح على معطيات العصر بالقدر الذي تسمح به مقاصد ومرونة ديننا الحنيف التي هي العاصم من كل تيه أو زيغ.
فنعتبر أن تعيين اللجنة الخاصة بالتربية والتكوين وما أسفر عنه عملها من إعداد للميثاق الوطني وما كشفت عنه مشاريع تنزيله من توجهات دفع بالجمعية إلى الإفصاح عن رؤاها وتصوراتها لعملية إصلاح التعليم فعندما انطلقت أشغال اللجنة الخاصة بالتربية والتكوين عقد المكتب المركزي عدة لقاءات تدارس فيها موضوع الإصلاح وبلور فيها مقترحات الجمعية بهذا الصدد ووجهها في صيغة مذكرة لهذه اللجنة بعد أن تعذرت المشاركة الفعلية فيها.
وبالرجوع إلى هذه المذكرة وهي منشورة بالعدد الثاني من مجلة الجمعية “تربيتنا” نجدها تقدم تصورا شاملا لعملية إصلاح التعليم وتستحضر جل قضاياه وتدلي فيها برأي يستند إلى المرجعية الدينية والوطنية، ولقد جاءت بعض اختيارات الميثاق منسجمة إلى حد كبير مع اقتراحات المذكرة كما هو الشأن فيما يتعلق بمحاربة الأمية وربط المعارف المقدمة بالتطبيق والتكوين مع إبراز أهمية التربية الإسلامية في مجال التنمية الشاملة، بناء مناهج تتكامل فيها المواد الدراسية في نسق توحيدي لحمته الهوية المغربية ممثلة في الإسلام واللغة العربية.
وبخصوص مواصفات المتعلم الموجهة للمناهج والبرامج تم التطرق فيها إلى استهداف تربية النشء على الاقتناع بالإسلام وحسن فهمه، والعمل بتوجيهاته، والقدرة على النقد البناء، واتخاذ المواقف الصحيحة من مختلف القضايا وإشكالات الحياة وتنمية روح المبادرة والتفكير والإبداع.
أما ما كان البون فيه شاسعا بين المذكرة وواقع الميثاق فيمكن إجماله في قضايا الهوية على الخصوص.
فقد أوضحت المذكرة بأن الأصالة المغربية ليست نتاج اجتهادات بشرية ترسخت مع مرور الزمن وإنما هي أصالة مؤسسة على الوحي المعصوم الذي جمع أصول الخير والهداية والفضيلة واستوعب قضايا الإنسان في الزمان والمكان باتزان وانسجام، ووسطية واعتدال.
كما أشارت إلى أن كل تأكيد لأصالتنا، ممثلة في الإسلام واللغة العربية ـ في ديباجة الميثاق أو مرتكزاته ـ إذا لم يترجم إلى خطط فعالة وبرامج هادفة، سيظل عديم الأثر في واقع ناشئتنا، ويكرس غربتها الفكرية والشعورية والسلوكية في ظروف العولمة الثقافية والإعلامية الطاغية.
وبخصوص اللغة العربية اعتبرتها المذكرة لغة للتواصل بين العبد وخالقه والتواصل مع إخوانه في العالمين العربي والإسلامي ومع أعلام الأمة وتراثها المجيد على مدى أربعة عشر قرنا.
وأكدت المذكرة أن تحجيم مجال اللغة العربية في واقع المغاربة، لا يصح أن يوضع إلا في إطار سوء التعامل مع معادلة الأصالة والمعاصرة.
وترى المذكرة بأن إصلاح الإنسان والمجتمع شرط لأي إصلاح تعليمي وأوضحت بأن التربية التي سرنا على نهجها منذ فجر الاستقلال لم توفق في بناء الإنسان الذي يقدر مسؤولياته وله قدرة على القيام بها على أكمل الوجوه، وأن أخلاق وعادات التسيب والاستهتار بالواجب آخذة في الذيوع والانتشار حيث عز مع وجودها الإخلاص في العمل وضمرت روح المبادرة والتضحية.
وفي موضوع علاقة الجمعية وتصرفها مع الجهات المسؤولة عن القرار التربوي أقول إننا نعتبر التواصل مع هذه الجهات وسيلة ضرورية لأن أهم ما نصبو إلى تحقيقه من أهداف تربوية نعول فيه على اقتناع أصحاب القرار بها وحسن تفهمهم لها، وكلما غلب على ظننا أن جهة من أهل الحل والعقد مستعدة للتجاوب مع قضايانا التربوية سعينا للتواصل معها دون تردد.
وتجدر الإشارة إلى كون علاقتنا بوزارة التربية الوطنية بدأت مع تأسيس الجمعية ولا يعكر صفوها إلا كثرة الوعود التي تظل حبيسة الكلام الذي لا أثر له على أرض الواقع.
< لإحراز تقدم ملموس في الوقوف ضد كل ما يستهدف الهوية والمرجعية من خلال الإصلاحات الجارية لابد من التعاون والتنسيق مع مختلف مؤسسات المجتمع المدني. ماذا أنجزتم في هذا المجال؟
>> معلوم أن مجال التربية الإسلامية الذي تعمل فيه جمعيتنا مجال واسع يستوعب جمعيات أخرى عديدة وقضايا المرجعية والهوية الإسلامية مجال أوسع من مجال التربية الإسلامية حيث يشمل الشعب المغربي برمته.
ومن ثم فإن جمعيتنا تنعم بثراء كبير فيما يتعلق بإمكانيات ودوافع التواصل والتنسيق والتعاون مع جهات مختلفة ورغم بعض الإنجازات في هذا السبيل فنحن نشعر بالتقصير الكبير في استثمار كل الفرص المتاحة.
< وما هي آفاق الجمعية وأولوياتها في المرحلة المقبلة؟
>> كان من بين الأوراق التي تدارستها أوراش المؤتمر الثاني ورقة أولويات المرحلة المقبلة والتي يمكن اعتبارها مرحلة العطاء بعدما حصل في المرحلتين السابقتين من التأسيس والتثبيت.
ويمكن إجمال هذه الأولويات فيما يلي:
1- فتح المزيد من الفروع وتفصيل ما هو موجود منها واعتماد مبدأ اللامركزية بإحداث مكاتب جهوية، وتقوية التواصل بينها وبين المكتب الوطني باستخدام أحداث وسائل الاتصال والتسيير الإداري.
2-وضع خطة موحدة لأنشطة المكتب الوطني والفروع في مجال البحث التربوي والإشعاع الثقافي والتكوين المستمر.
3- اعتماد التنسيق والشراكة مع المؤسسات والمراكز والجمعيات ذات الاهتمام المشترك.
4- العمل على انتظام صدور مجلة تربيتنا وكتاب تربيتنا ونشرة التواصل.
وأولوية الأولويات هي العمل على إنصاف مادة التربية الإسلامية في الإصلاحات الجارية ومواصلة الكفاح لتتبوأ المكانة اللائقة بها سواء على مستوى إدراجها في المكونات الإجبارية ودعمها بمواد إسلامية أخرى مثل مادة الفكر الإسلامي والحضارة. أو على مستوى عدد المجزوءات في الشعب المختلفة أو على مستوى البرامج التي نسعى دائما إلى أن تكون متجاوبة مع حاجات النشء النفسية والواقعية وملائمة لمستوياتهم الإدراكية.
كما سنعمل إن شاء الله على تتبع كل تناقض موجود بين محتويات مواد أخرى وقيم الإسلام وأخلاقه وعقيدته.
حاوره : محمد البنعيادي